جنرالات ومخابرات وانقلابات: 10 انقلابات عسكرية دبرتها المخابرات الأمريكية في القرن الماضي (1-2)


على عكس ما يروج الجنرالات الانقلابيون في كل الدنيا وعلى مدار التاريخ لانقلاباتهم التي تأتي لحماية الشعوب وتأكيد استقلال القرار الوطني، يخبرنا التاريخ أن الانقلابات العسكرية – خاصة في الدول المؤثرة – تأتي غالبًا برعاية خارجية، وأحيانًا بتخطيط وتدبير كامل من قبل المخابرات الأجنبية – خاصة الأمريكية -، في هذا التقرير نتناول بالطرح عددًا من الانقلابات العسكرية التي تمت خلال القرن الماضي وكان دور المخابرات الأمريكية واضحًا خلالها.
أهم ما يميز هذه المجموعة من الانقلابات هو بروز الدور الأمريكي خلالها بوضوح، وتفاصيل التدخل الأمريكي ليست من تكهنات الصحافة أو حتى تحليلات السياسة ولا حتى من شهادات التاريخ بل إنها حتى ليست من مذكرات واعترافات شخصية فقط، المميز فى هذه الانقلابات أن المخابرات الأمريكية قد أفرجت عن وثائق تفيد تورطها في هذه الانقلابات بل إنها قدمت اعتذارًا علنيًّا عن بعضها كما في انقلاب جواتيمالا.

(1) 1953: الانقلاب على حكومة مصدق في إيران

في 1941 تم إجبار شاه إيران رضا بهلوي على التنازل لولده محمد (الذى خلعته الثورة الإيرانية عام 1979) وواجه الوريث الجديد احتجاجات واسعة قادتها الجبهة الوطنية التي طالبت عبر محمد مصدق – أحد رموزها – بعدة مطالب ديمقراطية منها تأميم النفط، وكان رد الشاه هو الرفض لاعتبارات دولية بغض النظر عن الفقر المدقع للشعب وإهدار ثرواته لصالح الشركات الغربية وعلى رأسها شركة النفط الإنجليزية الإيرانية، ومع اغتيال رئيس الوزراء المدعوم من الشاه الرافض للتأميم في 7 مارس 1951 توالت أعمال الشغب حتى أبريل من نفس العام، ففي 28 أبريل تم اختيار محمد مصدق كرئيس للوزراء من البرلمان بأغلبية كبرى.
كان وصول محمد مصدق إلى رئاسة الوزراء في إيران مشفوعًا بدعم شعبي كبير؛ حيث جرى وصوله إلى السلطة بعد الانتخابات عام 1951، وأدخلت إدارته إصلاحات اجتماعية وسياسية واسعة مثل الضمان الاجتماعي وتنظيم الإيجارات واستصلاح الأراضي، ولكن يبقى تأميم صناعة النفط الإيرانية هي النقطة الأبرز في سياسة حكومته؛ حيث كان البريطانيون يسيطرون عليها منذ 1913 من خلال شركة النفط الأنجلو – إيرانية “بريتش بيتروليم حاليًا”.
لم تُرض سياسات مصدق بريطانيا والولايات المتحدة بالطبع، فتم تأسيس العملية أجاكس “التي كُشِف عن تفاصيلها لاحقًا”، والتي قادها كرميت روزفلت، ضابط الاستخبارات الأمريكي، الذي يُعد المهندس الحقيقي لعملية الانقلاب.
اعتمدت خطة روزفلت على عدة محاور، أولها قيادة حصار دولي على إيران بدعوى أنها انتهكت حقوق الإنجليز عبر تأميمها للنفط، الأمر الذي تسبب في سوء الحياة الاقتصادية في إيران، أما الخطوة الثانية فاعتمدت على تأليب الرأي العام داخليًّا وخارجيًّا ضد مصدق باعتباره المسئول عن تردي الأوضاع في إيران، أما الخطوة الثالثة فكان الضغط على حلفائه السياسيين وحتى رجال الدين من أجل رفع دعمهم له، وأخيرًا إشاعة الفوضى في الشارع وافتعال تصادمات بين أنصار مصدق وخصومه عبر تسيير مظاهرات ناهضة له وتسليحها بأسلحة خفيفة.
المشهد الأخير كان في أغسطس من عام 1953؛ حيث سافر – هرب – الشاه إلى إيطاليا، وقبل هروبه اتخذ قرارين، الأول: عزل محمد مصدق، والثاني: تعيين الجنرال فضل الله زاهدي بدلًا عنه، ورفض البرلمان الامتثال لأوامر الشاة فنزل زاهدي بالجيش إلى الشوارع، وتم رشوة الضباط المسئولين عن تأمين مصدق وقام زاهدي بقصف منزل مصدق وسط العاصمة طهران، وألقى القبض عليه وتمت محاكمته أمام محكمة صورية وأُصدِر الحكم عليه بالإعدام، ولكنه خُفِّفَ إلى حكم انفرادي لمدة ثلاث سنوات خوفًا من رد فعل أنصاره ثمَّ الإقامة الجبرية مدى الحياة.

