حول الكتاب
هذه وقفات، وكانت مبثوثة في بطون الصحف العربية السعودية (الجزيرة والبلاد وعكاظ)، متقاوتةً في زمن نشرها ومناسباتها، ويمكن أن ينظر إليها من منطلق الانتماء، الذي يعاني من محاولات للتخفيف منه، في ضوء الاندفاع نحو مفهوم العولمة، التي يظهر أنها قد تأتي على حساب المعطيات الانتمائية للأمم والثقافات المختلفة، ومنها الأمة والثقافة الإسلامية. وقد جاءت هذه الوقفات لتناقش مجموعة من المفهومات والمصطلحات، التي يظهر أنها تتعرض لقدر من سوء الفهم، إما بالتوجه إلى المبالغة في فهمها، فهماً يتطرف في توظيفها، أو بالتوجه إلى تعطيلها من مؤداها اللغوي والاصطلاحي، الذي اشتهرت به. وهذا قد يعني شيئاً من الإسهام في تذويب مفهومات قامت عليها الثقافة العربية الإسلامية، وترسخت عبر القرون.
وتعتمد هذه المفهومات على عوامل ذات علاقة بالمعتقد، من حيث التصديق، أو الإيمان، وتفعيل هذا التصديق، على سلوكيات المرء والمجتمع، ونظرته للحياة، من منطلق انتمائي تأصيلي، يسعى إلى الغوص في التراث، ويتلمس روح العصرانية، ويعمد إلى التوكيد على المنهج الوسط والاعتدال والسماحة، في زمن شاع فيه الغلو والتطرف، والغلو والتطرف المضاد، في فهم الدين والحياة، والعلاقة مع الآخر، ونتج عن ذلك إساءات دفعت الأمة ثمنها باهضاً، وأسيء إلى المبادئ والمثل، القائمة على أحكام الدين العامة. وكان هذا على حساب تنمية الفرد والمجتمع، كما كان على حساب تنمية العلم والفكر، وإعمال العقل في ضوء سلامة الفهم للنقل.
لا تدعي هذه الوقفات أنها تقدم حلولاً تنظيرية في قوالب جاهزة، بقدر ما تسعى إلى إثارة القضايا، والتنبيه على خطورة الوضع الحالي المتكئ على السعي إلى فهم الدين وعلاقته بالناس، إذا لم يعمد ذوو الألباب إلى تلافئ هذا الموقف المؤلم، الذي أدى إلى العزلة، مما نتج عنه تداعي الأمم الأخرى على هذه الأمة، لا من قلة، ولكن لما أصابها من الوهن، في ظل تنامي ما أطلق عليه بالنظام العالمي الجديد، لا سيما بعد انتهاء الحرب الباردة، وزوال القطب الآخر، الذي كان له أثر في التوازن، فخلاً الجو للقطب الواحد، فطفق يبحث عن خطر آخر، أو كما يعبر بعض الكتاب، عدو آخر.
ولم تخف في هذه الوقفات، نبرة التفاؤل، رغم كل شيء، ولذا كان هناك توكيد مستمر على النزوع عن جلد الذات والشعور بالهوان والضعة، وتلمس المنهج الوسط، في النظر إلى الأشياء، دون لجزء للإفراط أو التفريط، إذ إن ذلك لا يتوافق مع منطلقات هذه الثقافة، المبنية على فكر مستمد من كتاب منزل من حكيم خبير، وحديث من رسول لم يكن ينطق عن الهوى. كما نزعت هذه الوقفات إلى تلمس منهج الوسط والاعتدال في مناقشة موضوعات الانتماء، دون اللجوء إلى منهج الاعتذار، أو التسويغ في طرح الموضوعات، ومع هذا فقد سيطر هاجس التحسس من أن تميل بالقارئ إلى التشدد، أو التطرف والغلو، في معالجة مفهوم الانتماء ومؤثراته، بحيث لا يفهم منها أنها دعوة إلى الانغلاق على الذات، بدعوى التوكيد على مفهوم الانتماء.
وقد جرى تقسيم هذه الوقفات إلى خمسة فصولن وتحت كل فصل اثنتا عشرة وقفة، سعى فيها إلى إدراج الوقفات ذات العلاقة بالفصل، ومع هذا فإنه يمكن القول إن الفصول الأربعة الأخيرة إنما تقتات من الفصل الأول، الذي ركز على المفهومات والمصطلحات.
0 التعليقات:
إرسال تعليق