تريد تعلم لغة جديدة؟ إذًا .. ارجع للطبيعة !


مقال بواسطة/ أحمد شرارة – مصر

عملية التعلم التلقائية والطبيعية لمهارة ما، هي تعلم الطفل للغة
إن فهم ما يحدث للطفل خلال نموه هو الاساس في معرفة كيف يتعلم اللغة وبعض المهارات الأخرى كالمشي والزحف والكلام وهو الرابط الاساسي لنا لتعلم الممارسة والتعلم التلقائي عن طريق المحاكاه وبالتالي يتحول التعلم الي شغف وحب.
يبدأ تكوين رأس الجنين في رحم الأم من ناحية الخلف الى الامام  فتتكون الأذنين من خلف الرأس في الاسبوع السادس ثم يبدأ تكوين الفم في آخر الاسبوع ، تبدأ العينين بالنمو في الاسبوع السابع وتليها الانف في نفس الاسبوع ثم الدماغ ، تستكمل الدماغ نموها في الاسبوع الثامن ، تستمر خصائص الوجه بالنمو بين الاسبوع العاشر والثاني عشر يليها جفن العين ثم تأخذ الأذنين شكلها الأخير ثم تظهر براعم الاسنان واخيراً منطقة الشارب اسفل الأنف (لذلك قد يظهر لبعض الأطفال حديثي الولادة ظاهرة الأرنبة وهي عدم اكتمال نمو منطقة الشارب بشكل كامل كما هو موضح في الصورة).
أطفال الشفة الأرنبية
تستمر باقي مناطق الوجه المذكورة والدماغ في التكوين حتى تكتمل نموها ما بين الاسبوع الثالث عشر والسادس عشر ، علينا الآن ان نعيد اذهاننا لهذه المراحل بشكل سريع ونسأل مرة اخرى ما الذي يكتمل نموه قبل باقي اعضاء الوجه؟ نعم انهما الاذنين اللذين ينموان بالكامل في نهاية الشهر الثالث من يداية التكوين!
لذلك لا نتعجب أن الجنين يبدأ في سماع الأصوات المحيطة به وهو جنين داخل الرحم بل داخل ثلاثة اغشية مظلمة بل كالحة الظلام تماما وهى: غشاء البطن وغشاء الرحم وغشاء المشيمة ، فإن الأصوات تنتقل عبر موجات صوتية تستطيع اختراق معظم الأغشية أو الحواجز المقابلة ، فيكون اول صوت خارجي يسمعه الجنين هو  أمه ثم الأقرب له من أمه وهكذا.
تقوم الاذن هنا بوظيفتها الطبيعية باستقبال أي صوت داخلي او خارجي لانها مصدر مفتوح ليس لها غشاء كالعين وهذه الوظيفة تسمى بالسمع ، والسمع يتم دون ادراك او وعي بالاصوات المحيطة – فمثلاً اذا سمعنا صوت شجار من بعيد فهذا يعني اننا سمعناه باستخدام وظيفة السمع دون قصد سماعها لانها مصدر مفتوح ، ولكن اذا ادركنا ما يقال في الشجار ستسمى الوظيفة هنا الاستماع او الانصات أي ادراك ما يقال ووعية وفهمه جيداً – لذلك تقوم الاذن هنا بوظيفتها التلقائية الغير مقصودة ، ومن هنا تكون للاذن الأولوية في عملية ادراك وتعلم اللغة منذ أن كنا أجنة.
v-nosečnosti
يستمر الجنين في تكرار هذه العملية حتى يولد ويبلغ شهرين وفي نهاية الشهر الثاني وبعد أن تمرن على السمع وغذى عقله لفترة اربع أشهر يبدأ في استخدام اذنه في العملية الاصعب وهي الاستماع او الانصات ، أي فهم وادراك ما يسمع جيداً ، هنا الطفل لا يفهم المعاني بل الأصوات ، فالرضيع أول ما يتسمع يستطيع أن يتسمع إلى كل أصوات اللغات الموجودة في العالم ، وليس فقط سماعها، بل استخلاصها والتعرف عليها وتنظيمها وتحليلها!