 (2) 1954 : الانقلاب العسكري في جواتيمالا يشعل حربًا أهلية

نبدأ هذه الحكاية من عام 1944 حين قامت الثورة في جواتيمالا ضد الديكتاتورية العسكرية التي لم تقتصر آثارها على قمع الحريات واحتكار الحياة السياسية فقط بل امتدت إلى سياسات اقتصادية ساهمت في إفقار البلاد وتجريفها وبيع الأراضي للشركات العالمية وأبرزها “يونايتد فروتس” المملوكة وقتها لسياسيين أمريكيين بارزين منهم الرئيس الأمريكي- السفير وقتها – جورج بوش، وكانت الشركة وقتها تمتلك أكثر من 42% من أراضي جواتيمالا، كما تمتعت الشركة بتسهيلات كبيرة ومارست عملها في ظل إعفاء ضريبي وجمركي كامل، واشترت السكك الحديدية ثم امتلكت شركة الكهرباء والتليفون والتلغراف. باختصار، صارت الشركة المتحدة للفواكه تحتكر جواتيمالا بينما يعمل الشعب عبيدًا عندها.
قامت الثورة واضطر الدكتاتور خورخي أوبيكو كاستانيدا إلى الاستقالة من منصبه استجابة لموجة من الاحتجاجات، كما أُجبِر الجنرال البديل خوان فريدريكو بونسي فايدس – تسلم السلطة الانتقالية من خورخي – في وقت لاحق على التنحي من منصبه في 20 أكتوبر 1944، وفي أول انتخابات شعبية فاز أستاذ الجامعة المحافظ أرفللو برميجو بالرئاسة، أعطى برميجو الأولوية لبناء نظام للرعاية الصحية وآخر للضمان الاجتماعي، ثم تولى بعده في انتخابات حرة عام 1950 الرئيس جاكوبو أربينز الذي فتح باب الحريات على نطاق أوسع، فشمل حرية تشكيل الأحزاب بما فيها الحزب الشيوعي ولكن إنجازه الأكبر كان شروعه في التحرر من قبضة يونايتد فروتس بإقرار قانون للإصلاح الزراعي، الأمر الذي هدد مصالح شركة يونايتد فروتس وحلفاءها من العسكريين ورجال الأعمال، وهو ما جعلها تضغط بشدة على الحكومة الأمريكية للتدخل لإسقاط النظام، والحقيقة أن محاولات الانقلاب على الثورة بدأت منذ عهد برميجو وهي المحاولات التي لم تتوقف إلى أن نجحت فعلاً في الإطاحة بالرئيس أربينز، وتولي قوى الثورة المضادة الحكم عام 1954.
قاد حلفاء السي آي إيه حملة منظمة لنشر سلسلة من الشائعات في إطار حرب نفسية لإرباك المواطنين وترويعهم من “الاختراق الأحمر” – أي الشيوعي – للبلاد، واتُهم الرئيس المنتخب أربينز بأنه يسعى لتسليم البلاد للسوفييت، خصوصًا بعد حصوله على صفقة أسلحة من تشيكوسلوفاكيا.
قام الجنرال سوموزا “أحد ديكتاتوري جواتيمالا التاريخيين” بعدة زيارات للولايات المتحدة، ورشح للإدارة الأمريكية للقيام بالمهمة الجنرال “كاستللو أرماس” الذي يعرفونه جيدًا، فالرجل عمل معهم في هجوم فاشل على قاعدة في جواتيمالا أدى لسجنه ثم هروبه خارج البلاد، وبالفعل بدأت خطة دعم كاستللو الذي كان يعيش في المنفى، وتهيئة المسرح في جواتيمالا عبر احتجاجات وانتفاضات مستمرة لمدة 3 سنوات انتهت بانقلاب واستيلاء كاستيلو على السلطة، وتتضمن التفاصيل السرية لتورط الـ (سي آي إيه) في الانقلاب على الزعيم الجواتيمالي التي تم كشف وثائقها عام 1999، تسليح المتمردين والقوات شبه العسكرية، وفرض البحرية الأمريكية حصارًا على الساحل الجواتيمالي، بل واستخدام الطائرات في القصف الجوي.
ودخلت جواتيمالا في عصر انقلابات عسكرية “4 انقلابات” وسلسلة من الحروب الأهلية استمرت لمدة 36 عامًا بفعل تمويل السي آي إيه للمتمردين المسلحين وما يعرف بفرق الموت، وظهرت التنظيمات المسلحة التي قاتلت ضد قوات الجيش الجواتيمالي وأبرزها جيش الفقراء ومنظمة الشعب المسلحة وقوات المتمردين المسلحة وحزب العمل الغواتيمالي، والتي نجحت في التوحد عام 1982 تحت اسم الاتحاد الثوري الوطني الغواتيمالي.
تم إنهاء الحرب الأهلية عام 1996 باتفاق سلام بين الحكومة والمتمردين، ووفقًا لبعثة تقصي الحقائق الأممية (بعثة من أجل التوضيح التاريخي) فإن قوات الحكومة والمنظمات شبه العسكرية التابعة لها كانت مسؤولة عن 93% من انتهاكات حقوق الإنسان خلال الحرب.
خلال السنوات العشر الأولى، كان ضحايا العنف الذي رعته الحكومة من الطلاب والعمال والأخصائيين وشخصيات المعارضة، ولكن في السنوات الأخيرة شمل العنف الآلاف من المايا الفلاحين القرويين والعزل، ودُمّرت أكثر من 450 قرية من قراهم كما شُرِّد نحو مليون شخص ضمن غواتيمالا أو لجأوا لدول أخرى.
في عام 1999 اعترف الرئيس الأمريكي بيل كيلنتون بخطأ الولايات المتحدة بدعم الجيش في جواتيمالا منذ الانقلاب وخلال المذابح التي ارتكبها على مدار 4 عقود.

