مصطفى البارزاني الأسطورة والحقيقة - فاضل البراك


حول الكتاب

مؤلف هذا الكتاب هو الدكتور فاضل البراك، الذي هو من رجالات حزب البعث وممن كانت لهم أدوار في عهد حكم صدام حسين.. ومما صدر له كتابان مشهوران الأول: (دور الجيش العراقي في حكومة الدفاع الوطني والحرب مع بريطانيا سنة 1941م).. والثاني: (حكومة الدفاع الوطني البذرة القومية للثورة العربية).. وقد صدر الكتاب الذي تتناوله هذه القراءة في بغداد عام 1409هـ - 1989م.. ويتكوَّن من 343 صفحة مشتملة على مقدّمة وخمسة فصول وملاحق متضمِّنة وثائق وصوراً أكثرها للبارزاني في أمكنة عديدة ومع شخصيات مختلفة، ثم قائمة بالمصادر والمراجع.
وقد أشار المؤلف في المقدمة إلى أن فكرة كتابته عن البارزاني نتجت من خلال ما وجده عنه في المصادر والمراجع التي استقصاها عند تأليفه لكتابه (المدارس اليهودية والإيرانية في العراق).. فواصل البحث والتَّقصي عن تلك الشخصية المثيرة حتى اكتملت دراسته عنها، وأصدرها في التاريخ المذكور.
ولقد تحدَّث المؤلف في الفصل الأول من الكتاب عن القضية الكردية وتطوُّرها من عام 1920 إلى عام 1975م.. ومن بين ما أشار إليه أن بريطانيا دأبت فور احتلالها للعراق عام 1918م، على إذكاء روح التمرُّد لدى الأكراد ضد الحكومة المركزية في بغداد، مع أنها هي التي صنعت تلك الحكومة، لكن فعلها كان تطبيقاً لسياستها الماكرة المشهورة، (فرِّق تسد).
أما الفصل الثاني من الكتاب فعنوانه: (بدايات المشكلة البارزانية).. وقد بدأه المؤلف بالحديث عن أصل أسرة البارزاني، أو عشيرته، مائلاً إلى أنه إيراني، قدِم جده الأكبر من إيران إلى منطقة السليمانية، واتَّخذ من قرية برزان مقراً له، وذلك في أوائل القرن التاسع عشر، وكان ذلك الجد من شيوخ النقشبندية، فبدأت طريقته تنتشر، وتلقب بشيخ برزان، وبعد وفاته انتقل ولاء مريديه إلى أولاده ثم أحفاده حتى وصل إلى عبد السلام، الأخ الأكبر لمصطفى، ووسَّع نفوذه على عشائر المنطقة.. وفي عام 1909م تمرَّد على الأتراك، فحاربوه حتى قضوا عليه، وخلفه أخوه أحمد، الذي كوَّن لنفسه مكانة دينية كادت تصل إلى التقديس عند بعض أتباعه.
وكان أول بروز لمصطفى قد حدث عندما أرسله أخوه أحمد سنة 1931م، ممثِّلاً عنه في لجنة كوَّنتها الحكومة المركزية للنظر في الخلاف بينه وبين زعيم كردي اسمه رشيد لولان، فلم يُتَوصل إلى حل، فبعثه على رأس ستمائة مقاتل لمهاجمة القرى التابعة لرشيد سنة 1932م.. ورأت الحكومة أنه لا بد من وضع حد لتمرُّد أحمد ونفوذه، فهاجمته، ودحرت أتباعه، واضطر إلى اللجوء إلى تركيا مع أخيه مصطفى وحوالي مئة من أولئك الأتباع، ثم عفت الحكومة عنهم وعادوا إلى العراق، وأصبح مصطفى - بعدئذ - هو الزعيم.
ونتيجة لتغذية بريطانيا للنزعة الانفصالية لدى الأكراد أسسوا حزب هيوا (الأمل) عام 1939م، وهُرِّب مصطفى البارزاني من منطقة إقامته الجبرية في السليمانية عام 1943م، فقام بتمرُّد، وظلَّ نشطاً حتى ترأس الحزب الديمقراطي الكردستاني (البارتي)، الذي تأسس عام 1946م، على أن الحكومة العراقية في العهد الملكي تمكَّنت من ضرب تمرُّد الأكراد، وهذا ما اضطر البارزاني إلى الهروب إلى الاتحاد السوفييتي حيث بقي حتى أُطيح بالحكم الملكي سنة 1958م.. وبعد عودته من هناك تحالف مع الحزب الشيوعي العراقي، وارتكب هذان الحليفان جرائم شنيعة ضد من لم يكونوا معهما، وبخاصة في كركوك عام 1959م.
