الهوية والزمان تأويلات فينومينولوجية لمسألة النحن - فتحي المسكيني


حول الكتاب

إن ما وقع مع الفلسفة الحديثة هو الانزياح من "الهُوية" (الوجود) إلى "الذات" أو "الأنا" أفكر، وذلك بجعل معنى "الهوية" الوجود نفسه مستنبطاً من واقعة "الأنا" أفكر. هذا الانزياح الطريف من المعنى الأنطولوجي الوسيط لمصطلح "الهُوية" الدال على معنى الوجود، كما استعجله الفارابي أو ابن رشد، إلى المعنى الإيبستيمولوجي الحديث للأنا أو الذات بوصفها مصدراً لمعنى الوجود، كما صار معمولاً به منذ ديكارت إلى كانط، هو واقعة فلسفية يحاول الباحث إيضاحها في هذا الكتاب. وذلك مطلب يزداد طرافة عندما يوضع في الاعتبار أنه على أساس ميتافيزيقا الذات الحديثة وكنتيجة من نتائجها إنما أتى المعاصرون منذ هيغل ليس فقط إلى اختراع فلسفة في التاريخ تجذر معنى "الهو" الفينومينولوجي الذي استكشفه المحدثون وتقذف به في استشكال لواقعة الحداثة لم يبصر به ديكارت، بل أيضاً إلى الصراع الأنثروبولوجي والثقافي لمسألة "الهوية" كما صار شائعاً اليوم. إن قصد الباحث هو تجذير الدلالة السائدة للفظة "الهوية" Identité بإخراجها من مستوى اللغة العادية، أي مستوى اللغة العربية الحديثة، حيث تشير إلى "نحن" أنثروبولوجية وثقافية، إلى مستوى اللغة الفلسفية، حيث يجدر بها أن تدل على معنى "الهُوية" Ipséité التي تثوي في قاع كل منهم عامي للهوية بمعناها المشار إليه، وذلك في ضوء النقد ما بعد الحديث لنموذج "الذاتية" Subjectivité الحديثة.

وغرض هذا الكتاب هو فتح السبيل إلى ممارسة فينومينولوجية تتخذ من مسألة "الهُوية" خيطاً هادياً لها. وذلك ليس فقط باستئناف الجهود الفلسفية التي تداول عليها فلاسفتنا من الكندي إلى ابن رشد، نحو تملك صناعي لما اخترعه الإغريق من بناء أنطولوجي لمعنى وجود الموجود، بواسطة مفهوم "الهَوية"، بل أيضاً وبنفس الحدّة الشروع في بلورة استشكال صناعي واسع لظاهرة "الهَوية"، من حيث هي عدسة تفكير العرب الحاليين يحررها من سؤال "من نحن؟" في صيغته الأنثروبولوجية والثقافية، ويعيد بناءها في ضوء تأويلية جديدة تتخذ من سؤال "من؟" بعامة أفق عملها.

وبعبارة أخرى فهذا الكتاب يريد أن يعمل في نطاق الجهود التي يجدر بنا أن نبذلها باتجاه بلورة فلسفة عربية معاصرة، يفترض أنه يمكن أن تتخذ من سؤال "الهُوية"، في مختلف دلالالته mémeté, ipséité, identité خيطاً هادياً لها، من أجل ذلك هو يطرح سؤال "من نحن؟" أو بعبارة أدق "من نكون؟" في عصر العولمة، من أجل أن يشخص ما تنطوي عليه من إحراج وتحير ولكن يفتح أيضاً ما قد نخترع لها من إمكانات الفكر الفلسفي، وذلك بالتحديد انطلاقاً من كون فلاسفتنا القدماء (من الكندي إلى ابن رشد) قد استعملوا مصطلح "الهُوية" Ipséité في معنى قد يساعدنا أي مساعدة على الانتصار على التحير الهَووي Identitaire المعاصر، بأن يمدنا بأفق تفكير أصيل فيه.

رابط التحميل



شاركها في جوجل+

عن غير معرف

0 التعليقات:

إرسال تعليق