حول الكتاب
قد لا يجد الدارس المعاصر صعوبة كبيرة في تطبيق رؤيته النقدية على شعر حديث أو معاصر، ذلك أنه يعايش هذا الشعر، ويعاين، بل يعاني المشكلات التي يعانيها الشاعر المحدث أو المعاصر، كما أن قضايا النقد الحديث تلتف، غالباً، إلى ما هو حاضر في عالم اليوم. إلا أن الأمر ليس كذلك حيث ينبري الدارس نفسه إلى معالجة نص شعري قديم يمتد زمنه إلى عالم التراث الشعري البعيد كما هو الحال مع الباحث في هذه الدراسة الذي كانت له عودة نقدية معاصرة إلى الشعر الجاهلي الذي أو أسّ الشعر العربي وأصله الأول، حيث كانت العودة صعبة إلى حدّ ما، إلى أنه تجاوز ذلك، مثبتاً أن الشعر بطبيعته الشعرية، وأساليبه الفنية، ومنابعه الإنسانية هو ذاته الشعر؛ سواء نطق به شاعر موغل في متاهات القدم، أو ألفه شاعر غارق في معضلات الحاضر، فكل منهما يبني من الآلام آمالاً، ومن الواقع أحلاماً، ومن الحقيقة خيالاً؛ فيبدو وكأنه يعيش حياة غير الحياة، وعالماً غير العالم، وفي كون غير الكون.
فمن خلال هذه الدراسة قدم الباحث تصوراً جديداً للنص الشعري الجاهلي، انطلاقاً من طروحات جماليات التحليل الثقافي The Poetics of Cultural Analysis، الذي يولي الأنساق المتمركزة في البنى النصية أهمية كبيرة للكشف عن تشكلات هذه الأنساق ووظيفتها المؤسسة للمعاني والرموز والدلالات.
وبما أن القصيدة الجاهلية تحوي في بنيتها العميقة مضمرات نسقية متعلقة بنظرة الشاهر الجاهلي للوجود الإنساني بكلية أضداده، فإن تأويل هذه الأنساق المضمرة من حيث هي مكونات ثقافية للمجتمع الجاهلي تحتاج إلى تأويل ثقافي عميق يبين طبيعة الموضوعات التي يمكن أن تنتجها هذه الأنساق. وانطلاقاً من المقولة التي تركز على قيمة النسق وفاعلتيه داخل النص، فإن هذه الدراسة قامت بقراءة المحمولات الثقافية للنسق في القصيدة الجاهلية في إطار شعرية الضد، لذا انتظمت الدراسة في بابين موزعين على تمهيد وفصول ثلاثة لكل باب.
أما التمهيد ففيه يبرز الباحث جدوى تأويل الأنساق الثقافية من القصيدة الجاهلية في ضوء جماليات التحليل الثقافي. وأما الباب الأول فقد دار حول مركزية النسق الضدي في الموضوع الشعري. حيث كان للباحث قراءة للمركزية الضدية في ضوء الموضوعات الشعرية التالية: صراع الإنسان مع الإنسان، وصراع الإنسان مع المكان، وصراع الإنسان مع الزمان. وقد بيّن الباحث من خلال قراءته لهذه الموضوعات أن النص الشعري الجاهلي يشكل حادثة ثقافية تتجلى فيها مظاهر الصراع والتحديث، حيث تصور القصيدة الجاهلية آمال الشاعر الجاهلي وإحباطاته عن طريق ثقافة التجربة في الصراع مع الغامض واللاممكن في الحياة. أما الباب الثاني فقد ناقش فيه الباحث وبالدراسة مركزية الضد في البناء الفني من خلال: الثنائية الضدية، والمفارقات الشعرية، والصورة الشافرية. وقد أشارت الدراسة، نظرياً وإجرائياً، إلى الفاعليات الممكنة لهذه الموضوعات في الإبانة عن فلسفة الشاعر الجاهلي، وما يعتمل في جوانيته من أحلام وانكسارات، وما يهجس به خاطره من تأملات نافذة إزاء جدليات الحياة.
رابط التحميل
0 التعليقات:
إرسال تعليق