حول الكتاب
يعرض تيري إيجلتون لمسيرته النقدية السابقة وإغناءات هذه المسيرة وتعرجاتها في أحدث كتبه الصادرة "ضدّ الذوق Against the Grain 1986" ويتتبع في مقدمة كتابه الأخير مكونات هذه المسيرة النقدية ومحرضاتها وتحولاتها وأشكال علاقتها بكشوفات النظرية الماركسية في الأدب بخاصة وكشوفات النظرية الأدبية الحديثة بعامة. ويرى إيجلتون أن النصف الأول من السبعينات قد شهد ولادة جديدة للنظرية الثقافية الماركسية في بريطانيا بتأثير إحياء الفعالية السياسة الجذرية في المجتمع الغربي كله.
ولقد ولد هذا الإحياء، بسبب أحداث سياسية بعينها ومن ضمنها حرب فيتنام والحركات الطلابية في الستينات وبداية السبعينات ونهوض الحركة النسائية في بريطانيا في بداية السبعينات أيضاً، اهتماماً بالجدل النظري في صفوف اليسار، وأوجد مناخاً سياسياً عاماً يساعد على تطوير هذا الجدل. وقد احتل عمل لوي ألتوسير وتلامذته ومساعديه مركزاً أساسياً من مراكز الانشغال بالنظرية. ويعتقد إيجلتون أن فتنة عمل ألتوسير تكمن في كونه يقدم، أثناء انشغاله بالأيديولوجية، و"الاستقلال النسبي" للبنى الفوقية، نوعاً من الإصلاح وإعادة تأهيل ماركس "العلمي" واللينينية، بالإضافة إلى النزعة المعادية للمذهب الإنساني والتي تبدو ثورية، بمعنى من المعاني، على الصعيد السياسي، وقد جذب هذا العمل اهتمامات الماركسيين البريطانيين الذين رأوا فيه سبيلاً للتحرر من قيود النظرية الثقافية التي تبنتها النزعة الإصلاحية السياسية، في صفوف اليسار، تلك النظرية التي أصبحت في نظر هؤلاء الماركسيين غير كافية بالقياس إلى الضرورات التي تتطلبها اللحظة التاريخية، وهكذا وفّرت الالتسورية شكلاً من أشكال فضّ العلاقة بين السياسات الثقافية والعمل النظري من جهة، وحركة الإصلاح اليساري من جهة أخرى.
كان الغنى والتعقد النظريان والدفاع الحادّ عن مركزية التساؤل النظري وأهميته مصحوبة جميعاً بالحدة السياسية وتفجير العلاقة مع المثالية (ملخصة ذلك في العداء الحاد للهيجلية) التي لم تكن، على الأقل في السياق البريطاني، مقرنة بصورة متعارف عليها مع خطاب الثقافة وخطاب النظرية.
في قلب هذه البنية الثنائية يكمن سر فتنة الماركسية الألتوسيرية وتأثيرها على المثقفين الجذريين في هذه المرحلة؛ إذ أنها هيأت مناخاً مناسباً لعملهم وانشغالاتهم الفكرية وساعدتهم، بمناهضتها للنزعة الإنسانية المثالية، على التباعد عما كان سابقاً شيئاً حميماً بالنسبة لهم وعزيزاً على أنفسهم.
في هذا الإطار، وفي سياق هذا التأثير يأتي عمل إيجلتون النقد والإيديولوجية الذي يَعُدّ عملية النقد والأيديولوجية (Criticism and Ideology 1976) والماركسية والنقد الأدبي (1976) ضاربين بجذورهما في ذلك الوسط النظري، مع أنه يعترض على النقد الموجه إلى هذين العملين والذي عدّهما متأثرين بشدة الماركسية الألتوسيرية. يمزج إيجلتون في عمله هذا وبوضوح تام بين ألتوسير (في تميزه المعروف بين العلم والفن) وماشريه (في عدّه الأيديولوجية وهماً). إن إيجلتون سجين النظرية الألتوسيرية إلى الأيديولوجية وشروح ماشريه عليها، وإن عمل بذكاء بالغ على توسيع حدود النظرية الألتوسيرية حول الأيديولوجية وجعلها ملموسة من خلال تحليلاته النصية الذكية لأعمال جورج أليوت وماثيو أرنولد، وتي أس.دبليو، وتشارلز ديكنز، ودي آتش لورنس وكونراد وآخرين في بحث من أهم البحوث التي كتبت في النقد المعاصر حول العلاقة بين الأيديولوجية والشكل الأدبي.
رابط التحميل
0 التعليقات:
إرسال تعليق