من هو اليهودي؟ - عبد الوهاب المسيري


حول الكتاب

من هو اليهودي؟
سؤال يُثار داخل الكيان الصهيوني. ويُعبر هذا السؤال عن فشل الإسرائيليين فى تعريف “الشخصية اليهودية” أو ” الهوية اليهودية”. ومصطلح “الشخصية اليهودية” يفترض أن ثمة شخصية قومية يهودية ذات سمات مميزة وثابتة. أما مصطلح “هوية يهودية” يعنى أن ثمة جوهراً يهودياً ثابتاً يَسِم أعضاء الجماعات اليهودية أينما كانوا ويمنحهم شخصيتهم اليهودية المحددة. الشخصية أو الهوية هى نتاج تفاعل بين مجموعة من البشر ومُركب من الظروف التاريخية والبيئية الثابتة على مدى زمني معقول، وهو الأمر الذى لم يتوفر إلا للعبرانيين.
يعرض الكاتب الهويات اليهودية بوصفها تركيباً جيولوجياً متراكماً فموضوع الهوية/الهويات اليهودية فى غاية التركيب. وفى حديث الكاتب عن النسق الديني اليهودي، يشير إلى أنه ليس كُلاً واحداً يتسم بقدر من الاتساق. وإنما هو عبارة عن تركيب جيولوجي تراكمي مُكون من طبقات تراكمت الواحدة فوق الأخرى، ولم تُلغ كل طبقة جديدة ما قبلها. وقد تكون هذه الطبقات متشابهة أو متناقضة. ولكنها تعيش متجاورة ومتزامنة وغير متفاعلة. ويمكن القول أن الهويات اليهودية أيضاً تركيب جيولوجي تراكمي ولكنه لم يكن ملحوظاً بسبب انفصال أعضاء الجماعات اليهودية ووجودهم في أماكن متفرقة من العالم. بعد تأسيس الدولة الصهيونية، ظهرت الخاصية الجيولوجية التراكمية، وتفجرت قضية من هو اليهودي؟ يؤكد الكاتب أنه لا يتحدث عن “هوية يهودية” عامة مُطلقة، ولا يتحدث عن غياب أية هوية يهودية. وإنما يتحدث عن هويات يهودية مُتعيِنة متنوعة.

والفكر الصهيوني يصدُر عن نموذج اختزالي يُنكر واقع الجماعات اليهودية الحضاري الفسيفسائي الجيولوجي التراكمي، ويطرح فكرة الهوية اليهودية العالمية الواحدة. ولكن حين يصل أصحاب هذه الهويات إلى إسرائيل، يتضح للجميع أنهم ليسوا مجرد يهود، فإن يهود العالم العربي يصبحون يهوداً شرقيين فى آخر درجات السلم الاجتماعى الإسرائيلي كما يصبح يهود روسيا أشكنازاً أو غربيين ومن ثم يشغلون قمة السلم الاجتماعي. ومن هنا تظهر الهويات اليهودية المختلفة، وهو ما يؤدي إلي طرح قضية ” الهوية اليهودية” على بساط البحث.

تاريخ الهويات اليهودية حتى الوقت الحاضر :
تاريخ الهويات اليهودية طويل ومُركب ويغطى عدة أزمنة وأمكنة لا يربطها رابط في كثير من الأحيان.
أولى الهويات اليهودية هو ما نسميه ” الهوية العبرانية” أي هوية العبرانين قبل أن يتم تهجيرهم إلى آشور وبابل. وكانت الهوية العبرانية تستند إلى تعريف ديني قومي. ويستخدم أحياناً مصطلح ” الهوية العبرانية اليهودية” للإشارة إلى الهوية اليهودية بعد العودة من بابل. وقد بدأت ملامح الدين اليهودي فى التحدد فى تلك المرحلة، وظهر نسق ديني يهودي أخذ شكل عبادة قربانية مرتبطة بالهيكل الذي أعيد بناؤه، وبأرض فلسطين، و بالتراث العبراني. ومن هنا تسمية الهوية اليهودية فى هذه المرحلة بأنها “هوية عبرانية يهودية” فهي عبرانية في جانبها الإثني المحدد ويهودية فى جانبها الديني الآخذ فى التحدد. وكما هو واضح، تُعد هذه المرحلة مرحلة انتقالية من منظور الهوية .
من أهم التطورات فى هذه المرحلة، كان انتشار الجماعات اليهودية خارج فلسطين وحتى يتَسنى لأعضاء هذه الجماعة الاضطلاع بالوظيفة الموكلة إليهم بكفاءة، كان لابد لها أن تحتفظ بعزلتها الإثنية والدينية عن مجتمع الأغلبية. و من هذه الجماعات، الحامية العبرانية، الجماعة اليهودية فى بابل. وقد واكب ظهور الجماعات اليهودية خارج فلسطين تَفتُت الهوية العبرانية اليهودية في فلسطين من المنظورين الديني والقومي. لأسباب عديدة منها تسامُح الحضارة الهيلينية واستعدادها للاعتراف بأى يهودي على أنه هيليني، متى أجاد اللغة اليونانية ومارس أسلوب الحياة اليونانية. ظهرت فرق يهودية كثيرة ومن أهم هذه الفرق الفريسيين وإليهم يرجع الفضل فى إعادة صياغة اليهودية. فأعيد تعريف الهوية بحيث أصبحت أساسا هوية دينية روحية ذات بُعد إثنى مُتقلص، علاوة على هذا غير مرتبطة بالهيكل. وواكب هذا التعريف استعداد للتصالح مع الدولة الحاكمة فى المنطقة مادامت لا تتدخل فى حياة اليهود الدينية. ازاداد انتشار الجماعات اليهودية في العالم نتيجة الهجرة من فلسطين والتهود، وكانت أعداد متزايدة من يهود فلسطين تفقد صبغتها العبرانية لتكتسب صبغة هيلينة. أما خارجها، فقد نسي يهود البحر المتوسط، ولا سيما فى مصر، العبرية تماما، وتمت ترجمة العهد القديم إلى اليونانية وتم تشييد هيكل أونياس حتى يستقلوا عن هيكل القدس، وهو ما كان يعني ظهور هوية يهودية فى مصر الهيلينية مستقلة عن الهوية اليهودية فى فلسطين. ويمكن القول بأن الهوية العبرانية والهوية العبرانية اليهودية ذات التوجه القومي قد اختفت تماماً وظهرت مراكز عديدة فى بابل والإسكندرية.
ومما زاد من عدم تجانس الجماعات والهويات اليهودية ، انتشار اليهود في كل أنحاء العالم دون وجود سلطة مركزية دينية فى فلسطين أو في غيرها من الأماكن. كما لم تكن تُوجد فى العالم القديم وسائل مواصلات او إعلام تقرب بين أطراف العالم . لكل هذا، تطورت كل جماعة يهودية على حدة، بمعزل عن الأخرى، على المستويين الديني والقومي. وقد ظلت هذه الفسيفساء قائمة إلى أن انحلت الإمبراطورية الرومانية وانتشرت المسيحية في الغرب وانتشر الإسلام في الشرق، وازادادت اليهودية توحيدية داخل المدار الإسلامي ومن ثم، ظهر ما يمكن تسميته “هوية يهودية عربية إسلامية ” وهى التي أنتجت أمثال موسى بن ميمون. أما فى الغرب ازدادت اليهودية غيبية ودخلت عليها عناصر صوفية متطرفة. وازدادت الهوة اتساعا بين الهويات اليهودية في الشرق والغرب.

