حول الكتاب
تقتضي قراءة نيتشه، اليوم، من المرء الإنفلات من قبضة الزمان وضغطه، والتحرر من الآني؛ ذلك لأن أعماله كلها، وليس فسحب هكذا تكلم زرادشت، "موجهة إلى الجميع، وإلى لا أحد"، فهي تتحدث إلى الجميع ولكنها لا تتوجه إلى أحد بعينه، فكل قارئ مطالب بأن يبني لنفسه وجهاً جديداً بعد إزالته القناع الخاص به.
نحن نقرأ نيتشه لكي نتحرر من الراهن ونكتشف بمعيته الآتي، وإذا كان نيتشه قد خل في صراع مع عصره فلكي تكون له تأثيرات في المستقبل، وهو بذلك قد عثر على حقيقة الفلسفة التي لم تنجز منذ سقراط، وإذا كانت أعمال نيتشه من أجل الجميع ومن أجل لا أحد، فربما لأنه واجب كل واحد أن ينتزع ذاته من إستبداد الكل لكي ينفتح على ما ليس له بعد، ولكي يصير، بقلق أسئلته وتساؤلاته المنزاحة، إرادة قوة المستقبل.
والقراءة التي تسعى أطروحتنا أن تبحث لها عن تسويغ، في فلسفة نيتشه، تتمثل في الدفاع عن الموقف النقيض للقراءة الهيدغرية، وهو الموقف الذي بموجبه تعتبر فلسفة نيتشه تجاوزاً للميتافيزيقا، لا من حيث هي أنطولوجيا نسيان الوجود، كما يقرأ هيدغر الميتافيزيقا، وإنما من حيث هي أخلاق، ولغة، ومنطق، وأسلوب في التأويل والتقويم، ونقش على الجسد، وبإختصار من حيث هي سيميولوجيا وتيبولوجيا وفيزيولوجيا؛ بيد أن ما يميز النقد الجينيالوجي، الذي يروم تجاوز الميتافيزيقا، هو أنه نقد يتم من داخل الميتافيزيقا ذاتها وليس من خارجها.
لكن دراستنا لا تقف عند مستوى إظهار عمل النقد التفكيكي والتقويض الداخلي للميتافيزيقا فقط، بل تريد أن تبرز، فيما وراء هذه اللحظة السلبية للنقد؛ لحظة التفلسف بضربات المطرقة: لحظة الفرح الديونيزي والإنتشاء المدوّخ لفعل الخلق والإبتكار، الذي يعقب الهدم التراجيدي، ويستبق زمانه بإتجاه الآتي، ولا تسعفه لغة الموروث الفلسفي.
وهدفنا من كل ذلك يتعلق بإدراك أهمية النص النيتشوي وجدّته، من أجل فهم ما يعتمل في الواقع وفي دواخل الإنسان المعاصر.
رابط التحميل
0 التعليقات:
إرسال تعليق