حول الكتاب
يرسم الكتاب خريطة تفصيلية للتيارات السياسية الإيرانية، في ستة فصول، ففي الفصل الأول تناولت الباحثة العقد الأول من عمر الثورة الإيرانية، والصراعات والمواجهات التي شهدتها بين القوى الإسلامية المؤيدة للخميني وغيرها من القوى السياسية الماركسية والليبرالية والقومية، مع إجابة عن سؤال عن كيفية نشأة اليمين واليسار في إيران الإسلامية.
والكتاب دراسة مستفيضة للقوى والأحزاب السياسيّة في إيران بعد الثّورة الإسلاميّة في سنة 1979، بجميع اتجاهاتها الفكريّة، وبمختلف انشقاقاتها اللاحقة. وتعقّبت الكاتبة الأحزاب الإيرانيّة بيسارها ويمينها ووسطها، ورصدت التّحولات السياسيّة والفكريّة التي طرأت على هذه الأحزاب جراء التغيرات التي حدثت في المجتمع الإيراني نفسه. وقد ركّزت الكاتبة على دراسة التّيار الماركسي (حزب تودة) والتّيار اليساري الإسلامي (مجاهدو خلق) والتّيار الإسلامي (خط الإمام)، كنافذة للعبور إلى تحليل خطاب الثّورة الإسلاميّة باتجاهاته المتعددة، ولا سيّما التّيارين الأصولي والإصلاحي، ولعرض آراء هذه التّيارات في ولاية الفقيه والعلاقة بأميركا والمسائل الاقتصاديّة.
وتقدم الدكتورة الصمادي محاولة لقراءة تحليلية لـ "الحركة الخضراء" التي شهدتها إيران عقب الانتخابات الرئاسية العاشرة عام 2009 ، وتتعرض إلى إشكالية التعريف، وعلاقتها بالدين، ومواقفها وعلاقتها بالنظام الإيراني. و ترتكز في محاولتها إلى فرضية أن الحركة الخضراء ليست امتدادا للحركة الإصلاحية الإيرانية، وتقدم لإثبات هذه الفرضية تحليلا لاختلاف الخطاب بين الرئيس الأسبق محمد خاتمي وخطاب زعيم الحركة مير حسين موسوي من خلال تحليل محتويات البيانات التي صدرت عن الحركة الخضراء، والشعارات التي رفعتها والأسباب التي قادت إلى تراجعها.
يتضمن الكتاب أيضا قراءة تحليلية مضادة تفسر الحركة الخضراء في إطار المخطط الخارجي، لدعم "ثورة مخملية"، والقيام بـ "إسقاط ناعم" للنظام الإيراني.
تسعى الباحثة إلى إثبات وجود تيار مستقل عن التيار الأصولي الإيراني، وهو التيار النجادي، وتعرض نشأة هذا التيار وملامحه، من خلال التركيز على طريقة مجيء نجاد إلي كرسي الرئاسة وخلافه مع هاشمي رفسنجاني وقضية العدالة الاجتماعية ومواجهة الفساد، والخطاب المهدوي، إذ يعتبر نجاد أن وظيفته تهيئة الأرضية لظهور "المهدي المنتظر".
وقدّمت المؤلفة عرضًا توثيقيًّا لخطاب الرئيس محمود أحمدي نجاد في شأن قضايا المرأة والديمقراطيّة والعلاقة بأميركا. وتساءلت: هل الرئيس نجاد أصولي؟ وأجابت: إن محمود أحمدي نجاد ليس أصوليًّا، على الرغم من مهدويته، لأنه تعرّض لهجوم الأصوليين بالمستوى نفسه من النقد الذي وجهه إليه الإصلاحيون. وتستنتج أن نجاد صار له تيار سياسي ذو ملامح خاصة، لا يعير الديمقراطيّة اهتمامًا.