التعريف الديني للهويات اليهودية
في العصور القديمة، كانت اليهودية ديانة توحيدية في محيط وثني، وكانت تكتسب هويتها من هذا التعارض الواضح. أما في العصور الوسطى الغربية و في العالم الإسلامي، فقد اختلف الأمر تماما، إذ وجدت اليهودية نفسها في محيط توحيدي (إسلامي أو مسيحي) أدى إلي انطماس معالمها. ولذلك حاول علماء اليهود أن يخلقوا هوة بين اليهود وأعضاء الديانات التوحيدية الأخرى، وكان التلمود هو ثمرة هذه المحاولة. وظهر تعريف الشريعة للهوية اليهودية، فعُرف اليهودى بأنه من وُلد لأم يهودية أو من تهوَد. وهذا التعريف هو الذي ساد منذ ظهور اليهودية الحاخامية مع بدايات العصور الوسطى في الغرب حتى بدايات القرن التاسع عشر.
وفى القرن الثامن، شهدت اليهودية حركة إصلاح ديني من جانب القرائين الذين تأثروا بالتراث الديني الإسلامي وعلم الكلام والنزعة العقلانية ، فرفضوا الشريعة الشفهية التى جُمعت معظم أحكامها في التلمود، ونادوا بأن لا قداسة إلا للتوراة وحسب. وهو موقف مختلف تماماً عن موقف اليهودية الحاخامية .
وقد ازداد انتشار أعضاء الجماعات اليهودية في أنحاء العالم، وازداد بشكل واضح غياب التجانس الثقافي والديني بينهم مع الثورة العلمانية الكبرى التي بدأت تترك أثرها التدريجي فى الجماعات اليهودية.

الخريطة العامة للهويات اليهودية فى الوقت الحاضر
لاحظنا التطور التاريخي للهويات اليهودية المختلفة والذي نجم عنه ظهور هويات لا حصر لها ولا عدد.
كما لاحظنا أن تعريف الشريعة اليهودية لمن هو اليهودي كان تعريفاَ يعاني من الخلل، فلا هو بالديني ولا هو بالعرقي، بل يجمع عناصر دينية وعرقية دون تعريف حدود كل عنصر . وزادت الصورة اختلاطاً وسوءاً مع ظهور الفرق اليهودية الحديثة، و ظهور اليهودية الإثنية والإنسانية، وإصرار كل هؤلاء على أن يسموا أنفسهم يهوداً. كل هذا يعنى أن كلمة “يهودي” تشير إلى أشخاص يؤمنون بأنساق دينية متعارضة من بعض النواحي، وينتمون إلى تشكيلات حضارية مختلفة..
ومن هذه الجماعات يهود اليديشية أو الأشكناز واليهود الشرقيين السفارد ويهود الفلاشاة. و يوضح الكاتب أن كل التقسميات السابقة آخذة فى الاختفاء وأن ثمة ثلاثة أقسام أساسية الآن فى العالم :
1- خارج فلسطين.. ظهر ما يمكن تسميته “الهوية اليهودية الجديدة ” وهى ذات ملامح يهودية إثنية أو دينية وتظهر فى المجتمعات الغربية الحديثة.
2- داخل المُستوطن الصهيونى
3- يهود متدينون (أرثوذكس ) وهم أقلية صغيرة خارج إسرائيل وأقلية كبيرة داخلها.

الهوية اليهودية الجديدة في المجتمعات الغربية الحديثة
” الهوية اليهودية الجديدة ” مُصطلح يصف الهوية اليهودية الجديدة التى نشأت تدريجياً في العالم الغربى بعد عصر الانعتاق وتصاعد معدلات العلمنة . يهود العالم الغربي ، شأنهم شأن بقية قطاعات المجتمع الغربي ، خضعوا بعد القرن التاسع عشر لعملية ضخمة من العلمنة والتحديث، فقد تزايد معدل العلمنة في المجتمعات الغربية إلى أن أصبحت المجتمعات تُهيمن عليها العقيدة العلمانية الشاملة التى لا تتبنى أية معايير دينية أو أخلاقية للحكم على الفرد. فهى مجتمعات تدور حول مبدأى المنفعة واللذة وحول مفهوم الإنسان الطبيعى ( الاقتصادى والجسمانى) ، ولا تحكم على الفرد إلا على أساس كفاءته ومدى نفعه وتكيفه مع قيم المجتمعات بحيث يصبح مواطناَ يتوجه ولاؤه نحو الدولة وخدمة مصلحتها.

تعود مشكلة “الهوية اليهودية” فى التشكيل الحضارى الغربي، إلى العصور الوسطى فى الغرب، لعب أعضاء الجماعات اليهودية دور الجماعة الوظيفية الوسيطة كتجار ومرابين، الأمر الذى عزلهم عن بقية أعضاء المجتمع. ومما دعم هذه العزلة، علاقات الجماعة الوظيفية اليهودية (فى كل بلد) مع الجماعات الوظيفية اليهودية الأخرى فى أنحاء العالم الغربي والإسلامي، وهى علاقات كانت تشكل ما يشبه النظام المصرفي. وقد خلقت هذه العلاقات وَهم الوحدة، بحيث كان المراقب الخارجي يتصور أن اليهود يشكلون وحدة قومية بسبب علاقاتهم التجارية والمالية، وهم فى الواقع جماعات غير متجانسة تنتمي إلى تشكيلات حضارية مختلفة ويربطها رباط الوظيفة الاقتصادية والاجتماعية.
فى القرن السابع عشر، بدأت تظهر الطبقات البورجوازية ثم الدول المطلقة ووريثتها الدولة القومية الحديثة التي بدأت تضطلع بكل وظائف الجماعات الوظيفية، وهو ما أدَى إلى الاستغناء عنها. وقد طالبت الدولة القومية الحديثة أعضاء الجماعات اليهودية وكل الأقليات بالتخلص من خصوصيتهم الدينية أو الإثنية.
وبأن يقوموا بإعادة تعريف هويتهم بشكل يتفق مع ما تتطلبه من ولاء قومي كامل من كل المواطنين، وحاولت تخليصهم من تمايزهم الوظيفي والاقتصادي. و هذه عملية يمكن أن نطلق عليها مُصطلح “تحديث الهوية” أو ” علمنة الهوية” .
ومن منظور التحديث، يمكننا أن نقول إن هويتين يهوديتين أساسيتين ظهرتا في التشكيل الحضاري الغربي في القرن التاسع عشر، أولاهما، الهوية اليهودية فى مجتمعات غرب أوروبا ووسطها، في إنجلترا وفرنسا وإيطاليا، وفى ألمانيا بدرجة أقل، ثم في الولايات المتحدة، وهي مجتمعات تتسم بأنها لم تكن تضم أعداداً كبيرة من أعضاء الجماعات وبأن عملية التحديث نجحت فيها إلى حد كبير. وقد نشأت فى هذا الإطار الاندماجي، اليهودية الإصلاحية التى فصلت الهوية الدينية عن الهوية القومية، وعرفت اليهودية تعريفاً دينيا خالصا.
أما الهوية اليهودية الثانية، فقد نشأت في مجتمعات شرق أوروبا بين يهود اليديشية. وهذه مجتمعات دخلت العصر الحديث متأخرة وفي أواخر القرن التاسع عشر طُرحت في شرق أوروبا عدة تصورات للهوية اليهودية تستند إلى تجربة أعضاء الجماعات اليهودية فى تلك المنطقة. ولكن كان هناك تصوران قُدر لهما الشيوع فى صفوف يهود شرق أوربا
1- قومية الدياسبورا
2- الحل الصهويني

التعاريف الصهيونية للهويات اليهودية
تُعَد الصهيونية، في أحد جوانبها، محاولة لإعادة تعريف اليهود تعريفاً يتفق مع وضعهم الجديد فى الغرب بعد ظهور الدولة القومية العلمانية وعصرالإعتاق وسقوط الجيتو. وينطلق الصهاينة اللادينيون من تعريف للهوية هو في جوهره علمنة لكثير من الأفكار القومية الكامنة في التراث الديني اليهودي. فهم يرون أن ثمة هوية قومية يهودية واحدة متميزة متجانسة تفرق بين اليهود وسواهم من أقوام فى كل زمان ومكان. لكن معظم الاتجاهات الصهيونية تطرح تصوراً للهوية اليهودية على اعتبار أنها شيء نابع من حركيات ما يُسمى “التاريخ اليهودي” المرتبط بفلسطين. وهذا المجال الزماني المكاني هو المجال الوحيد الذى تستطيع فيه هذه الهوية أن تُعبر عن نفسها تعبيرا كاملا. ويرى الصهاينة أن هويات يهود المنفى المندمجين ليست إلا انحرافاً عن مسار هذا التاريخ. و أنه ستُلغى كل هذه الأوضاع الشاذة حالما يؤسس الصهاينة وطناً قومياً تتمكن فيه الشخصية اليهودية من التعبير عن نفسها. وسيحقق اليهود من خلال الدولة، وبوصفهم شعباً، ما فشلوا فى تحقيقه بوصفهم أعضاء في مجتمعاتهم. وهذا ما يُسمى في المصطلح الصهيوني “تطبيع الشخصية اليهودية”. وبحسب الرؤية الصهيونية، فقد بدأت هذه العملية بالفعل في عام 1948 – عام إعلان الدولة الصهيونية (الكومنولث الثالث). ولكن تطبيع اليهود لا يعني تصفية الهوية اليهودية وإنما يعني منحهم هوية يهودية جديدة سوية.
من الضروري أن ننتبه إلى أن مقولة الهوية اليهودية فى السياق الصهويني الاستيطاني ليست مجرد مقولة نفسية أو فلسفية أو دينية. فهى مقولة قانونية تحمل مضمونا سياسيا واقتصاديا محددا. فلليهودي في الدولة الصهيونية مزايا وحقوق لا يتمتع بها غير اليهودي. ويمكننا أن نقول إن التعريف الصهويني للهوية اليهودية هو الأساس النظري للممارسات الصهيونية العنصرية ضد العرب.
الهويات اليهودية والتناقض بين الرؤية الصهيونية والممارسة الإسرائيلية
كانت كل جماعة يهودية تمارس تجربتها التاريخية والدينية بمعزل عن الجماعات الأخرى، وكانت كل منها تُطور هويتها الدينية والإثنية من خلال التشكيل الحضاري الذى تُوجد فيه. وذلك دون البحث عن خاصية جوهرية ما تربط كل أعضاء الجماعات معاً، ودون الحاجة إلى تعريف دقيق وعالمي وشامل لليهودي.
وكان الصهاينة اللادينيون، حتى عام 1948، يتحدثون بحرية شديدة عن “الشعب اليهودي الواحد” وبالتالي عن الهوية اليهودية الواحدة والقومية اليهودية. وكان الصهاينة المتدينون قانعين بدورهم الثانوي في الحركة الصهيونية، ولكنهم كانوا يتحينون الفرصة ليفرضوا تعريفهم الديني الأرثوذكسي . وقد تم إعلان قيام الدولة الصهيونية باعتبارها دولة مستقلة يهودية ليست مقصورة على مواطنيها، فهي دولة الشعب اليهودي بأسره داخل فلسطين وخارجها. وترى هذه الدولة أن مصدر شرعية وجودها هو يهوديتها. ومن هنا محورية تعريف الهوية اليهودية ، ومن هنا أيضاً حتمية ظهور التناقضات الكامنة .
وقد أصدرت الدولة الصهيونية عدة قوانين تعطي حقوقاً لصاحب الهوية اليهودية، وكان أول هذه القوانين قانون العودة الذى يعطي لأي يهودي الحق، أينما كان، في الهجرة إلي إسرائيل (فلسطين المحتلة) والاستيطان فيها. ثم صدر قانون المُواطنة الإسرائيلية، والذى يمنح الجنسية الإسرائيلية لكل المهاجرين اليهود. ولكن كلا القانونين لم يُعرف من هو اليهودى وتُركت القضية معلقة..
وننتقل إلى التحدث عن تناقضات أساسية، واجهها الصهاينة في محاولتهم تطبيق المُثُل الصهيونية :
1- التناقض بين الدينيين و اللادينيين :
التعريف الديني الأرثوذكسي لليهودي أمر أقرته الشريعة اليهودية الحاخامية. أما التعريف القومي (غير الديني) ،فهو مسألة غامضة للغاية، إذا أن من الصعب تعريف هذه الخاصية القومية الفريدة التى تُميز هذا الحشد الهائل من الجماعات اليهودية التى تتمتع بهويات متعددة.
2- التناقض بين السفارد والإشكناز
يمكن القول بأن الصهيونية، على مستوى الممارسة منذ أول أيامها وحتى عام 1948 قد عَرفت اليهودى بأنه اليهودي الأبيض (الإشكنازي) . وكانت فى هذا متسقة مع نفسها فقد كانت تُقدم نفسها باعتبار أنها تجربة تتم داخل إطار التشكيل الإستعمارى الاستيطاني الغربي، ولقد بذل آرثر روبين، أحد أهم علماء الاجتماع الصهاينة والمسئول عن الاستيطان في فلسطين لفترة طويلة قبل إنشاء الدولة، جهداً علمياً فائقاً لإثبات أن اليهودي هو الإشكنازي وحده وأن الشرقيين ليسوا يهوداً. وهذا الموقف يتناقض مع موقف الصهيونية الأصلي، فالصهيونية تكتسب شرعيتها من زعمها بأنها حركة الشعب اليهودي بأسره.
3- التناقض بين التعاريف الدينية المختلفة
فالأرثوذكس لا يعترفون بالحاخامات الإصلاحيين ولا بالحاخامات المحافظين كيهود. ولذا فهم لا يعترفون بالمتهودين على أيدي مثل هؤلاء الحاخامات.