أما الفصل الرابع فعنوانه: (تطوُّر المشكلة البارزانية في العهد الجمهوري).. وقد فصَّل فيه المؤلف الحديث عن ملابسات سيطرة البارزاني على حزب هيوا بمساعدة من كانوا فيه من الشيوعيين السابقين، ثم ذكر الخلاف، الذي وقع بينه وبين رئيس الجمهورية، الزعيم عبد الكريم قاسم، وعودته إلى التمرُّد سنة 1961م، وتجاوب الحكومة العراقية التي أطاحت بقاسم عام 1963م، وبخاصة في عهد عبد السلام عارف، مع مطالب الأكراد بقدر كبير.. وفي عام 1964م أبدى البارزاني استعداده للتعاون مع أمريكا، كما مدَّ الجسور بينه وبين كل من إيران والكيان الصهيوني، وذلك بعد أن أصبح ابنه مسعود رئيساً لجهاز مخابراته (البارستن)، الذي وثَّق علاقته مع جهازي السافاك الإيراني والموساد الصهيوني.
وفي عام 1968م قام انقلاب على حكم عبد الرحمن عارف، ثم تفرَّد حزب البعث بالحكم، وتفرَّد - فيما بعد - صدام حسين بقيادة الحزب والحكومة.. وقد ذكر المؤلف البراك أن تلك الحكومة - تجاوباً مع طموحات الأكراد - قرَّرت تدريس اللغة الكردية في المدارس العراقية، وعفت عن المتمرِّدين، واعتبرت النيروز عيداً وطنياً، واعترفت بالقومية الكردية، بل إنها التزمت، أيضاً، بأن يتمتَّع الأكراد باستقلال ذاتي بدءاً من عام 1974م.. غير أن البارزاني لم يكتف بما تمَّ، وواصل التمرُّد، فهُزِم في العام التالي، وهرب بعض أتباعه إلى إيران، أما هو فتوفي لاجئاً في أمريكا سنة 1979م.
وأما الفصل الخامس - وهو الأخير - من كتاب البراك فهو عن (البارزاني والارتباطات الأجنبية).. ومن الواضح أن البارزاني لم يترَّدد في التعاون مع أي جهة كانت للوصول إلى أهدافه، ففي الثلاثينيات من القرن العشرين ربط نفسه برجال الإدارة البريطانية في العراق، وكان يعبِّر عن استعداده لتنفيذ أوامرهم مهما كانت، وفي الستينيات من ذلك القرن وطَّد علاقته مع إيران المناوئة لحكومة العراق، ومع أجهزة المخابرات الأمريكية، على أن الأشد سوءاً توطيد علاقاته مع الصهاينة وجهاز مخابراتهم الموساد، وقد ورد في كتاب لارتكي: (أسوار إسرائيل) أن (إسرائيل ساعدت البارزاني وأعوانه، لا بالأسلحة والتجهيزات فحسب، بل وبالخبراء العسكريين والأطباء والمدرِّبين أيضاً وعمل معهم عدد من الضباط المظليين، وأسسوا شبكة مواصلاتهم، ودرَّبوا مغاويرهم على أعمال التفجير.. وبعضهم تدرَّبوا في فلسطين المحتلة).. وقد أبرق البارزاني إلى قادة الكيان الصهيوني، عام 1967م يهنئهم على انتصارهم، وفي عام 1965م عُقدت أول دورة للضباط الأكراد بتدريب صهيوني في المعسكرات الإسرائيلية، وفي عام 1966م كلَّف رئيس الحكومة الصهيونية، أشكول، نائب وزير ماليته بالتّوجه إلى كردستان ومقابلة البارزاني، فسافر إلى هناك ومعه ثلاثة أطباء وعدد من ضباط وخبراء الموساد بصفة ممرِّضين.. وفي نهاية تلك الزيارة قال البارزاني لرئيس الوفد: (أبلغ أشكول وجميع وزراء حكومة إسرائيل بأننا نحن الأكراد لن ننسى أبداً أنكم أنتم اليهود كنتم الوحيدين في العالم الذين ساعدونا في ساعة المحنة).
