اللزوميات - لأبي العلاء المعري (جزءان)


 حول الكتاب

لا تملك إلا أن تعجب به، تتعاطف معه، تحبه... أبو العلاء المعري... الفيلسوف الشاعر، الرجل الذي فهم الدنيا وعشقها واكتفى منها بالقليل، وانسحب هادئاً مطمئناً. انسحب وقد قرّر أن يعطي ثمرة حبه وعشقه لإخوته في الإنسانية..

تشدك سيرته الذاتية بما فيها من طموح وتحدّ، من أمل وألم.. من رغبة في الحياة وحبّ عميق لها إلى زهد بكل ما فيها من مغريات.

أي ثورة عارمة اجتاحت نفسه عندما غطّت سحابة سوداء على عينيه، وأي بديل هو هذا الذي يعوّض عن فقد أغلى ما نملك... وكان البديل نوراً غامراً في البصيرة أراده الله له وساعد والده في تنمية هذه الحاسة الجديدة قضى الشطر الأول من حياته ينهل العلم أما الشطر الثاني والأطول فكان في إفراغ ما تعلمه في كتب حملت لنا فكر الشاعر العظيم الذي فهم الدنيا فأعطاها ما تسحقها.

أشفق على الإنسانية، لأنه أحبّ الإنسان وأمل له الصلاح وحزن لمصابه حزن الحليم الحكيم. أحبّ كل ما في الحياة، حتى الحيوانات، فحاورها محاورة العقل ,أشفق عليها ونصح أبناء جنسه أن لا يؤذوها.

في عالمه الأسود اللون حاول أن يتعرف إلى ما وراء الحياة فتخبط في المجهول، وصرّح لمرات كثيرة أن الموت خلاصاً من عذاب العيش ومصائب الحياة التي بدأت ترتاده منذ نعومة أظفاره وما زالت.. ولكن حبّه للحياة كان أقوى وحبّه للناس أكبر وأعمق حتى إن جنة الخلد ليست بجنة لو وردها الإنسان وحده.

من عائلة عرف عدد كبير من أفرادها كشعراء ورجال دين.. في هذه العائلة تفتحت بصيرة أبي العلاء المعري على الحياة، أخذ العلم عk والده أولاً ثم على جماعة من علماء المعرّة، وانتقل إلى بعض المدن الشامية المعروفة كإنطاكية واللاذقية وطرابلس فدرس على علمائها واستفاد من خزائن كتبها.. اقتحم عالم الشعر صغيراً فتبع خطى سابقيه ولا سيما المتنبي.

سافر إلى بغداد وهو في حوالي السادسة والثلاثين من عمره، سافر حاملاً معه طموحاً كبيراً، اتفق يوم وصوله إلى بغداد موت الشريف الطاهر والد الشريفين الرضي والمرتضى، فدخل أبو العلاء العزاء والناس مجتمعون فتخطى بعضهم دون ينتبه فقال أحدهم: إلى أين يا كلب؟ فأجاب بسرعة: الكلب من لا يعرف سبعين اسماً للكلب. وجلس في آخر المجلس، وبعد أن أنهى الشعراء إنشاد مراثيهم وقف أبو العلاء وأنشد مرتجلاً: "أودى فليت الحادثات كفاف" فلما سمعه ابنا الشريف الطاهر عرفاه وقاما إليه ورفقا مجلسه وأكرماه.

وبدأت رحلته مع غربة نفسية عميقة، ومع حرب شنها عليه خصومه وحساده. ولكن هذا لم يمنعه من أن يطلع على علوم اليونان والهند ويناقش في العلوم والأديان والفرق. وقصده الناس من كل الجهات ولكنه اتهم بالزندقة والإلحاد فابتعدوا عنه.. رغم الحب الكبير الذي حمله معه إلى بغداد والذي تعمق وكبر هناك فقد ضاقت به الدنيا، ونفد المال ومنعته أنفته من الاستجداء بالمدح كما يفعل غيره من الشعراء، وقرّحه الشوق إلى وطنه.

رجع حاملاً في قرارة النفس قرار الإنسحاب.. لم تعزله الحياة، بل عزل نفسه منها، وسمّى نفسه رهين المحابس الثلاثة: محبس العمى ومحبس المنزل ومحبس روحه في جسده يعذّبها ويمنعها من الانطلاق.

ومع بداية العزلة بدأت رحلة العطاء لدى هذا الشاعر العظيم، فليست العزلة برأيه في الكف عن الدأب في الحياة وليست تواكلاً على الغير. بدا يفكر في هذه الحياة بتجرد وموضوعية، اكتشف أسرارها وعرفها حقّ المعرفة، وعرف النفس الإنسانية ورأى أن الإنسان طبع على الشر والفساد وعليه أن يقوم نفسه ويفهمها ويتبع الدين الصحيح.

في هذا العهد، عهد الاعتزال، تربع المعري على عرش المجد، هذا العرش الذي فتش عنه مسبقاً ربما برحلته إلى عاصمة الثقافة فعاد خائباً. جاء المجد والشهرة وهو معتزل في بيته يملي كتبه وفلسفته الخاصة في الحياة. قصده طلاب العلم من كل صوب ليستفيدوا من علمه.

وفي عزلته تلك وحيث ألزم نفسه أموراً كثيرة كتب لزومياته التي بين يدينا متنها، وقد فتح أبو العلاء في اللزوميات ميداناً جديداً للشعراء وهو ميدان التأملات في الكون المحسوس والحياة وما وراءهما، ونقد المجتمع والنفس الإنسانية وما يتصل بها. وألزم نفسه أيضاً الكثير من القيود في الشعر وهو ما لا يلزمه غيره من الشعراء.

أما التزامه ما لا يلزمه في الروي والقوافي فقد أدى به إلى ركوب القوافي الصعبة وبعث الألفاظ النادرة الاستعمال أو التي أهملت من زمن طويل، فكان هذا سبباً في التكلّف. والديوان خال من فنون الشعر التي لا صلة لها بفلسفته الخاصة وتأملاته، وهو يعالج الأمور الغيبية كالكلام عن الخالق والبعث والحساب، وأمور الحياة والموت كالكلام عن الأديان والرؤساء والشعوب وطبيعة الإنسان ومنشئه ومصيره، وهو إنما يعالج المواضيع معالجة الحكيم الفيلسوف.

أما تشبيهاته فيستمدها من الاصطلاحات العلمية التي يستقيها من ثقافته ولكنه يستعملها استعمالاً دقيقاً موفقاً. وقد يحس قارئ الديوان بغموض وإبهام وصعوبة، ولهذا أسبابه الكثيرة عند أبي العلاء، فهو شغوف بالمحسنات البديعية ولا سيما الجناس والطباق والتورية، بالإضافة إلى إشاراته المتكررة إلى الحوادث التاريخية وإلى رجال التاريخ واستعماله لألفاظ غريبة في كلامه وإتيانه بالوحشي من الكلام والأساليب.

رابط التحميل




شاركها في جوجل+

عن غير معرف

1 التعليقات: