حول الكتاب
عادت في السنوات الأخيرة مقولة "الحرب العادلة" إلى ساحة النقاشات الإستراتيجية في الغرب والعالم. كان ذلك بعد نهاية حقبة القناعات الإستراتيجية الثابتة التي سادت خلال عقود الحرب الباردة. وترافقت النقاشات بالتأكيد على ضرورة احترام البعد الأخلاقي فيما يخص أين ومتى وكيف يتم اللجوء إلى الحرب؟ الإجابة على مثل هذه التساؤلات هي موضوع كتاب الباحث البريطاني دافيد فيشر الذي يحمل عنوان: "الأخلاق والحرب".
السؤال الأولي الذي يطرحه المؤلف هو التالي: هل يمكن لنظريات حربية تعود إلى العصور الوسطى مساعدتنا في حل المشاكل الدفاعية في القرن الحادي والعشرين؟ ثم يشرح على مدى صفحات هذا الكتاب كيف أن الحرب ينبغي أن تستجيب للمعايير الأخلاقية. هذا على خلفية تفحّص التحديات التي يطرحها الفكر الفلسفي لمفهوم الحرب العادلة ومختلف النظريات ذات النزعات المشككة بالأخلاق والتركيز على النظرية النسبية.
إن المؤلف يستعرض في تحليلاته ما يسميه العلاقات بين الأخلاق العامة والأخلاق الخاصة. هذا على أساس أن الحرب لا تعني فقط رجال السياسة والجنرالات، لكنها تعني أيضاً، وخاصة، البشر العاديين. ذلك تحديداً في منظور التركيز على مفهوم الحرب العادلة من أجل حل المشاكل المعاصرة، الأمر الذي لا بد وأن يكون له، كما يؤكد المؤلف، آثاره على العلاقات الدولية، بل وأيضاً على الفكر الفلسفي.
ويؤكد دافيد فيشر على عدد من المبادئ الأخلاقية التي لا بد لها وأن يتم احترامها في ميادين الحروب. المبدأ الأول هو أن لا شيء أبداً يبيح قتل الأبرياء. هذا المبدأ لا يقبل الاستثناء.
لكن مثل هذه المقولة تحتاج إلى نقاش، كما يرى المؤلف، في بعض الحالات. فمثلاً إذا كان المرء قبطان طائرة ركاب ووجد نفسه أثناء تدريب على الطيران قريباً من طائرة خطفها إرهابيون وكانوا على وشك تفجيرها عبر توجيهها نحو مبنى ضخم آهل بالسكان.
كما كان في حالة برجي التجارة الدولية في نيويورك عام 2001. أمام خطر قتل عدة آلاف. إنقاذ هؤلاء يقتضي بالضرورة إطلاق صاروخ على الطائرة "المخطوفة" وإسقاطها مما يعني بالضرورة قتل عدة عشرات من الركاب الذين يستقلّونها. فما العمل؟
يؤكد المؤلف انه ليس من السهل الإجابة على مثل تلك المعضلة الأخلاقية. ذلك أن المعنى سيجد نفسه أمام خيار صعب بين ما يملي عليه واجبة كـقبطان طائرة وواجبه كـإنسان. إنه الخيار الصعب. ولكن قد تكون القاعدة الذهبية في مثل تلك الحالة هي اختيار أقل الشرّين ضرراً. هذا على خلفية الإدراك أن هناك مأساة أخلاقية تلوح في الأفق.
إذ من أجل إنقاذ حياة الآلاف من الأبرياء قد تكون التضحية بحياة عدة عشرات مقبولة لـلأسف. المثال السابق ليس سوى حالة قصوى بين عدة مواقف وحالات يمكن أن يواجهها البشر. إذ هناك العشرات من المعضلات التي تسببها الطبيعة المتبدّلة للحرب الحديثة. مثل هذه المواقف هي التي يتعرّض لها دافيد فيشر بالتحليل ويحاول تقديم بعض الإجابات عليها.
تتم في هذا السياق مناقشة الحرب الأميركية الأخيرة في العراق على ضوء ما يسمّى بـالتدخل الإنساني من أجل مساعدة المدنيين ودرء الخطر عنهم.بكل الحالات هناك دائماً في مجال البحث بالحروب تمايز كبير بين المسائل الأخلاقية والإجابات الموضوعية عليها.
ذلك أن المسائل الأخلاقية هي ذات علاقة عضوية بالآراء الشخصية للبشر ولما يفضلونه. لكن المؤلف يصل، على الاعتماد على نمط تفكير يعود إلى أرسطو وفلاسفة اليونان القدماء، إلى القول انه توجد دائماً سبل عقلانية للإجابة على الأسئلة ذات الطبيعة الأخلاقية. وعلى أساس هذا المنطق الأخلاقي وعلى مفهوم الحرب العادلة يحاول المؤلف تقديم نوع من الدليل الذي يمكن الاسترشاد فيه لحل تحديات الأمن في هذا القرن الحادي والعشرين.
تجدر الإشارة الى أن هذا الكتاب يمثل بأحد جوانبه نوعاً من التحقيق حول الفكر الديني ــ المسيحي ــ والفكر العلماني حول الحرب وحول ما يسمى بـالحرب الوقائية والتدخل الإنساني واللجوء إلى التعذيب والقصف الإستراتيجي.
وغير ذلك من مظاهر الحروب الحديثة. وبالوقت نفسه إنه كتاب عن الحياة والموت والحرب والسلام. وعن علاقات البشر فيما بينهم وعن أخلاقيات استخدام القوة المسلّحة.
وينتهي المؤلف في المحصلة النهائية لتحليلاته عن العلاقة بين الأخلاق والحرب إلى القول انه لا يمكن لأحد، مهما كان الموقع الذي يشغله في زمن الحرب من صناعة القرارات وحتى ساحة المعارك أن يتجاهل الخيار الأخلاقي المترتب عليها. وهذا يعني خاصة المنخرطين مباشرة فيها من الجندي في الخنادق وحتى القائد الأعلى للجيوش.
0 التعليقات:
إرسال تعليق