ومما هو مثير للدهشة أن الطفل بداية من شهرين يستطيع سماع لغة لأول مرة في حياته ويفرق أيضاً بين أصواتها حتي لو كانت هذه الأصوات ليست موجودة في لغتـه الأصلية ، على الرغم أن البالغين قد لا يستطيعون التفرقة بينها – فإذا كانت امه انجليزية وابوه صيني يستطيع ان يدرك ويفهم كل لغة على حدة بل ايضا استخلاصها أي انه يمكنه ان يقسم الكلام لاصغر وحداته ويستخلص كل وحدة علي حدة ثم يجمعها لكي يفهمها ثم ينظم هذه الوحدات الصغيرة في شكل كلمات وجمل ويقوم بتحليل كل شكل على حدة.
الطفل يتعلم بشكل تام لغة البلد التي يولد فيها في مدة أقل منا نحن البالغين وهو يولد ايضاً مع معرفة بالمبادئ التي تبني اللغة عن طريق برنامج اكتساب في الجينات ومن أجل استمرارية هذا البرنامج  يجب أن يسمع الطفل من حوله وعلى حديثي الولادة ايضاً أن يكتسبوا لغتهم من غير معلومات لغوية او بمعني اصح بعض الخبرة. فما هي الشروط الرئيسية لنمو اللغة؟
أولا ، القدرة علي تنظيم المعلومات الحسية فالطفل يجب أن يميز وبعد ذلك يستخلص الأصوات المناسبة لغوياً وهذه هي نفس الاصوات التي نخرجها أثناء كلامنا ثم في مرحلة ثانية يكون الكلام على شكل مَوجة متصلة فيلزم على الطفل تقطيعة وتنظيم اختلافاته وفي مرحلة ثالثة يأتي المعنى حتى يستطيع الطفل التميز بين المقصود فى كلام كل من حوله.
يكتسب الطفل اللغة في سنته الأولى فإذا لم يستطع اكتسابها في هذه الفترة نتيجة ضعف في وظائف العقل او السمع أو عدم ممارسة السمع في الصغر فلن يتمكن من الكلام ابداً ، لذلك الطفل الذي عاش في البرية دون مؤثرات سمعية تحيط به في سنته الأولى لن يتكلم لانه لم يمارس ويسمع الكلام ، وكذلك الأصم الذي لم يسمع الى صوت واحد منذ ولادته فبالتالي لن بستطيع ان يحرك بها لسانه لذا فهو لا يستطيع ان يتكلم (أبكم) والدليل علي ذلك انه يستطيع اصدار اصوات صامتة في بعض الأحيان وهي عبارة عن بعض الهواء الذي يخرج مثل الـ سـ ، ف ، ثـ وهكذا.
Baby_talk_204211a
وعندما يبدأ الطفل الكلام ما بين الشهر الثامن والتاسع يصدر اصواتاً منفردة ليس لها معنى وهذه الأصوات تقل شيئاً فشيئاً طبقاً لأصوات اللغة التى يسمعها بكثرة حوله ، وعند عمر تسع إلى عشر شهور يبدأ فى تمييز أصوات لغة بيئته الأصلية استماعاً ونطقاً ، ويستطيع أن يُخرِّج وينطق صوتين ساكنين بسهولة من أماكن نطق مختلفة في الفم ويستطيع أيضاً أن يفرق عند استماعه لأصوات مختلفة.
هذه الكلمات يُكوِّنها الطفل من مقطع صوتي واحد ليس لها معنى مثل: في اللغة العربية: ما – با – سا- سي – بو ، وفي اللغة الانجليزية:  ma – pa – me ، وعندما يكبر قليلاً يستطيع نطق كلمات كاملة لها اكثر من مقطع صوتي واحد مثل: ماما ، بابا. ومع التقدم في التعلم والاستماع يبدأ الطفل في نطق الكلام البسيط ويُكوِّن بعض الجمل قد تَكون غير ذات معنى ولكن ممكن أن نفهمها ، مثل: “كلو حلو” ، “موز حلوة” ، “فاحة حلوة”  – أو في اللغة الانجليزية   me cup ، ثم بعد أن يكبر ويبدأ في مراحل التعليم يبدأ في تعلم الربط بين الأصوات التى يسمعها في رموز صوتية مكتوبة وبعد ذلك يتعلم تمثيلها في أشكال مكتوبة وهي ما تسمى برموز الأصوات.
