حول الكتاب
ماذا يعني أن نفكر اليوم؟ هو تسآل لا ينتظر جواباً يتجاوزه. فإن بلوغ الفكر لحظة النقد ما بعد انغلاق التحقيب المعرفي، لم يتبق له راهناً إلا أن يتعرف إلى ذاته، بما يرجع إليه وحده. إذا كان ثمة ما يشكل موضوع هذا الارتجاع. فهو السؤال، لأن السؤال يشكل العتبة من كل شيء، بما أنها تفتح على الداخل دون أن تنقطع عن الخارج، والمهم أن يحتفظ الفكر بقدرته على انتزاع سؤاله من أية أجوبة تحاول احتكاره والنطق باسمه. ذلك هو امتياز سؤال الفكر الذي يرفض الادعاء أن تاريخ المشروع الثقافي لأية حضارة، والغربية بخاصة، قد أم إنجاز التحقيب المعرفي، وأنه بذلك قد بلغ كمال المدنية، الموصوفة باتحاد الواقع مع العقل. هذا الاتحاد هو موضوع الالتباس، إذ متى وكيف يمكن لهذا المثل الأعلى أن يتحقق. ومع ذلك فإن ادعاءه والتملك منه هو مكمن العنصرية التي تغدو البديل المتداول عن كينونة المشروع الثقافي، بما هو انفتاح على الكوني، قد يحمل معه طريقة تكامل المشروع مع المدنية، دون أن تسمح له هذه الطريقة باحتكار الكوني الذي تحاوره، أو استيعابه.
هذا لا ينفي عن المدنية الغربية استحقاقها لثمار تجاربها الشاقة والخصبة والرهيبة كذلك، لتحصيلها نوع الهوي الإنساني الذي تحدده على أنه هو المجتمع المدني الذي يكلل هامة التاريخ. لكن ثمار التاريخ هي جهد الإنسانية جمعاء. والسابق إلى تحقيق بعضها، لا يمكنه أن يهمل شراكة الآخرين في متابعة الجهد لاستكمال ما لم يتم التفكر به بعد. تلك هي فسحة المدنية المجهولة التي تظل حقاً محفوظاً لريادة الآخر في تفكرها واستدراكها. وهو المشروع الكوني الأصلي المنفتح على هوي حضاري ينتظر شراكة إنسانية شاملة، لا حَدًّ لطموح الحرية، كجوهر لها أصلاً، يطاول حقوقاً في الكرامة والمحبة والعدالة، غير مسموح لأي امتياز ثقافي حصرُها وحصارُها في نطاق تحقيبه المعرفي فحسب.
هذا الكتاب يود أن يرى في عودة الفلسفي السياسي محكّاً وضعياً وعملياً لأية استراتيجية حضارية، وإن كانت هي المتميزة بالنمذجة الفريدة بين أقرانها. إذا كان المآل النهائي للتحقيب المعرفي، هو قدرته في الانكشاف على الكوني، المتجاوز لأية نمذجة أحادية، والحداثة راهنياً هي المخولة في انتزاع الصيرورة التاريخية المعاصرة من أُسار التشكيل الجيوسياسوي إلى التشكيل الجيوفلسفي. فهو وحده هذا الأخير ضامن لانبثاق المجتمع المدني ما فوق صراع (الهوايا) التصنيمية، وتجسيد إشارات الهوي كانتصار أخير للإنسانية الحقوقية، بدلاً من إغلاق التاريخ وتسجيل الانتصار (على) الإنسانية.
رابط التحميل
0 التعليقات:
إرسال تعليق