(3) 1961 : الانقلاب العسكري في الكونغو الديمقراطية “كينشاسا” وقتل الرئيس الشرعي

تبدأ قصتنا في القرن التاسع عشر؛ حيث يسيطر الاحتلال البلجيكي على الكونغو الديمقراطية، ففي تلك الفترة جاء إلى الكونغو الإنكليزي هنري مورتون ستانلي الذي استطاع أن يطوف مناطق الكونغو، ومن رحلته استطاع أن يتعرف على الثروات الكبيرة التي تمتلكها البلاد مما دفعه إلى حث الحكومة البريطانية على الإسراع في استغلال ثروات الكونغو، غير أنه لم يلق تجاوبًا من الحكومة البريطانية، فوجه دعوته إلى ملك بلجيكا ليوبولد الثاني الذي عيّن ستانلي رئيسًا لشركة الكونغو الدولية التي تأسست سنة 1879، كما نجح في الحصول على اعتراف أوروبي بملكيته الشخصية في الكونغو سنة 1885 في اجتماع ببرلين، قبل أن يقوم البرلمان البلجيكي بنزع الخصوصية الشخصية التي كان يتعامل بها الملك مع المستعمرة سنة 1908، لتُعرف بعد ذلك باسم الكونغو البلجيكي.
وما تبقى هي القصة التقليدية للنهب الاستعماري؛ حيث بلغ عدد الموظفين الأوروبيين في الكونغو في هذه الفترة أكثر من 100 ألف موظف يعمل تحت إمرتهم أكثر من مليون شخص كونغولي.
بدأت دعوات التحرر إلى الظهور واتخذت صبغة دينية ثم قومية إلى أن جاء التحول التاريخي بإعلان الجنرال الفرنسي ديغول استقلال المستعمرات الفرنسية ومن بينها الكونغو برازافيل سنة 1954؛ حيث تحرك تحرك الزعماء الوطنيين في الكونغو ورفعوا مذكرة تطالب بالاستقلال، وجاء مؤتمر الجامعة الإفريقية في نفس العام مساندًا لمطالب الاستقلال إذ عاد منه لومومبا ليؤسس الحركة الوطنية الكونغولية التي كانت أبرز المجموعات التي قاومت ضد الاحتلال بين عامي 1954 حتى عام 1959؛ حيث ماجت البلاد بالاضطرابات وتم اعتقال لومومبو من قِبل القوات البلجيكية لمدة 6 أشهر قبل أن يتم نقله بالطائرة إلى بروكسل – بعد فشل بلجيكا في السيطرة على الاحتجاجات -، وفي يناير 1960 تم الاتفاق على الاستقلال يوم 30 يونيو 1960، وقبلها صدر القانون المركزي – الدستور – في مايو الذي أقر دولة مركزية “السلطة في يد رئيس الوزراء”.
أجريت الانتخابات النيابية وفاز حزب لومومبو بأغلبية ضعيفة – شارك في الانتخابات أكثر من 100 حزب منها أحزاب انفصالية موالية لبلجيكا والولايات المتحدة – لكن الاحتجاجات أجبرت بلجيكا على القبول به كرئيس للوزراء وتم إقرار جوزيف كازافوبو رئيسًا للجمهورية.
وحدثت أزمة سياسية أثناء حفل التسليم، فقد ألقى لومومبا خطابًا أغضب البلجيكيين وسُمِّي بخطاب “الدموع والدم والنار” تحدث فيه عن معاناة الكونغوليين وما تعرضوا له من ظلم واضطهاد، وبعدها بـ5 أيام فقط بدأ التحضير للانقلاب؛ حيث استقل مويس تشومبي بدعم من بلجيكا والولايات المتحدة بإقليم كاتنغا وعقد مع بلجيكا شراكة اقتصادية، كما أرسلت بلجيكا قواتها لحماية الإقليم المنفصل، وحمّل لومومبا بلجيكا مسؤولية هذا الانفصال فقام بقطع العلاقات الدبلوماسية معها، وأعلنت مقاطعة كازائي بقيادة ألبير كالونغي استقلالها عن الكونغو بعد أسبوعين من انفصال إقليم كاتنغا، وأعلن زعيما الانفصال في كاتنغا وكازائي عن إقامة اتحاد بين المقاطعتين، وبدآ السعي معًا إلى إسقاط باتريس لومومبا بدعم من الحكومة البلجيكية عبر شركات المناجم البلجيكية في الكونغو.
وقرر لومومبا دعوة قوات الأمم المتحدة للتدخل لمساعدته على توحيد الكونغو وتحقيق الاستقرار، ولكنها تدخلت ضده، وانفض عن لومومبا عدد من حلفائه الأساسيين بدعم أمريكي وبلجيكي، وساءت علاقته مع رئيس الجمهورية كازافوبو.
ورغم أن منصب رئيس الجمهورية شرفي والسلطة الفعلية بيد رئيس الوزراء، فإن كازافوبو أعلن إقالة الحكومة، ولكن مجلس الشيوخ صوت بأغلبية كبيرة ضد القرار.
استغل الجنرال موبوتو رئيس هيئة الأركان – حليف تشومبي – والمدعوم من بلجيكا والولايات المتحدة هذه الفوضى فاستولى على السلطة عام 1961 في انقلاب عسكري؛ حيث ألقت قوات درك كتانغا القبض على لومومبا – في حضور قوات الأمم المتحدة – في مطار إليزابثفيل لدى هبوطه من الطائرة واثنين من أهم رفاقه هما: نائب رئيس مجلس الشيوخ جوزيف أوكيتو، ووزير الإعلام موريس موبولو، وتم نقلهم إلى سجن بلجيكي، وأعدموا رميًا بالرصاص بعد بضع ساعات على يد كتيبة إعدام يقودها ضابط بلجيكي، وتم التخلص نهائيًّا من الجثث بعد أربعة أيام بتقطيعها إلى قطع صغيرة وإذابتها في حمض الكبريتيك، ونفّذ هذه المهمة ضابط شرطة بلجيكي اسمه جيرارد سويت، وكان الحمض في شاحنة مملوكة لشركة تعدين بلجيكية، وقد اعترف سويت بذلك في لقاء تلفزيوني أُجْرِيَ معه العام الماضي، وقال إنه احتفظ باثنين من أسنان لومومبا كـ”تذكار” لسنوات عدة، ثم تخلص منهما بإلقائهما في بحر الشمال، ولم تعرف الكونغو استقرارًا سياسيًّا أو اقتصاديًّا منذ الانقلاب وإلى الآن ودفعت البلاد فاتورة دعم الغرب لانقلاب موبوتو من ثرواتها الطبيعية.
ووفقًا لما يعرف بتقرير لجنة تشيرش “على اسم رئيس اللجنة وقتها وهو عضو فى مجلس الشيوخ”, وهي لجنة مكونة من 11 سيناتورًا شُكِّلت عام 1975 داخل الكونجرس الأمريكي للإشراف علي الإجراءات السرية التي تقوم بها أجهزة الاستخبارات الأمريكية، فإن الوكالة ظلت تمول وتشجع المعارضين الكونغوليين الذين أبدوا رغبتهم في اغتيال لومومبو, وبعد أن تم إحباط محاولة لقتله عن طريق منديل مسمم من قبل قوات حرسه, قام وكلاء السي آي إيه, بإخبار معارضيه الذين سلحتهم, عن مكان اختباءه, إلى أن تم القبض عليه في أواخر عام1960 وتم قتله فيما بعد بطريقة غامضة كُشِفَ عنها مؤخرًا، كما تحدث المخبر السابق في وكالة الأمن القومي، روبرت جونسون، عن اجتماع جمع الرئيس الأمريكي أيزنهاور وضباط استخبارات عليا تم التوصل فيه بشكل ضمني إلى قرار باغتيال لومومبا.
حادثة انقلاب الكونغو واغتيال لومومبا ذُكِرَت أيضًا في وثائق المخابرات البريطانية، فقد نُقِلت في شهادة عضو مجلس اللوردات، ديفيد ليا، عن دافني بارك، القنصل البريطاني في كينشاسا وجاء فها نصًّا: “آمنّا – كما الغرب – أن الكونغو إذا لم يأت فيها نظام موالٍ للإمبريالية فإن ثرواتها سوف تذهب إلى الاتحاد السوفييتي بسبب توجهات لومومبا الشيوعية”.

(4) 1963 :انقلاب في الدومنيكان ثم تدخل عسكري لمنع الثورة على الانقلاب

دعمت الولايات المتحدة وصول الجنرال رافائيل ليونيداس تروخيو مولينا إلى السلطة، والذي ظلّ محايدًا خلال ثورة الدومنيكان ضد الاحتلال الأمريكي على إثر الثورة ضد ترشح الرئيس السابق وراسيو فاسكو لاخارا، لفترة رئاسية جديدة بسبب ولائه للولايات المتحدة.
فاز تروخيو بانتخابات صورية عام 1930 وتميزت فترة حكمه باستخدام كثيف للقتل والتعذيب والأساليب الإرهابية ضد المعارضة، وفوق ذلك تجلى جنون عظمة تروخيو بإعادة تسمية العاصمة سانتو دومينجو باسم “سويداد تروخيو” أي “مدينة تروخيو” وتسمية أعلى جبل في البلاد والكاريبي بيكو دوارتي (قمة دوارتي) باسم “قمة تروخيو”، كما أعاد تسمية العديد من البلدات وإحدى المقاطعات باسمه وأفراد عائلته كما جمع ثورة هائلة قدرت وقتها بـ800 مليون دولار أمريكي وضعته ضمن قائمة أثرياء العالم.
ورغم مذابح تروخيو ضد معارضيه وضد جيرانه من الهايتيين دعمته الولايات المتحدة حتى قُبيل اغتياله عام 1961 بعد محاولة عملائه اغتيال الرئيس الفنزويلي، رومولو بيتانكورت، الذي كان ناقدًا شديدًا له وقيل أن الولايات المتحدة قد رفعت دعمها لتروخيو عقب تورطه علنًا في هذه العملية.

خوان بوش

في ديسمبر عام 1962 كانت أول انتخابات حقيقية في الدومنيكان والتي حملت الرئيس الشيوعي خوان بوش، زعيم الحزب الثورى الدومنيكاني، إلى السلطة عام 1963، وبدأ الصراع بين الجيش والطبقة الراقية وبين الرئيس المنتخب ديمقراطيًّا انتهت بالانقلاب على بوش بعد 9 أشهر فقط “في سبتمبر” على يد الجيش بدعوى سيطرة الشيوعية على الحكومة، وتم تشكيل مجلس عسكري من 3 أفراد لتولي شئون الحكم.
بعد تسعة عشر شهرًا من الحكم العسكري، انفجرت ثورة موالية لبوش في فبراير 1965، إلا أن الرئيس الأمريكي ليندون جونسون، وخوفًا من أن يسيطر الشيوعيون على ثورة وينشئوا “كوبا ثانية”، أرسل قوات المارينز بعد بضعة أيام على قيام الثورة، ثم أتبعهم مباشرة بفرقة الجيش الثانية والثمانين المحمولة جوًّا وعناصر أخرى من الفرقة المجوقلة 18 في عملية سميت بعملية “بور باك” أي مجموعة القوة، وعلق جونسون على هذه العملية بقوله: “نحن لا نريد أن نجلس على كرسي هزاز بينما ينشئ الشيوعيون حكومة في النصف الغربي من الكرة الأرضية بعد فترة قصيرة”، وانضمت للقوات الأمريكية مجموعات عسكرية مؤقتة صغيرة نسبيًّا تابعة لمنظمة الدول الأمريكية؛ حيث مكثت جميع هذه القوات مدة تزيد على السنة، قبل أن تغادر عام 1966 بعد أن أشرفت على انتخابات فاز بها جوخين بالجير، الذي كان آخر الرؤساء الشكليين خلال حقبة تروخيو وحكم 12 عامًا وتميزت حقبته بقدر غير مسبوق من القمع.

(5) 1963: انقلاب في جنوب فيتنام برعاية أمريكية

ربما يكون أكثر ما يميز انقلاب فيتنام الجنوبية أن الجنرال المنقلب عليه نغو دينيه ديم تلقى تعليمه في الولايات المتحدة ويُعدُّ من حلفائها لكنها اضطرت للتخلص منه للحفاظ على بقائها في جنوب فيتنام.
الحكاية تبدأ باختصار مع الانسحاب الياباني من فيتنام الجنوبية وقيام الزعيم الشيوعي هوشي منَّه إعلان الاستقلال، ولكن فرنسا رفضت الاعتراف به – كانت فيتنام مستعمرة فرنسية قبل الاحتلال الياباني -، كما عارضت بريطانيا لأن ذلك كان سيشجع مستعمراتها علي المطالبة بالاستقلال، وسعى هوشي منَّه لاعتراف أمريكا, حين بعث برسائل للإدارة الأمريكية إلا أن ترومان لم يرد على رسائله فانتهج الكفاح المسلح ضد الفرنسيين حتى أجبرهم على التسليم له ونصت اتفاقية التسليم برعاية الولايات المتحدة وروسيا على فصل مؤقت لفيتنام على طول خط العرض 17, على أن تقوم حكومة برئاسة هوشي منَّه في الجزء الشمالي وعاصمته هانوي, وأخرى من حلفاء فرنسا السابقين في الجنوب وعاصمته سايقون، أما الجزء الأهم فكان نص الاتفاقية على إجراء إنتخابات عامة بعد سنتين في شطري فيتنام لتوحيدهما.
آل الحكم في فيتنام الجنوبية لنغو ديم, الكاثوليكي المعادي للشيوعية، وكان ديم قد تلقى تعليمه في أمريكا عام 1950, وأسَّس علاقات سياسية مع وزارة الخارجية وبعض أعضاء الكونغرس والتقي بالسناتور جون كيندي، وعاد ديم إلى فيتنام الجنوبية قبل شهور من انسحاب الفرنسيين وتم تعيينه رئيسًا للوزراء عام 1954، وفي العام التالي, عدّل الدستور ومنح نفسه سلطات مُطلقة وأقال الإمبراطور وعيَّن نفسه رأسًا للدولة وعين أقاربه في جميع المناصب الحساسة.
أدركت الولايات المتحدة أن شعبية “هوشي” في الشمال تضمن له اكتساح الانتخابات الموحدة بعد, وبالتالي سيصبح رئيسًا لفيتنام الموحدة، لذا عمل وزير الخارجية الأمريكية دالاس على جعل أمر التقسيم دائما، عبر زيادة عدد الجنود الأمريكيين في فيتنام الجنوبية من 800 إلى 16 ألف “بالمخالفة لاتفاقية التسليم عام 1954” كما تم إرسال أسلحة ثقيلة شملت طائرات حديثة، ثم أوعزت الإدارة الأمريكية لديم أن يرفض الانتخابات المقترحة وتوحيد شطري الدولة.