استجابات أعضاء الجماعات اليهودية للتعاريف الصهيونية للهويات اليهودية
طرحت الصهيونية (في صيغتها اللادينية) نفسها كحركة لتطبيع اليهود، وطرحت مفهوم “اليهودي الخالص” صاحب الهوية اليهودية الحقيقية ليحل محل “يهودي المنفى” الذى يخفى هويته ويتقمص هوية الآخرين. والدولة الصهيونية التى يُقال لها “يهودية” ستكون المسرح الذى تتحقق عليه هذه الهوية. وقد قبل بعض الصهاينة الدينيين المشروع الصهيوني و تحالفوا مع اللادينيين على أمل أن تتاح لهم الفرصة بعد ذلك أن يفرضوا رؤيتهم الدينية بحيث يكون “اليهودي الحقيقي” هو اليهودي حسب التعريف الأرثوذكسي. وقد أدى هذا إلى توترات عميقة بين الدولة الصهيونية من جهة والجماعات اليهودية في العالم.
والصهيونية ترى أن الهوية اليهودية خارج المُستوطن الصهيوني هوية ناقصة مريضة يجب إلغاءها، وهذا ما يُسمى ” نفي الدياسبورا” فى المصُطلح الصهيوني وقد نجم عن ذلك صراع حاد بين أعضاء الجماعات اليهودية والمُستوطن الصهيوني.
ومع كل هذه العناصر والتوترات والتناقضات تجعل من العسير على اليهود أنفسهم تصديق مقولة الشعب اليهودي الذي يتجاوز الأزمنة والأمكنة والذى يحمل داخله جوهراً يهودياً. فقد أثبت الواقع العملي أنه لا يوجد جوهر واحد، بل هي سمات عديدة متنوعة بتنوع التشكيلات الحضارية والتاريخية التي يتواجد فيها اليهود.

رابط التحميل

شاركها في جوجل+

عن غير معرف

1 التعليقات: