هل التدريس مهارة مكتسبة ، أم هواية وميول شخصية تولد مع الإنسان تجعله يبدع في هذه المهنة تحديداً ، و يزاولها ببراعة تجعله يترك أثراً مهماً في نفوس الطلاب الذين يدرّسهم ؟!!
سؤال مهم لا بد أن نطرحه على أنفسنا إذا قررنا في يوم ما اختيار التدريس كمهنة نقضي عمرنا فيها..
و إذا عدنا لتعريف التدريس حسب وجهة نظر علماء التربية – رغم الاختلافات بين العلماء والباحثين في وضع تعريف محدد للتدريس – إلا انه في النهاية يمكن وصفه بـعملية تفاعلية بين المعلّم والطالب لإيصال مادة علمية له و وضعه في بداية طريق العلم من خلال طرق و وسائل مختلفة، و ذلك من خلال تهيئة البيئة المكانية والعقلية المناسبة التي تساعد على إنجاح هذه العملية .
وعلى ضوء هذا التعريف ، يمكن القول أن المادة العلمية وحدها لا تكفي لنجاح هذه العملية و فتح عقل الطلاب على العالم من حولهم من خلال المناهج التدريسية المختلفة و المواد المتنوعة من الرياضيات للفلسفة والتاريخ والعلوم والكيمياء، إذ يحتاج معلّم المادة إلى ما هو أكثر من معرفة عميقة ودراسة مستفيضة وموسعة لاختصاصه العلمي كي يتمكن من إيصال تلك المعلومات للطلاب
( يقول أينشتاين: “إذا لم تستطع شرح فكرتك لطفل عمره 6 أعوام فأنت نفسك لم تفهمها بعد!“)
فإذا كنت قد تخرجت من جامعة ما ، باختصاص جميل معقد لمن حولك ،يبهر الطلاب عندما ينظرون لك ، فاعذرني ، هذا لايكفيك لتكون معلماً ناجحاً .. أنت بحاجة لبعض المهارات والمعلومات التي تتعلق بفن التعليم بحد ذاته و كيفية إيصال المعلومات .
يمكنك الحصول على هذه المهارات من خلال عدة طرق أطولها وأكثرها فائدة هو الخبرة وسنوات عمل طويلة تتعلم فيها بنفسك، وتجرب وتخطئ وتقف أمام الطلاب حائراً فيما تفعله في موقف لا تعرف كيف تتصرف حياله، وتتحمل همزات الطلاب ولمزاتهم على معلمهم الذي يقف محتاراً عاجزاً أمامهم لتعود وتفكر بينك و بين نفسك في الطريقة الأنسب التي تواجه بها الموقف نفسه في المرة القادمة !
أو تختصر عليك هذا الطريق الذي لا بد منه في النهاية و تبدأ من منتصفه من خلال الانتساب لدبلوم التأهيل التربوي في كليات التربية كسنة دراسة إضافية .. و لكن ماذا لو لم تستطع متابعة الدراسة الجامعية ولم تكن من المقبولين لسبب ما؟.
سيكون أمامك فرصة اخرى تفتح أمامك سبيلاً جيداً للمعرفة و من خلالها يمكنك أن تتعلم مفاتيح التعليم العملية بطريقة مبسطة بعيداً عن تقعيرات اللغة الأكاديمية في الجامعة ، وذلك عن طريق حضور كورسات تدريبية متخصصة تعطيك عدة مهارات تدريبية وعملية تساعدك في بداية طريقك العملي.
سأستعرض هنا أهم أربع كورسات يمكنك حضورها في فترة زمنية قصيرة و تعطيك أفكار كثيرة ستكون نقطة انطلاقك الأهم في عملك ..
1- مهارات الإلقاء و التأثير :
كيف تقف أثناء إلقاءك للمعلومات؟ وما هي حركات جسدك التي تستخدمها لا إرادياً أحياناً ؟ ، ماهي نبرة صوتك التي تتحدث بها ،عالية جداً بحيث تزعج المستمعين أم ربمامنخفضة بحيث يتعذر عليهم سماعك ؟ كيف تجذب جمهورك و كيف تغير مزاجهم حين ترى أنهم قد شعروا بالملل؟..الأهم،كيف تعاير الحضور والطلاب وتعرف أنهم قد ملّوا أو أنهم لم يفهموا حرفاً مما تقول وتحتاج أن تعيد لهم الشرح من جديد..
هذا الكورس أعتبره الأهم الذي حضرته في حياتي و من خلاله عرفت كيف يمكن لطريقة الوقوف اثناء الدرس ونبرة الصوت وسرعة الكلام ان تكون عائقاً كبيراً في حُسن إيصال المعلومات للطلاب.
إضافة أنه يساعد في تنمية الثقة بالنفس و زيادة درجة القدرة على الارتجال والتكلم بطلاقة لمواجهة لحظات المفاجأة والأسئلة الصعبة أو غير المتوقعة .
2- التعلم النشط أو avtive learning:
وهو مصطلح شامل لأساليب التعليم المختلفة التي تقوم بتحميل المسؤولية أو جزء كبير منها على المتعلم أو الطالب، والمبدأ يعتمد على فكرة أن المشاركة النشطة للمتعلم في مواد التعلم يجعله قادرا على استرجاع المعلومات بشكل أفضل .
