“يحكم الرجال الأغنياء في المجتمعات الغنيَّة ويتنافسون فيما بينهم للفوز بحصَّة أكبر من الثروة والسلطة ويزيحون بلا رحمة أولئك الذين يقفون في طريقهم، ويساعدهم في ذلك الرجال الأغنياء في الدول الجائعة، أما الباقون فيخدمون ويعانون”. *المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي في كتابه: النظام العالمي القديم والجديد
ربما تتساءل من الذي يتحكم في السياسات العالمية؟ رجال السياسة أم الاقتصاد؟ أم كلاهما معًا؟ ماذا إذا كان رجال السياسة والاقتصاد هم أنفسهم، نفس الأشخاص، بالطبع هؤلاء ليسوا أنبياء ليفصلوا بين مصالحهم الخاصة والشخصية، وبين الصالح العام. العديد من الحروب في العصر الحديث قامت بسبب مصالح وطموحات شخصية اقتصادية بحتة لا علاقة لها بالسياسة كـ”سياسة”، نضرب منها على سبيل المثال غزو بنما. ولكن هل أرَّقَكَ يومًا هذا السؤال: لماذا لا تفيد المساعدات والقروض التي تقدمها الدول الغنية للدولة الفقيرة؟ ولماذا لم نسمع عن دولة فقيرة أصبحت غنية وقوية بعد المساعدات والقروض؟
في هذا التقرير ستجد إجابات لهذا السؤال.
بعض المعلومات التي لا بُدّ منها:
- يعيش نصف سكان أفريقيا تقريبًا على أقل من دولار واحد يوميًّا. وهو أعلى مستوى للفقر في العالم.
- خلال الستين عامًا الأخيرة تبرعت الحكومات الغربية والولايات المتحدة بـ 2.5 تريليون دولار في حملات لمساعدة البلدان الفقيرة حول العالم. ولكنّ أيًّا من هذه الدول لم يصبح غنيًا.
- 34 ألف طفل يموتون يوميًّا دون سن الخامسة، أو يصابون بأمراض ناجمة عن الجوع يسهل علاجها. ولو أضفنا الوفيات الناجمة عن الأمراض التي تنتقل عن طريق الماء والإيدز لكان هناك قرابة 50 ألف إنسان يموتون من الشعوب الفقيرة يوميًّا.
- حسب برنامج الأمم المتحدة لعام 1998 فالعالم في احتياج لـ 13 مليار دولار فقط لمنح كل إنسان ما يلزمه من طعام ورعاية صحية أساسية. ويحتاج العالم إلى 6 مليار أخرى للتعليم الأساسي للجميع.
- 2 مليار من البشر حول العالم يعيشون على أقل من دولار يوميًّا، و2.8 مليار يعيشون على أقل من دولارين في اليوم.
- نسبة دخل خمس سكان العالم في البلاد الأكثر غنى إلى دخل خمس سكان العالم في البلاد الأشد فقرًا عام 1995 هي (74:1). وبالطبع الأمر في ازدياد.
حين تقرأ عن المساعدات والقروض التي تتلقاها الدول ستجد إحصائيات وأسهم تخبرك أنَّ معدلات النمو في ازدياد، ومعدلات التضخم في انخفاض، وستشعر أن هذه القروض والمساعدات قد صنعت الجنَّة لهذه البلاد الفقيرة، لكنَّ الإحصائيات والأرقام لا تعكس أبدًا الواقع المُعاش لأهالي هذه البلاد. فنجاح التنمية لا يتعلق أبدًا بأرقام الأموال، لو كان الأمر كذلك لحلَّتْ أفريقيا – القارة الأفقر في العالم- مشكلاتها منذ سنوات بعيدة. فخلال الـ60 عامًا الماضية تلقَّت أفريقيا تبرعات بـ 2.5 تريليون دولار. ورغم هذه الأموال ما يزال لدى أفريقيا ما يقرب من ثلثي دين العالم. بدءًا من عام 2005 أنفقت أفريقيا 14.5 مليار دولار سنويًّا، فقط في رد الديون.