ويمكن القول أن كتاب الباحثة الصمادي ارتكز على مجموعة من المحاور يمكن تقديمها في الخلاصات التالية:
خلاصة أولى: بعد انتصار الثورة كانت الساحة السياسية الإيرانية تشهد نمواً كبيراً، كمّاً ونوعاً، للأحزاب السياسية والمنظمات، وكانت هذه الأحزاب من السعة بحيث يصعب الإلمام بها في دراسة واحدة. وقد قامت القوى السياسية في تلك الفترة على محورين أساسيين: الأول، اليمين/ اليسار، والآخر، الديني/ العلماني، وجاءت ضمن أربع كتل حزبية وسياسية: أولها، الأحزاب غير الليبرالية والأصولية التابعة لرجال الدين السياسيين؛ ثانيها، الأحزاب والمجموعات الليبرالية والعلمانية التي ينتمي أصحابها إلى الطبقة المتوسطة؛ ثالثها، الجماعات الإسلامية الراديكالية التي تضم فئة من طبقة المثقفين والمتعلمين؛ رابعها، القوى المؤيدة للاشتراكية. وضمت هذه الكتل ثلاثة تيارات هي: القوى الإسلامية، وتضم أنصار الإمام الخميني؛ منظمات اليسار (العلمانية والدينية)، وتشمل حزب "توده"("الجماهير") ومنظمة فدائيي الشعب؛ الاتجاهات الليبرالية، وتشمل "جبهه ملى ايران" ("الجبهة الوطنية الإيرانية") و"نهضت آزادى" ("حركة الحرية").
وفي الخلاصة الثانية تقول: التيار الأصولي اليوم هو وليد تيار اليمين الإيراني، وضم، ولا يزال، في عضويته أحزاباً ومنظمات كان لها دور كبير في المفاصل والمنعطفات السياسية الإيرانية، مثل حزب الجمهورية الإسلامية، ومجتمع مدرسي حوزة قم العلمية، ومجتمع رجال الدين المقاتلين، وحزب المؤتلفة الإسلامي، وجمعية مؤثري الثورة الإسلامية، وتجمّع المعمرين. ويلتزم هذا التيار ولاية الفقيه المطلقة، ويؤمن بدور أكبر للدين في السياسة، وبدور في حده الأدنى لتدخّل الدولة في الاقتصاد، ويدافع عن نظام الجمهورية الإسلامية وما يسميه "حكم الشعب الديني"، كما أنه يخالف بشدة القول بأولوية الجمهورية على الإسلامية، ويدافع عن دور كبير لرجال الدين في إدارة شؤون الدولة، وينظر إلى المشاركة السياسية للناس من باب التكليف الشرعي والوظيفة الدينية، ويدعو إلى سياسة خارجية تحفظ المصالح الوطنية، لكنه لا يتنازل عن أصل فكري معاد للخارج، وينظر بشك وحذر إليه، ويرى أن "الخارج لا يتوقف عن نسج المؤامرات ضد الثورة الإسلامية."
وترى الباحثة أن الحركة الخضراء في إيران، و "التيار النجادي"، يأتيان خارج تصنيف اليمين واليسار، وكذلك خارج الأصولية والإصلاحية، فمثلما لم يأت نجاد من داخل التيار الأصولي ويختلف معه في كثير من الأمور، لا يمكن القول بتبعية الحركة الخضراء للحركة الإصلاحية، على الرغم من أن مير حسين موسوي جاء من اليسار وكان رمزاً من رموزه في الثمانينيات من القرن العشرين، وعلى الرغم مما يمثله مهدي كروبي داخل التيار الإصلاحي. وهذه الحركة الخضراء، وإن كانت جاءت بداية بهدف المشاركة السياسية ضمن النظام القائم، ووفق آلياته السياسية، إلاّ إنها اتجهت بعيداً بفعل التطورات التي أعقبت الاحتجاجات.
رابط التحميل
0 التعليقات:
إرسال تعليق