وفي عام 1968م زار البارزاني إسرائيل حيث قابل في تلك الزيارة صديقاً قديماً له من يهود الأكراد اسمه ديفيد غباي لم يره طوال 45 عاماً.. وكرر الزيارة سنة 1973م وفي عام 1971م زار رئيس الموساد، تسفي زامير، كردستان العراق لترتيب أمور المدرِّبين والخبراء العسكريين الصهاينة العاملين هناك.. وزارها، أيضاً، رئيس أركان الجيش الصهيوني، رافاسل إيتان، الذي ذكر في كتابه (قصة جندي) أن البارزاني وولده زارا إسرائيل، ودرَّبهما جيشها.. ومن الإجراءات التي اتُّخذت في هذا المجال تهيئة أمكنة تدريب صهيونية لأتباع البارزاني في إيران، مثل كرفشاه وقصرى وطهران، إضافة إلى منطقة حاج عمران.. وفي عام 1974م وصل إلى البارزاني أربع قواعد صواريخ، وكان الكيان الصهيوني يرسل مساعدات شهرية للبارزاني تتراوح بين عشرين وخمسين ألف دولار.
وبعد أن فصَّل المؤلف الحديث عن مساعدات الكيان الصهيوني للبارزاني ذكر مساعدات شاه إيران له.. ثم تكلَّم عن رمي أمريكا ثقلها معه تمويلياً واستخباراتياً، وقد بدأت بدعمها له من عام 1964م، وفي عام 1972م توقف الرئيس نيكسون مع مستشاره القومي حينذاك كيسنجر، في طهران عائدين من موسكو، واتُّفق مع شاه إيران على مساعدة البارزاني بقدر أكبر من ذي قبل، وأتى وزير المالية الأمريكي إلى العاصمة الإيرانية حاملاً معه شيكاً بمبلغ ستة عشر مليون دولار مساهمة في تمويل البارزاني، الذي أصبح يتبادل الرسائل مع كيسنجر.. ومن بين تلك الرسائل رسالة من الأخير إلى البارزاني عام 1975م ورد فيها: (قرأت ببالغ التقدير تقييمكم للوضع العسكري والسياسي، وفي وسعكم أن تكونوا مطمئنين تمام الاطمئنان بأن رسائلكم، التي نعيرها قدراً كبيراً من الاهتمام، تحظى بأعلى درجة من العناية وعلى أعلى المستويات في الولايات المتحدة.. وإذا رغبتم ففي وسعكم إرسال مبعوث موثوق به إلى واشنطن ليقدِّم إلى الحكومة الأمريكية مزيداً من أدق المعلومات عن الأوضاع الراهنة.. وسيشرفنا ويسعدنا أن نستقبله.. وإني لعلى يقين من أن الكتمان كانت له أهمية كبرى في إدامة قدرتنا على القيام بما قمنا به).
وإذا كان كتاب البراك، الذي تناولته هذه القراءة، قد صدر عام 1989م فإن ما قامت به أمريكا بعد عام 1991م لم يعد يُحرص على كتمانه، ذلك أن من بين ما قامت به علناً فرض حماية على كردستان ضد أي تحرُّك عسكري من حكومة العراق المركزية، وبخاصة في مجال الطيران.. وفي ظل تلك الحماية حقَّق زعماء الأكراد الكثير مما كانوا يصبون إليه، وتمهّد الطريق أمام قادة الكيان الصهيوني، أكثر من ذي قبل، ليرسِّخوا وجودهم المؤثِّر تأثيراً بليغاً في سير الأمور في العراق، تفتيتاً لوحدتها الوطنية، ونهباً لتراثها الذي لا يُقدَّر بثمن، وجنياً لما يمكن من ثرواتها من جوانب متعددة، وما ظهر من أمور يُدمي القلوب، لكن ما لم يظهر حتى الآن ربما يكون أكثر فداحة وأشد خطراً.

رابط التحميل

شاركها في جوجل+

عن غير معرف

0 التعليقات:

إرسال تعليق