حول الكتاب
واصل المترجم عبد الكبير الشرقاوي تنقيبه عن الكتب التي يمكنها أن تفيد الثقافة العربية موضوعا ومنهجا ورؤية، في المجالات المتعددة التي يقتحمها بحثا عن الجديد والمدهش والعجيب، وذلك بترجمة كتاب عبد الله حمودي ‘ الضحية وأقنعتها’ .فغالبا ما نغض الطرف في البحث عن القضايا المعقدة بحكم العادة والألفة ظانين أنها مسائل عابرة وهامشية مطمئنين إلى المسلمات التي نتوارثها عن الأسلاف. هذه القضايا التي تحرمنا التمثلات الجاهزة عن إدراك بنيتها النسقية هي ما ينصب عليه البحث عند الإثنوغرافيين والإتنولوجيين والأنثروبولوجيين المستشرقين، وهي ما يهيج ذائقة البحث لديهم. غير أن هذه الأبحاث، بحكم جهل العديد من مكونات النسق الثقافي العربي للمقدس أو غيره، غالبا ما تؤدي إلى نتائج متناقضة.
لكن الباحث المغربي محمد حمودي انطلاقا من تراكماتها القرائية عن الموضوع أراد أن يصحح الكثير من المغالطات التي كانت سببا في وصول بعض الدراسات الاستشراقية إلى نتائج مخالفة انبثاقا عن رؤيته العميقة للمنظومة القيمية العربية خاصة في المغرب العربي الكبير، والتي من شأنها توجيه البحث في هذا النسق الكرنفالي الذي يلي عيد الأضحية، وعودته المرجعية إلى جذور الظواهر في المجالات المحيطة والمجاورة للمغرب العربي لأنه ليس بمعزل عما تعرفه من مظاهر ثقافية وفلكلورية.
يتضمن المؤلف كتابين: الأول تحت عنوان ‘ محاولة في إثنوغرافيا العيد’، وينقسم بدوره إلى سبعة فصول: الأول في الأنثروبولوجيا الاستعمارية للذبيحة والمسخرة. والثاني يتعلق بالفعل البشري في محيطه، عن بعض توترات البنية. والثالث عن الذبيحة، والرابع عن بلماون مرويا: السيناريو، والخامس عن بلماون معاينا: لعبة بلماون، والسادس عن بلماون معاينا، اللعب، والسابع عن التفسير. أما الكتاب الثاني فيتعلق بالمسخرة والذبيحة مؤولتين: وفيه خمسة فصول، الأول عن المقاربات، والثاني عن الصلاة وإعداد الأضحية، الجماعة المثالية وتوزيع وتراتبية الأدوار الطقوسية، والفصل الثالث يتعلق بالطقس والأسطورة: معنى ولا معنى الذبيحة. والفصل الرابع يتحدث عن الأقنعة وطوافها، وأخيرا الفصل الخامس ويتعلق باشتغال اللا تحديد وحيل دراما ثانية مؤسسة. فضلا عن مقدمة ومدخل من اقتراح المؤلف نفسه.
وجاء على ظهر الغلاف: الكتاب دراسة أنثروبولوجية عن الذبيحة، وأساسا الذبيحة الإسلامية لعيد الأضحى، وعن المسخرة، أي الاحتفالات والألعاب والطقوس التي تجري عادة في الأيام التي تتلو العيد. إنه نسق طقوسي شديد التعقيد وموغل في القدم لا يزال ممارسا في مناطق كثيرة من المغرب العربي. وفيه تتجلى الصلة الوثيقة بين الوسط الطبيعي والإنسان المغربي والعربي ومختلف أشكال التصورات والطقوس والاحتفاليات التي تميز حياته. كما أن الكتاب عبارة عن وصف أنثروبولوجي دقيق قائم على المعاينة المباشرة لطقوس الذبيحة والمسخرة في بعض قرى جبال الأطلس الكبير في المغرب، ونقد لأوصاف الباحثين والأنثروبولوجيين والإثنولوجيين السابقين خاصة الغربيين منهم في عهد الاستعمار، ونقد تأويلاتهم ومنطوياتها وأوهامها الإيديولوجية. بعد ذلك تأتي محاولة تفسير وتأويل لهذه الأنساق الطقوسية اعتمادا على مناهج البحث الأنثروبولوجي الحديثة ومقارنات تفسيرية لظواهر مماثلة في مناطق أخرى في القديم أو العصر الحديث.
إن ارتباط الطقوس اللعبية والمسخرية بفترة العيد لا تعني على الإطلاق أنها من صميم المتخيل القدسي، وأنها من شعارات الإسلام. فالحاصل أن الإسلام يحارب مثل هذه الظواهر التي تسخر من الإنسان وتجعله في غفلة من أمره عما ينتظره من حساب. ويفترض حمودي أن يكون لهذه الطقوسيات الكرنفالية امتدادات تاريخية في المعتقد الوثني للسكان المحليين أو السكان المجاورين الذين كانت لهم علاقات تجارية أو سياسية أو ثقافية مع السكان الأصلين.
واحتاج الباحث من أجل إثبات فرضياته التي انبثق عنها التصور إلى إنجاز بحوث ميدانية ترصد عيانيا هذه الطقوسيات، وقد اعتمد مبدأ الاختيار على الملاءمة المنهجية والموضوعية ليكون التعميم متاحا. ولعل اطلاع حمودي على ما أنجز من تراكمات على المستوى الأنثروبولوجي في هذا الميدان باللغات الأجنبية، وكذا مصاحبته المفيدة من عدد من المشتغلين في حقول الأنثروبولوجيا والإتنوغرافيا والاتنولوجيا جعلاه يقدم تصورا ثمينا حول الظواهر الفلكلورية الموازية لعيد الأضحى يتسم بنصيب قوي من الأهمية العلمية والمصداقية البحثية.
إن هذه المقاربة تسعى إلى مساجلة الأوصاف السالفة للذبيحة والمسخرة، لكن ليس بغاية تأشير الإغفالات والأغلاط والانحرافات الإيديولوجية والمنهجية – حسب تعبير المؤلف – بل إنها فضلا عن ذلك ترغب في أن تكون وصفا شاملا ودقيقا وعميقا عن مسخرة يقول فيها المجتمع شيئا عن ذاته. إنها تهدف للبحث عن العلاقة بين هذا المجتمع والدراما التي يستعرضها في إطار خصوصيته ومحليته. يقول المؤلف في مدخل الكتاب: ‘ إن تحليلنا، في تدرجه، سيخترق بعضا من مدارس الفكر الرئيسية. وسيكون في الأخير متيقظا للسياق ولن يغفل أيا من العلامات الخارجية التي تحدد موقع خطاب العيد والمسخرة بين خطابات أخرى على الخصوص تلك التي تخترق كل المجتمعات المحلية وتربطها وتلائمها مع المجتمع الشامل وأنساق الأفكار العادية أو العالمة التي ينظم بها هذا الأخير فعله ومعرفته. وهذا لا يعني إهمال البنية الداخلية للعيد. لكن هذه البنية تبدو لا كسلسلة من القضايا المنطقية، ولا كحل لمعضلات بين هذه القضايا. يمكن العثور فيها على هذه وتلك. لكن لا دليل على أن هذين العنصرين يشكلان مشروع السرد، إن كانا حقا يمكن أن يكونا قواعده ومواده. إنها قواعد فارغة، ككل المقولات المنطقية، لا تعني شيئا بذاتها ( ص 20).
رابط التحميل
0 التعليقات:
إرسال تعليق