ولأن الأصوات ليست إلا ذبذبات في الهواء فيجب أن نمثلها برموز صوتية مكتوبة حتى نستطيع تعلُّمها فاسماء حروف الهجاء “كاف” ، “تاء” ، “ألف” ، “باء” : لا تدل إلا على هذه الكلمة “كافتاءألفباء” وليست هذه الكلمة “كتاب” ، أما إذا تعلمنا الأصوات كاف كسرة كِ ، تاء فاتحة تَ ، ألف فاتحة اَ ، باء ساكنة بْ ستدل بالتأكيد على كلمة كِتَاَبْ. إذاً يجب أن نفرق بين اسماء حروف الهِجاء مثل “باء” ورموزها الصوتية فعند قراءة الرمز الصوتي “ب” ممكن أن يكون له أكثر من صوت باء فاتحة بَ ، باء كسرة بِ ، باء ضمة بُ ، باء ساكنة بْ ، باء وهكذا.  لذلك عند قراءة كلمة عقـد بدون تشكيل يمكن قراءتها بأكثر من طريقة مؤدية لمعاني كثيرة مثل: عَقَـدَ ، عَقَّـدَ ، عُقْـدْ ، عُقَـد ، عِقْـدْ.
وفي اللغة الانجليزية: معرفة اسم حرف S ونطقه /ess/ وحرف  K ونطقه /kay/ وحرف I  ونطقه /eye/ هي معرفة عديمة الفائدة عندما نحاول أن نقرأ كلمة Ski ، لأننا لا ننطق اسماء الحروف أثناء القراءة والتحدث والكتابة ولكن  يتم نطق رموز أصواتها المكتوبة مُجمعة سوياً في كلمة. لذلك لا نتفاجئ عند معرفة أن أصوات الرموز وتعلم أشكال كتابتها هو العامل الأقوى في تعلم اللغة بنجاح وطلاقة حتى يسهل علينا فك شفرة النصوص المكتوبة وهو أهم من معرفة اسماء الحروف ، ففي الحقيقة معرفة اسماء الحروف أولاً ممكن أن يؤدي إلى تـأخر التعلم.
that this
يوفر التشكيل في اللغات العربية قراءة سليمة  لمستخدميه مما يجعله اكثر منطقية وسهولة في التعلم وفي فك شفرة النصوص المكتوبة مهما كانت صعبة كاللغة العربية القديمة في القرآن الكريم ، أما اللغات الأجنبية التي نتعلمها دون تشكيل كاللغة الإنجليزية مثلاً فمعظم المتعلمون يجدوا معاناة شديدة في فك شفرة النصوص المكتوبة وذلك لأننا تعلمنا الحروف وليس الأصوات والبعض الآخر تعلم الأصوات غير مكتملة فمثلاً الرمز الصوتي a في اللغة الإنجليزية هو في الحقيقة 3 أصوات في الكلمات التالية: cat و age  و father  ، بعدها نتعلم قواعد النطق التي تميز الأصوات في مواضع الكلمة المختلفة.
ولذلك تعلم أدوات كل لغة الذي يأتي بديلاً عن التشكيل في اللغات الأجنبية هو عامل أقوى من حفظ الكلمة جملة واحدة في شكل بصري او ما يسميها البعض “الكلمات البصرية”   “sight words” الموجودة في الصورة.
وفي النهاية نستطيع أن نعرف أن اللغة هي عبارة عن بعض الأصوات المجُمَّعة التي نمثلها في رموز لكي تعطينا معني معين وهكذا سنفهم المعني عن طريق التعلم وبعدها الممارسة وهكذا ، وبعد ما ميزنا الصوت بآذاننا وعرفنا شكله أو رمزه بأعيننا سنعرف كيفيه قراءتِه مهما كان الصوت داخلاً فى كلمة صعبة وهكذا سنجد أنفسنا قد عرفنا اساسيات هذه اللغة التي ستنقلنا إلى الطلاقة والإتقان.
لذلك الهدف الرئيسي من تعلم اللغة هي القراءة بفهم واستيعاب والتعلم من النصوص ، ولأجل أن تنمي مهارات اللغة لديك لابد من أن تأسس نفسك من الأعماق لمعرفة معلومات كافية عن الكلمات التي سوف تستخدمها لتعطينا معنى معين. لذلك يجب أن نقرأ في كل المجالات التي نحبها والتي تهمنا في كل الأماكن لكي نحسن من مستوى إدراكنا ومعرفتنا بالمعاني والمصطلحات الجديدة في جميع او معظم المجالات وتزيد من كفاءتنا علمياً وعملياً.
المراجع
Dehaene, S. (2009). Reading in the brain: the science and evolution of a human invention. New York: Viking.
شاركها في جوجل+

عن غير معرف

0 التعليقات:

إرسال تعليق