قبل أكثر من 70 عامًا وضع المهاتما غاندي القائد والفيلسوف الهندي الكبير سبعة أسباب وأمور تدمر حياة الإنسان والمجتمع، لخص فيها عصارة فكره وحكمته التي تميز بها في زمن الصراعات والحروب.
في هذا التقرير سنشرح باقتضاب تلك الأمور السبعة وفقًا لتعاليم غاندي.
1- غنى بلا عمل
عادة ما يحافظ الإنسان على ما تعب في الحصول عليه، وعندما يمتلك الإنسان مالًا دون جهد يبذله، كأن يكون من أسرة غنية تنفق عليه دون حساب، أو شخصًا ورث مالًا وثروة لم يتعب في تحصيلها، فإنك تجده يسيء استخدام تلك الأموال، ويسرف في إنفاقها في وجوه لا تعود عليه ولا على مجتمعه بالنفع والفائدة، بل ربما تسببت في إحداث الضرر للشخص وللمجتمع.
الغنى من دون عمل مفسد للمرء، وغالبا ما يؤدي بصاحبه إلى الانزلاق في دروب خاطئة قد تودي به إلى نهاية مؤلمة.
يلخص الشاعر هذا المعنى بقوله:
إن الشباب والفراغ والجدةْ مفسـدة للـمــرء أي مفسـدةْ
(الجدةْ: غنى المال)
2- سعادة بلا ضمير
يُقصد بذلك أن تقدم سعادتك فوق كل اعتبار.. أن تفتقد الضمير والشعور الإنساني، وتجعل هدفك هو الوصول إلى السعادة بشتى الطرق، حتى وإن جَلَبت تصرفاتك التعاسة والشقاء للآخرين.
إن مفهوم السعادة بلا ضمير يعني الأنانية. أن تفكر بنفسك فقط، وتصنع كل ما تعتقد أنه سيجلب لك السعادة دون وازع أخلاقي، أو مراعاة لمشاعر الآخرين، وقد تنتهك حقوقهم وتسلب ما لهم دون أدنى إحساس بالمسؤولية أو شعور بالذنب.
يحدث أن يتسبب شخص في إفقار آلاف الناس، لأنه في مركز القرار. ينهب الأموال ويعقد الصفقات الفاسدة لأجل سعادته. يتحجج بتأمين مستقبله ومستقبل أبنائه، ويتجاهل حقوق ومستقبل من ائتُمِنَ على رعاية مصالحهم.
انعدام الضمير يعني موت إنسانية الإنسان، وتحوله إلى وحش مفترس في صورة بشر، يسعى لجلب السعادة لنفسه بكل الوسائل الممكنة دونما رادع أخلاقي يمليه عليه ضميره.
يقول ستيفن كوفي عن هتلر: “لقد نقل هتلر بحماس شديد رؤيته عن الرايخ الثالث الذي سيعيش ألف عام، وبنى مجتمعًا صناعيًّا حربيًّا من أكثر المجتمعات انضباطا، وكان لديه ذكاء عاطفي خارق استخدمه في التأثير على شعبه، لكن انعدام الضمير لديه قاده بجنون إلى تدمير كل ما حوله”.
3- معرفة بلا قيم
حين تكون المعرفة مجردة من القيم والمبادئ؛ فإنها تجر صاحبها إلى الوقوع في وحل الرذائل، بحيث تجده يوظف معرفته في الإساءة لمن حوله. ستجده يمارس الانتهازية والاستغلال بما لديه من معرفة في أمور لا يعرفها غيره.
إن القيم تمنع الإنسان من أن يجعل معرفته وبالًا على غيره.
4- تجارة بلا أخلاق
يعيش سكان العالم في هذا الزمان أسوأ أزمات الاقتصاد العالمي والمحلي، فهل يعرف أحد السبب الخفي وراء تلك الأزمات؟! لا شك بأن التجارة الحرة التي لا تضبطها قوانين صارمة أو أخلاق حميدة تكون مدمرة للإنسان والمجتمع.
عالم اليوم يرزح تحت وطأة مؤسسات وشركات وأشخاص يمارسون التجارة دون قيود وقوانين أخلاقية، لذلك يكثر الاحتكار وينتشر الغش وأعمال النصب والاحتيال والفساد المالي، وتتضخم أرقام السرقات ونهب الأموال العامة والخاصة يوميا، وتزدهر نشاطات السوق السوداء والمافيا التجارية، فالكل يبحث عن الربح ولا يأبه للوسائل التي توصله إلى تحقيق أكبر قدر من الأرباح، في ظل سوق مفتوح لا تضبطه أي قواعد ومعايير أخلاقية.
هل تعلم أن نصف ثروات العالم تتركز بيد 1% من السكان فقط! في حين يقبع 70% من سكان العالم تحت خط الفقر؟! فكيف جنى أولئك ثرواتهم؟! وكيف تضخمت إلى هذا الحد إن لم يكن سبب ذلك هو التجارة بلا قوانين ولا أخلاق؟!
حين توجد الأخلاق الحميدة أو القوانين الصارمة التي تنظم مسالك التجارة وتضبط تجار الرأسمالية؛ فسوف تستتب أمور البشر الاقتصادية، وتتلاشى مظاهر الفقر والعوز في العالم.
5- علم بلا إنسانية
العلم سلاح ذو حدين، فقد يستخدم في خدمة البشرية أو تدميرها. فالإنسان الذي صنع المركبات والطائرات وأنشأ المصانع والآلات التي زادت من إنتاج السلع بمختلف أنواعها، غذاء وكساء ودواء وبناء وتكنولوجيا خدمية؛ هو ذاته الذي يصنع القنابل النووية والهيدروجينية والعنقودية، والصواريخ العابرة للقارات، وكل أنواع الأسلحة الفتاكة التي حصدت أرواح مئات ملايين البشر خلال القرن المنصرم وما زالت تحصد أرواح الآلاف حاليا.
الفارق الوحيد في ذلك هو عنصر الإنسانية، فالعلم والمشتغلون به من العلماء والدول والمنظمات عندما تنعدم لديهم صفات الإنسانية فإنهم يتحولون إلى وحوش كاسرة تنتج كل ما يدمر البشرية.
الولايات المتحدة مثلا تزود كثيرًا من دول العالم بالقمح والأرز والسلع الاستهلاكية والتكنولوجيا الخدمية الحديثة، في حين أنها تملك 5113 رأسًا نوويًّا محمولة على صواريخ منتشرة بقواعدها حول العالم، وتكفي لتدمير الكرة الأرضية وما حولها من الكواكب.
وفي لحظة انعدام الإنسانية لدى صناع القرار في الولايات المتحدة، ألقيت قنبلتين على مدينتي هيروشيما ونجازاكي اليابانية عام 1945 لتقتل 220 ألف إنسان في ساعات معدودة.
عندما تنعدم الإنسانية عن العلم، فإنه يتحول إلى أداة لتدمير الحياة والأحياء.
6- عبادة بلا تضحية
العبادة حين تتجرد من التضحية والعمل تصبح مجرد طقوس وعادات جامدة لا تؤثر في أصحابها ولا تعود بالنفع عليهم، فالعبادة إذا لم تكن سلوكا ومنهج حياة عمليًّا تستوجب من صاحبها التضحية والصبر، فإنها تكون عبارة عن شعائر وعادات مفرغة من مضمونها. لذلك تجد في ديننا الإسلامي أن العبادة مقترنة بالتضحية، فالصلاة إذا لم تقترن باجتناب المنكرات وملذات الدنيا لم تتحقق الحكمة من فرضها، كما يقول عز وجل: “إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحشَاءِ وَالَمُنْكرِ”. ومعنى ذلك: من لم يجاهد نفسه في التخلص مما يذم ويقبح فلا معنى لصلاته. وقس على ذلك جميع العبادات.
7- سياسة بلا مبادئ
السياسة عبر التاريخ تحركها المصالح وليس المبادئ، وذاك ما فطنه غاندي واعتبره أمرًا مدمرًا لحياة الفرد والمجتمع، فتجد الساسة يتقلبون في مواقفهم وآرائهم بين عشية وضحاها، فالمصالح هي التي تحركهم وليس المبادئ والقيم المكتوبة في دساتير بلدانهم ولوائح أحزابهم.
يكتب ونستون تشرشل عن ذلك فيقول “بعض الناس يغيرون أحزابهم بسبب المبادئ، وآخرون يغيرون المبادئ لأجل الحزب”. ثم يفصح عن حقيقة تجرد السياسة من المبادئ في جملته الشهيرة: “في السياسة لا يوجد صداقات دائمة أو عداوات دائمة، إنما توجد مصالح دائمة”. ربما قصد تشرشل بذلك مصالح الدولة الدائمة ككيان، أو مصالح السياسي كفرد.
ومهما يكن؛ فإن السياسة بلا مبادئ مدمرة لكيان الدول وحياة المجتمع، وغالبًا ما يكون عامة الناس هم الضحايا وهم من يدفع الثمن.
دمرت أمريكا العراق بحجة نشر قيم الديمقراطية والعدالة في المنطقة، ولم يكن هدفها من احتلال العراق سوى السيطرة على النفط وحماية مصالحها الإستراتيجية، ودُمرت بلدان كسوريا وليبيا واليمن بسبب وجود ساسة وحكام انعدمت لديهم المبادئ والقيم الأخلاقية والوطنية، فقدموا كرسي الحكم ومصالحهم الفردية على حياة ملايين البشر.
0 التعليقات:
إرسال تعليق