على الرغم من كل هذه الأموال يموت ما يقرب من ثمانين ألف طفل تحت سن الخامسة في تنزانيا بسبب مرض الملاريا. ويحدث الخمس من جميع وفيات الأطفال في أفريقيا بسبب مرض الملاريا، وفي عام 2005 طبقًا لمنظمة الصحة العالمية، كان 90% من حالات الوفاة البالغة 900 ألف حالة تقريبًا بسبب الملاريا في أفريقيا جنوب الصحراء. *من كتاب أفريقيا والتحدي
أين يذهب كل هذا إذن؟ سنذكر هنا الأسباب الكليَّة التي تمنع الدول الفقيرة من الاستفادة من الأموال المقدمة لها كمساعدات وقروض، وهي أسباب مترابطة ومتشابكة بحيث إنها تكوِّن معًا نسيجًا واحدًا، وبحيث أنَّ بعضها مترتب على بعض:
1ـ البنك الدولي وصندوق النقد لا يقدمان مساعدات وقروضًا إلا لتستفيد منها الدُّول الكبرى
“إن سياسات صندوق النقد الخاصة بالتكيف الهيكلي (أي السياسات التي تهدف إلى مساعدة بلد ما على التكيف في مواجهة الأزمات وحالات عدم التوازن المزمنة) أدت في العديد من الحالات إلى المجاعة والهياج الشعبي”. *جوزيف ستجليتز، النائب الأول الأسبق لرئيس البنك الدولي
المؤسستان الاقتصاديتان الأكبر في العالم، والتابعتان للأمم المتحدة؛ يناط بهما تقديم الاستشارات الاقتصادية والقروض كذلك ليحافظا على التوازن الاقتصادي العالمي. لكنَّ المؤسستين لا يقدمان فقط قروضًا واستشارات، وإنما يعطونك خططًا وشروطًا تخبرك كيف ستنفق هذه القروض، وربما هنا تكمن المشكلة الرئيسية. المشكلة الأخرى، والخفية: أنَّ المؤسستين الكبيرتين تخضعان بشكل مباشر للدول الكبرى. فبمقتضى اتفاق ضمني يكون دائمًا رئيس صندوق النقد الدولي أوروبيًّا، ورئيس البنك الدولي أمريكيًّا. ويتم اختيارهما وراء أبواب مغلقة، بل ولا يشترط لتولي الرئاسة أن يكون للمرشح أية تجربة اقتصادية في الدول النامية! إن هذه المؤسسات لا تمثل الأمم التي تخدمها، هذا ما يخبرنا به جوزيف ستجليتز أيضًا. إنَّ برنامج صندوق النقد الدولي قد يترك البلد في بعض الأحيان فقيرًا كما كان من قبل، لكن مع مديونية أكبر، وصفوة حاكمة (وطبقة) غنية أكثر ثراءً.
تكمن المشكلة الرئيسية في قروض البنك وصندوق النقد الدوليين في تعميم هذه الاستشارات الاقتصادية. ببساطة: الظروف الاقتصادية للصومال غير الظروف الاقتصادية للكونغو، بالتالي يلزم للنصائح الخاصة بكلٍ منهما دراسة حالة خاصة جدًا عبر متخصصين في الاقتصاد الصومالي، ومتخصصين في الاقتصاد الكونغولي مثلًا، لكنَّ هذا لا يتمّ أبدًا، فيتم تعميم نفس القرارات والقيود والشروط التي تلتزم بها الحكومات. بالطبع تجعل هذه القروض العجلة الاقتصادية تدور في البلاد لكنها تخرِّب الاقتصاد نهائيًّا، وتجعل الديون أعلى وأكبر، ولنرى كيف كانت هذه القروض والمساعدات الاستشارية مخربة بالفعل للاقتصاد الصومالي:
يعتمد اقتصاد الصومال على الزراعة والرعي باعتبارهما أساس الدخل القومي. تدخَّل البنك الدولي إبان الحرب الأهلية في الصومال التي بدأت عام 1991 ببرنامج “التكييف الهيكلي” الذي يطبقه ويعممه على جميع الدول التي يقرضها حول العالم. وقد طبق هذا البرنامج على مائة دولة نامية حتى الآن. بهذا البرنامج يتم تحرير الأسعار والجمارك والعملة الوطنية أمام الدولار والواردات الأجنبية. فقد عزز برنامج التكييف الهيكلي اعتماد الصومال على الحبوب الأجنبية، وفي الفترة من منتصف السبعينيات إلى منتصف الثمانينيات زادت المعونة الغذائية 15 ضعفًا بنسبة 31% سنويًّا. ثم أعقب هذا تخفيض سعر الشلن الصومالي – الذي فرضه صندوق النقد الدولي- في مواجهة الدولار الأمريكي.
أدى هذا إلى ارتفاع في أسعار الوقود والأسمدة في الصومال، وأثر هذا بشكل مباشر في الزراعة؛ فاعتماد المزارعين على الحبوب الأجنبية ضرب السوق المحلية للزراعة، وانفتاح الصومال على الشركات الكبرى ساعد على نسيان أهل البلاد محاصيلهم الأساسية. فالمزارع يزرع ما ستشتريه الشركات الكبرى (عابرة القوميات) التي غالبًا ما كانت أمريكية. فمثلًا في حين كانت المجاعة في زيمبابوي ترغم الناس على أكل النمل الأبيض كانت عائدات تصدير تبغ زيمبابوي تستخدم لخدمة الدين الخارجي!!
جاءت الإصلاحات الاقتصادية بالشركات الأجنبية فنافست الإنتاج المحلي. تم تخفيض ميزانية الصحة والتعليم لصالح “الإنتاج”، انخفضت أجور العمال في القطاع العام بنسبة 90%، ماتت القطعان، الأمر الذي أضر تجار الحبوب الذين كانوا يبيعونها بالمقايضة بالماشية. تحلل الاقتصاد الرعوي تمامًا، وبالتالي انهارت الخطط الاقتصادية للحكومة الصومالية. كان هذا بسبب صندوق النقد والبنك الدوليين.
إن المجاعة في الصومال – بعد تدخل صندوق النقد والبنك الدوليين- لم تكن نتيجة ندرة الغذاء، وإنما كانت نتيجة فائض عرض الحبوب الأساسية وبرنامج التكييف الهيكلي الذي قاده صندوق النقد والبنك الدوليان. فقد اتسعت واردات الحبوب لأفريقيا من 3.72 مليون طن في عام 1974 إلى 8.47 مليون طن في عام 1993م، ومع زيادة واردات الحبوب زادت المعونة الغذائية لأفريقيا لأكثر من ستة أضعاف خلال الفترة 1974-1993.
2ـ دعم الديكتاتوريين والطبقات الغنية فقط
تقوم الدول الأوروبية باحتضان هؤلاء الديكتاتوريين، تستقبل أموالهم في حسابات بنكية، لكنَّ الأكثر من هذا ما قررته مؤلفة كتاب أفريقيا والتحدي من أنَّ إحدى الطرق التي تضمن بها المشروعات الأجنبية أرباحها يكون باستقطاب القادة الأفارقة وكسب ودهم وولائهم، بجعلهم مديري إدارة أو بإعطائهم أسهمًا من تلك المشروعات.
قد لا تصدق الأمر، لكنّ هذا حقيقي فعلًا، تقوم المساعدات والقروض في الدول الفقيرة بمساعدة نوعين فقط من الناس: الديكتاتوريون، والطبقات الغنية في هذه البلد الفقيرة. بالنسبة للديكتاتوريين، يتم استيعابهم بالأموال، بجعلهم مديري إدارة أو بإعطائهم أسهمًا. بالطبع تستفيد البنوك الأوروبية والأمريكية بهذه الأموال بفتح حسابات لهؤلاء الديكتاتوريين فيها.
وغالبًا ما يستولي قادة الدول الفقيرة على أجزاء كبيرة من هذه القروض والمساعدات. حسبَ بعض الإحصائيات فقد جمع القائدان النيجيريان المتعاقبان إبراهيم بابانجيدا وساني أباتشا 8 مليارات دولار فيما بينهما خلال الفترة من 1989 وحتى 1998. وكذلك رئيسا ليبيريا صامويل دوي وتشارلز تايلور ما يقدر إجماليه بـ 5 مليارات على مدى 16عامًا. أما الرئيس الزائيري السابق موبوتو سيسي سيكو فقد استولى على ما مقداره 5 مليارات دولار. والأمثلة كثيرة ومتعددة على ذلك بالطبع.
النوع الآخر المستفيد، هي الطبقة الغنية والتي غالبًا ما ترتبط بعلاقات وثيقة بالقادة الديكتاتوريين، تدخل هذه الطبقة في علاقات اقتصادية قوية مع المستثمر الأجنبي، تتخطى مهام هذه الطبقة التعامل مع المستثمر الأجنبي بما يعود بالنفع عليها إلى استمالة الحكومات الغربية لهذه الطبقة والقيام باستعمالها لأغراض سياسية، وربما يكون الانقلاب على هوجو شافيز عام 2002 بمساعدة هذه الطبقة خير دليل.
ربما تشعر أنَّ الأمر كله لا يعدو كونه “نظرية مؤامرة”، لكن في عام 1958 قدم إلى وزارة الخارجية الأمريكية تقريرًا سريًّا عن المساعدات التي استخدمت لمواجهة الثورات في الدول الحليفة. التقرير كان يحمل عنوان “امتصاص الثورات الأفروآسيوية”. جاء في هذا التقرير التالي: لا نريد أن نمنع التغيرات في العالم الأقل تقدمًا، لكن لا يمكن قبول تغيرات بما يرمي آسيا وأفريقيا في اللعبة المجنونة للحماسة الثورية والطموحات القومية.
“أفاد الإمداد بالمساعدات الدولية أو منعها وسيلة نافعة للسيطرة على قادة أفريقيا لمصلحة العالم الصناعي”. *أفريقيا والتحدي
على هامش هذه النقطة، فإنَّ ما يصل إلى 85 شركة متعددة الجنسيات من الولايات المتحدة وأوروبا وجنوب أفريقيا قامت بإجراء معاملات تجارية مع الشبكات الإجرامية العاملة في جمهورية الكونغو الديموقراطية.
3ـ المساعدات غالبًا ما تصرف على شكليات تستفيد منها شركات الدولة التي تدفع هذه المعونات
“تهدف إعانات الولاء الأمريكية للحفاظ على الدول الجائعة تحت سيطرة واشنطن وحلفائها”. *تشومسكي
ما الذي يدفع أية دولة غنية لمساعدة دولة فقيرة إذا لم تكن ستستفيد منها؟ ببساطة إذا كانت الدولة فقيرة وأردت أن تساعدها حقًا يجب أن تجعلها تمتلك زمام أمورها، أن تعلمها بالفعل كيف تدير نفسها، كيف تصنع وكيف تقود وكيف تنتج، لكن إذا صرفت الإعانات فقط على الغذاء والأدوية والمستشارين الأجانب فبالطبع لن تكون هذه الدولة الفقيرة قد استفادت بأي شيء. في العموم تفعل المساعدات والقروض هذا.
بعد الحرب العالمية الثانية، وجهت قروض البنك الدولي (الذي يخضع بشكل غير رسمي لأمريكا) إلى إعادة بناء أوروبا، كانت هذه القروض بعوائد ضخمة جدًا للشركات الأمريكية الدائنة. فبين عامي 1946 و1953 كان 77% من هذه الديون قد أنفقت على شراء البضائع والخدمات الأمريكية وحدها. ولنضرب مثالًا أقوى وأوضح:
أنغولا: انتهت الحرب الأهلية التي حصدت مليون ونصف أنغولي عام 2002، شردت الحرب حوالي أربعة ملايين. وتسببت في نفي 400 ألف شخص آخرين. انتهى الصراع وأصبحت أنغولا الغنية بآبار النفط والثروة السمكية جاهزة لإعادة الإعمار. بدأت عمليات الإعمار وبالطبع كان جزء كبير من إعادة الإعمار من المساعدات (المشروطة بالطبع). في عام 2007 استطاعت أنغولا أن تنتج يوميًّا 1.5 مليون برميل نفط، وبهذا زاد إجمالي الناتج المحلِّي بنسبة 21%، وانخفض معدل التضخم من 325.5% عام 2000 حتى وصل 12.6% فقط عام 2007. على الرغم من كل هذه الأرقام الهائلة لم يكن هذا السلام الاقتصادي يفيد سوى أقلية صغيرة جدًا من الشعب الأنغولي، الطبقة الغنية بالطبع. ولتبيين هذا، نذكر بعض الأرقام:
يعيش ثلثا الأنغوليين على دولارين في اليوم الواحد فقط. وفي عام 2007 احتلت أنغولا المرتبة السابعة عشرة بين البلدان الأقل نماءً في العالم. ثلثا الكبار أميون، والعمر المتوسط أربعون عامًا فقط. وثلث أطفال أنغولا يعانون نقصًا مشهودًا في الوزن.
لكنَّ أنغولا لم تكن فقط نهبًا للحكومات الغربية وحدها، ففي الثمانينيات كانت الحكومة الأنغولية تعتمد على مساعدات وأسلحة من الاتحاد السوفيتي، وكان الثمن الذي تدفعه هو الثروة السمكية في أنغولا.
بشكلٍ عام مائتا مليون أفريقي يأكلون السمك، وهو مصدر لربع بروتين أفريقيا تقريبًا، لكن هؤلاء المائتي مليون يستهلكون أقل كمية أسماك في العالم للفرد الواحد، رغم الثروة السمكية الهائلة في أفريقيا. بسبب نقص الحديد يموت 20 ألفًا من النساء الأفريقيات، وبسبب نفص فيتامين أ يموت حوالي نصف مليون طفل في أفريقيا، بالطبع كلا العنصرين موجودين في السمك.
للإطلاع أكثر على تجربة أنغولا وغيرها من التجارب، اطلع على كتاب: أفريقيا والتحدّي.
ـ ولتقريب الصورة أكثر، لنضرب مثلًا في مصر: حسب الجهاز المركزي للمحاسبات في مصر في أحد مشاريع الصرف الصحي في إسكندرية وفي مشروع تطوير ميناء السويس – في الثمانينيات- اللذين مُوِّلا بقروضٍ أمريكية، ذهب 59.5% من حصيلة القرض الأول، و43.3 من حصيلة القرض الثاني مقابل أتعاب الشركات الاستشارية الأجنبية التي قامت بإعداد الدراسات الخاصة بالمشروعين. ليس هذا فحسب، بل إن التقرير يذكر أن نفقات شحن بعض السلع التي تشتريها مصر من الولايات المتحدة بحصيلة القروض الأمريكية تشترط الاتفاقية فيها أن يتم شحن البضائع على سفن أمريكية، تبلغ أسعار الشحن عليها في بعض الأحيان أربعة أضعاف الأسعار السائدة للشحن.
4ـ اسأل عن نوع الاقتصاد، ريعي أم إنتاجي؟
الاقتصاد يصنف بنوعين، الاقتصاد الريعي والاقتصاد الإنتاجي. دون شروحات كثيرة الاقتصاد الإنتاجي موجود في الدول الصناعية الكُبرى، التخطيط والتصنيع وتذليل الموارد بشتى الطرق للخروج بصناعات قوية، من تصنيع المأكولات وحتى تصنيع الطائرات والأسلحة. أما الاقتصاد الريعي فهو الذي يعتمد على مصدر واحد (أو اثنين) من مصادر الدخل الطبيعية، التي ليس للتخطيط والتصنيع دور فيها، كحقول النفط والغاز وقناة السويس على سبيل المثال.
بطبيعة الحال تكون الدول المحتاجة للمساعدات والقروض من الدول الريعية لا الإنتاجية، الأسباب السابقة تتضافر مع هذا السبب كي لا تستفيد الدول الفقيرة من المساعدات والقروض. فالقروض أو المساعدات تصرف بشكل ريعي لا بشكل إنتاجي، بالتالي لن تعطيك أية أرباح تغطي حجم المساعدات أو الديون، بالتالي تظل الديون تتراكم وتتراكم، حتى تبدأ الدول في الاقتراض من أجل سداد القروض القديمة!
يمكن تلخيص هذه النقطة، بالمثل البسيط: لا تعطني سمكةً، وعلمني كيف أصطاد. وهذا ينقلنا للنقطة القادمة.
5ـ الفائدة الكبيرة جدًا على الديون
من الطبيعي أن تكون الديون والقروض المقدمة من دول غنية للدول الفقيرة بنسبة فائدة قليلة نسبيًّا، فالقروض إنما خرجت للمساعدة. لكنّ الذي يحدث كالتالي: تقوم الدول الكبرى بإرسال القروض بفائدة عالية جدًا، الدول الفقيرة تتصرف في القروض بهذا الشكل:
1- يذهب جزء كبير منها للديكتاتوريين.
2- يُطبِّق البنك وصندوق النقد الدوليين خططهما للدول الفقيرة التي غالبًا ما تكون خططًا فاشلة.
3- تستفيد شركات الدول المقرضة، وتفيد معها الطبقة الغنية من هذه الدولة الفقيرة.
4- الاقتصاد ريعي ولا ينتج ولا يغطي الديون، ناهيك عن فوائد الديون.
5- تبدأ الدولة الفقيرة في الاستدانة لتغطية فوائد الديون.
وهكذا تدخل الدول الفقيرة في دوامة لا نهائية من الديون وفوائد الديون. ثم الديون وفوائد الديون؛ في الفترة من 1970 وحتى 2002 تحصلت أفريقيا على أكثر من نصف تريليون دولار على هيئة قروض من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والدول الغنية. ردت أفريقيا المبلغ كله تقريبًا، لكن وللمفارقة في عام 2002 كانت هناك فوائد ديون على أفريقيا تقدر بـ 300 مليار دولار!!
طوال هذه الفترة الطويلة استمر المجتمع الدولي في تقديم المزيد من القروض للدول الأفريقية لكي تتمكن من رد القروض القديمة، بعض هذه القروض جاءت بشروط تخفيض الإنفاق الحكومي، وفتح الأسواق أمام البضائع الأجنبية، ولم يكن أمام الحكومات سوى أن تخضع لهذه الشروط وتخفض من حجم ميزانيات الصحة والتعليم وغيرها من الخدمات الأساسية.
بهذه الأسباب مجتمعة لا تفيد المساعدات والقروض التي تقدمها الدول الغنية الكبرى للدول الفقيرة بأي شكل، وبهذا يظلّ الأغنياء يزدادونَ غنىً، والفقراء يزدادونَ فقرًا!
0 التعليقات:
إرسال تعليق