وهذا الأسلوب مريح للأستاذ لكنه يحتاج منه مهارات معينة لإدارة الصف و الأنشطة التي يعتمد عليها كي لا تتحول الحصة إلى فوضى و لا يتم الحصول على النتيجة المرجوة والفائدة المأمول تحصيلها.
يعتمد التعلم الناشط على أساليب التعلم من خلال المجموعات و البحث ، العصف الذهني ، الدراما ، الصور والفيديوهات و العروض البصرية .
3- صعوبات التعلم :
كثيراً ما نواجه في الصف طلاباً ذوي مستوى ضعيف دراسياً أو يعانون من حركة ونشاط زائد أو عدم قدرة على التركيز مع المعلم في الصف ، فكيف نحكم عليه ونعرف هل هذا الذي يعاني منه حالة مرضية فعلية تحتاج معاملة خاصة أم أنها نتيجة تربية ما أو اعتياد على طريقة معينة في الحياة؟
صعوبات التعلم مصطلح عام يصف التحديات التي تواجه الأطفال ضمن عملية التعلم، ورغم أن بعضهم يكون مصاباً بإعاقة نفسية أو جسدية إلا أن الكثيرين منهم أسوياء، رغم أنهم يظهرون صعوبة في بعض العمليات المتصلة بالتعلم: كـالفهم، أو التفكير، أو الإدراك، أو الانتباه، أو القراءة (عسر القراءة)، أو الكتابة، أو التهجي، أو النطق ،أو إجراء العمليات الحسابية أو في المهارات المتصلة بكل من العمليات السابقة.
وتتضمن حالات صعوبات التعلم ذوي الإعاقة العقلية والمضطربين انفعالياً والمصابين بأمراض وعيوب السمع والبصر وذوي الإعاقات بشرط ألا تكون تلك الإعاقة هي سبب الصعوبة لديه.
صعوبات التعلم علم خاص و واسع جداً يُدرس في الجامعات /كليات التربية لكن على كل معلم الإلمام بشيء من هذا العلم، و معرفة نبذة عن كل صعوبة أو الاستعانة بالمرشدين الاجتماعيين في المدرسة لتقييم الحالات التي لايمكن للمعلم معرفتها أو الإحاطة بها ، و ربما يتضح أن الأمر بسيط جداً لا يحتاج سوى بعض الإرشادات الخاصة للمعلم والأهل لمساعدة الطالب للحاق برفاقه في مستواهم التعليمي وربما صار أفضل منهم.
4 – فن التعامل مع أنماط الشخصيات المختلفة :
تم تصنيف الشخصيات في علم النفس والبرمجة اللغوية العصبية إلى تصنيفات متعددة حسب مقاييس مختلفة ، مثل الأنظمة التمثيلية التي تتبع طريقة استقبال الإنسان للمعلومات من خلال حواسه الخمس ،وتصنيف البرامج العليا حسب طريقة معالجة المعلومات التي يستقبلها و تصنيف مايرز-بريغز ( MBTI ) المعتمد عالمياً والذي اعتمد على دراسات استمرت لمدة نصف قرن تقريباً من قبل مؤسستي هذا المقياس .
ويمكنك اختيار أي تصنيف ودراسته لمساعدتك في فهم الطلاب أكثر وتفسير ردود أفعالهم وتصرفاتهم و القدرة على التعامل معهم بنفس طريقة تفكيرهم ومعالجتهم للأمور و يتم إعطاء هذه الأنماط إما في دورات فن التواصل مع الآخرين أو ضمن برنامج البرمجة اللغوية العصبية المستوى الأول والثاني منها (الدبلوم والممارس ) .
ومن المهم أن تعرف عن المركز والمحاضر الذي سيقوم بإعطاء الدورة التدريبية ، فهذه نصائح سريعة لاختيار المكان الأفضل للكورس الذي ستحضره والمدرب الأنسب دون أن تشعر أنك في نهاية الأمر لم تحقق الاستفادة المطلوبة :
- اسأل كثيراً عن المدرب والمركز الذي ستحضر فيه و اسأل عدة أشخاص ولا تعتمد رأياً واحداً ، بل انظر للأمر من جميع الجوانب.
- لديك الحق في حضور جلسة من برنامج تدريبي سابق يتم إعطاءه لترى كيف يكون التدريب ، فكل شخص يتناسب مع مدربين بعينهم أو أسلوب ما في التدريب فانتقي مايناسبك لا ما يناسب غيرك.
- لا تقبل بكورسات تعطيك معلومات نظرية فقط ، بل يجب أن يكون فيه الكثير من التمارين العملية لتدعم عملية التدريب .. فقراءة كتاب أوفر من ناحية الوقت والمال من حضور كورس نظري .
- الشهادات أمر مهم ،لكن ليس الأهم ..لا تضع الشهادة ومصدرها في مقدمة أولوياتك فالأهم لك هو الفائدة العملية التي ستأخذها من الكورس حتى لو دون شهادة.
التعليم عالم واسع وطريق طويل لاينتهي ، يسير فيه الطالب في تعلّمه مع المعلم جنباً إلى جنب و لا يمكن أن يتوقف المعلم عن الاستزادة و تعلم ما يفيده ويدعم مهاراته العلمية والعملية ليكون قد أدى مهمته على أكمل وجه..
0 التعليقات:
إرسال تعليق