في تلك الفترة تم تكوين جبهة التحرير الوطنية (فيتكونق), وهي تحالف عريض شمل أحزابًا يسارية ومثقفي المدن ومهنيي الطبقة الوسطي في فيتنام الجنوبية، وعملت الفيتكونق في تحالف مع الشمال وقادت الكفاح المسلح ضد نظام ديم الذي عارض الوحدة وأوغل في القمع والفساد، واستُخدمت الطائرات الأمريكية في قمع الاحتجاجات، وامتد الأمر كذلك حتى عام 1963 حين ألغى النظام الاحتفال بعيد ميلاد بوذا “ديانة الغالبية” الأمر الذي أشعل الاحتجاجات في كل أنحاء البلاد، فاضطر ديم لإعلان الأحكام العرفية واعتقال رجال الدين، وهو الأمر الذي زاد من السخط الشعبي ضد النظام.
وبعد أن تفاقمت الأمور وأدرك السفير الأمريكي فقدان السند الشعبي للنظام, وأنه غير مؤهل لإحراز نصر في الحرب ضد الشمال, اتصل بالإدارة الأمريكية للموافقة على تدبير انقلاب عسكري، واختارت المخابرات الأمريكية الجنرال تران دون لقيادة الانقلاب – ونوقشت التفاصيل الأخيرة لخطة الانقلاب مع القيادة الامريكية في 13 أغسطس عام 1963 – وتمّ دفع التمويل اللازم له، ونجح الانقلاب وتمت تصفية الرئيس وشقيقه في نوفمبر 1963.
في عام 1963 كانت الولايات المتحدة قد أصبحت متورطة على نطاق واسع في فيتنام الجنوبية، بينما علاقتها مع قائد البلاد نغو دينه دييم كانت تزداد توترًا وسط القمع الذي مارسه دييم ضد معارضين بوذيين، وحسب “أوراق البنتاغون” (دراسة لوزراة الدفاع الأمريكية حول تاريخ تورط الولايات المتحدة في فيتنام من 1945 إلى 1967)، فإن جنرالات فيتناميين جنوبيين كانوا يتآمرون للقيام بانقلاب، اتصلوا يوم 23 أغسطس 1963 بمسؤولين أمريكيين ليناقشوا خطتهم معهم، وبعد طول تردد وتذبذب من جانب الأمريكيين، نفذ الجنرالات انقلابهم بدعم من الولايات المتحدة، وقبضوا على دييم وقتلوه يوم الأول من نوفمبر 1963 وقد تبين في ما بعد أن الـ “سي . آي . إيه” قدمت التمويل للجنرالات.
شاركها في جوجل+

عن غير معرف

0 التعليقات:

إرسال تعليق