حول الكتاب
ولدت فكرة هذا الكتاب في نفس يوم "اغتيال السادات"... يوم الثلاثاء 6 أكتوبر 1981.. كنت في "المنصة" لحظة أن قامت "القيامة" فيها.. لحظة أن انكفأ السادات على وجهه، وعلى بطنه، وتحول جسده من شدة الرصاص والغيظ إلى "غربال"، وفصل نصفه العلوي عن نصفه السفلي... لحظة أن هبت رياح الموت والرعب والذهول على كل من كان في هذا المكان "الاسمنتي" المحصن بالحرس، والمدرعات والطائرات.. لحظة أن انحنت رؤوس الحكم وراحت تحتمي بمقاعد كانت تجلس عليها... لحظتها، لم يفهم أحد ماذا حدث؟ ولماذا حدث؟ لم يعرف أحد من الذي نفذ العملية؟؟ ولا من الذي دبرها؟؟
وجريت إلى مستشفى "المعادي" حيث نقل الجميع إليها.. الجناة المجنى عليه.. خالد الإسلامبولي ورفاقه وأنور السادات.. جريت إلى مستشفى المعادي لأعرف النهاية قبل أن أعرف البداية... لأعرف تفاصيل الفصل الأخير قبل أن أعرف تفاصيل الفصل الأول.. وعرفت هناك أن السادات قد مات قبل أن تتحرك مروحة طائرة الهيلكوبتر التي حملته من المنصة إلى المستشفى,, وعرفت أن خالد ورفاقه على وشك العودة إلى الحياة بعد أن ابت مشيئة الله أن يموتوا قبل أن نعرف منهم ما حدث.. ولماذا وكيف حدث؟!
على أنه من المؤكد أن كل من في مصر -وربما في العالم أيضاً- كان في تلك اللحظات الصعبة -يريد أن يعرف ماذا "سيحدث" قبل أن يعرف ماذا وحدث؟! كان الكل يريد أن يعرف "نتائج" اغتيال السادات قبل أن يعرف "أسباب" هذا الاغتيال.. هل سيطاح بالحكم القائم وتستولى سلطة جديدة على البلاد؟ هل سيتحرك الجيش؟ هل ستتدخل قوى خارجية؟ هل هناك "بيان أول" في طريقه إلى مبنى الإذاعة والتليفزيون وفي ماسبيرو؟
ولم يهدأ الناس إلا عندما أعلن حسني مبارك بعد عشاء ذلك اليوم خبر مصرع السادات.. فقد كان هذا الإعلان بصوت وصورة نائب الرئيس بمثابة دليل قوي على أن السلطة الشرعية في البلاد لا تزال تحكم وأن حادث الاغتيال لم يتطور إلى ما هو أكثر من ذلك..
لكن قبل أن يهدأ الناس تماماً، وقعت حوادث العنف في أسيوط، وحاولت جماعات دينية متطرفة الاستيلاء على المدينة الكبرى المعرفة بعاصمة الصعيد تمهيداً لإعلان الثورة الإسلامية الشعبية.. وحاصرت قوات الأمن المركزي المدينة الصعيدية ناشفة الرأس وفرضت عليها حظر التجول، والنوم بعد صلاة المغرب. وكان على أن أسافر إلى أسيوط وهي لا تزال تحت الحصار... كان علي أن أسافر إليها قبل أن أستكمل تحرياتي عن حادث الاغتيال...
وعدت من أسيوط لأواصل تحرياتي عن حادث الاغتيال لقد كانت المعلومات المتاحة نادرة.. ومن الصعب الحصول عليها.. وليس هناك من يؤكد صحتها أو يكذبها.. ورغم ذلك كنت أول من نشر أجزاء من التقرير الطبي لمستشفى المعادي.. وكنت أول من نشر أن الرصاصات القاتلة التي أصابت السادات لم يطلقها خالد الإسلامبولي وإنما أطلقها حسين عباس من فوق العربة.. وكنت أول من نشر معلومات شخصية عن الجناة الأربعة الذين قتلوا السادات...
نشرت ذلك، وغيره في الأسابيع الأولى، التالية على الحادث، ونقلت بعض صحف العالم ما نشرته.. وأشادت به.. وجاءت المحاكمة... وحضرت جلستها العلمية الأولى، وفي الاستراحة نجحت في أن أصل إلى قفص المتهمين، وسجلت حواراً سريعاً مع خالد الإسلامبولي، المتهم الأول، وعبد الحميد عبد السلام، المتهم الثاني، ونجخت في أن أخرج من قاعة المحكمة وشريط "الكاسيت" الصغير في جيبي.. ونشرت ما سجلته.. وكان ما نشرته هو الحوار الصحفي الوحيد الذي نشر مع المتهمين في مصر.. وربما في خارجها أيضاً. وكان ثمن نشر هذا الحوار: خرماني من حضور باقي الجلسات العلنية..
رحت بعيداً عن صداع الحياة أصوغ كل ما حصلت عليه من معلومات وأسرار ووثائق.. ولم تعجبني الصياغة الأولى.. ولا الثانية.. ولا الثالثة.. وكانت الصياغة الرابعة.. هي الصياغة الأخيرة التي دفعت بها إلى الناشر.. وقد تصورت أن جرأة الناشر لن تصل إلى حد نشر الكتاب كما هو.. لكنني فوجئت به متحمساً لإلغاء الكتاب قبل ألغازه ولأسراره قبل أخباره.. وقال : إما أن نقول كل شيء أو لا نقلو! هذا تاريخ.. والتاريخ أمانة! وانبسطت.. فهذا بالضبط ما أومن به.. وهذا بالضبط ما كنت أسعى إليع وأنا أكتب كل حرف في هذا الكتاب الذي عشته من الألف إلى الياء، والذي أفتح به كنوزاً من الأسرار المجهولة، وأفك به طلاسم من الألغاز المعقدة، وأحل به علامات استفهام حائرة لا تزال تزن في عقولنا حتى الآن. هذا بالضبط هدفي من نشر هذا الكتاب.. وهدف الناشر الجرئ أيضاً.
رابط التحميل
0 التعليقات:
إرسال تعليق