الحرس الثوري الإيراني هو المؤسسة الأكثر نفوذًا في النظام السياسي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. إلى حد كبير؛ فإن قدرة إيران على فرض نفوذها على الصعيد الدولي أو الحفاظ على الاستقرار الداخلي، تعتمد على وضع هذه المؤسسة العسكرية المتميزة. بطبيعة الحال، يعمل الحرس الثوريُّ بشكل يتشابه إلى حدٍ ما مع الجيوش التقليدية الأخرى، كما أنَّه ليس محصنًا تمامًا من آثار الصراعات السياسية أو التنافس بين المؤسسات.
النظامُ السياسيُّ الإيرانيُّ بالغ التعقيد، ويحتوي بداخله على العديد من المؤسسات القوية التي غالبًا ما تتنافس فيما بينها. لكن ما لا شكّ فيه أن الحرس الثوري هو الأقوى على الإطلاق بين تلك المؤسسات. على الرغم من أن القوة الكبيرة للحرس الثوري تساعده في التفوق على المؤسسات الأخرى والمحافظة على نفوذه، إلا أن ثمَّة مؤشرات على أن المشاكل تخترق صفوفه على كل حال.
التأسيس والتاريخ
تم إنشاء الحرس الثوري بواسطة الروحانيين – رجال الدين – بعد ثورة عام 1979 بهدف حماية النظام الوليد. خلال ثمانينات القرن المنصرم، قاتل الحرس الثوري ضد حركات التمرد المختلفة – وأبرزهم جماعة مجاهدي خلق -، كما تولى دورًا بارزًا في الحرب العراقية الإيرانية. هذه الخبرات ساعدت المؤسسة في أن تصبح مرتكزًا للأمن القومي الإيراني ونواةً لبناء السياسة الخارجية الإيرانية.
يضمّ الحرس الثوريّ حاليًا ما يربو على 125 ألف مقاتل، مستمدًا شرعيته من دعم المؤسسة الروحانية التي يقودها المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، والذي يحظى بسلطة مطلقة في النظام السياسي الإيراني. في الواقع يتم تنصيب جنرالات الحرس الثوري بواسطة خامنئي شخصيًا، كما أنه هو القائد الأعلى للحرس، وليس الحكومة المدنية المتمثلة في الرئاسة ومجلس الوزراء. في إيران يسيطر رجال الدين على المؤسسات السياسية الهامة، مثل مجلس صيانة الدستور، والمجلس الأعلى للقضاء، ومجلس الخبراء. أما مؤسسة الحرس الثوري فهي التي تضمن لهم الإبقاء على نفوذهم وسلطتهم داخل تلك المؤسسات، كما يستمد الحرس الثوري سلطته وقوته منهم، في علاقة متبادلة معقدة.
نتيجة لذلك، اكتسب الحرس الثوري ميزة على غيره من المؤسسات، مثل الجيش الإيراني، والقوات المسلحة التقليدية – وهما مؤسستان منفصلتان في النظام الإيراني -، وأيضًا مختلف المؤسسات الدينية، والسلطة التنفيذية بقيادة الرئيس حسن روحاني، كذلك المؤسسات الأمنية مثل جهاز المخابرات المدنية، وزارة الاستخبارات والأمن الوطني، كلها مؤسسات يتميز عليها الحرس الثوري وربما يمتلك نفوذًا فيها. في العقود الأخيرة تمدد الحرس الثوري ليكتسب نفوذًا – وأحيانًا تحكمًا كاملًا – في تطبيق القانون داخليًا، وفي عمليات استخباراتية خارجية، وفي وضع الإستراتيجيات العسكرية والاقتصادية.
في الواقع قد شكَّل الحرس الثوري لنفسه ظهيرًا اقتصاديًا قويًا. يتقاعد العديد من قادة الحرس الثوري في سن مبكرةً نسبيًا – عادة عند بلوغهم سن الـخمسين عامًا – لينضموا بعد تقاعدهم للنخبة السياسية والاقتصادية الإيرانية. يهيمن القادة السابقون للحرس الثوري على مجالات عدة، منها الصناعات الثقيلة، بما يشمل البناء والتشييد، كما أن المدنيين العاملين في تلك الصناعات هم عناصر تابعون للحرس أيضًا.
يُمول الحرس الثوري نفسه من خلال العديد من القنوات غير القانونية. سيطرته الكاملة على الحدود تُمكنه من القيام بعمليات تهريبيةٍ واسعة النطاق. في هذه العمليات، يقوم الحرس بتهريب بعض السلع الكمالية والمخدرات – خاصة الهيروين الأفغاني -، كما يحصل على رسوم الموانئ ويتلقى الرشاوى. عائدات هذه الأنشطة تضاف إلى ميزانية الحرس الثوري التي تخصصها لهم الحكومة المدنية.
تمامًا مثل الجيوش التقليدية الأخرى، فإن الحرس معرضون للتنافس الداخلي على الأموال والعقارات والعلاقات. مع ذلك فالانضباط المهني يمنعهم حتى الآن من الانجرار إلى اقتتال داخلي. علاوة على ذلك، قام خامنئي ببعض الخطوات لتجنيب الحرس الصراعات، بما في ذلك الحرص على التغيير المستمر للقيادات العليا في مختلف فروع الحرس، ما عدا الحالات التي يتطلب فيها فرعٌ معين معرفةً مؤسسية في تخصص بعينه.
على أي حال، فإن منصب القائد العام ظلّ ثابتًا تقريبًا. في الواقع ثلاثة أشخاص فقط تقلّدوا هذا المنصب مذ أصبح الحرس الثوري المؤسسة الحامية للنظام، اللواء محسن رضايي (1981-1997)، اللواء يحيى رحيم صفوي (1997-2007)، واللواء محمد علي جعفري والذي يترأس المنصب منذ عام 2007 وحتى الآن.
مؤسسة سياسية لا تقهر
ككيان سياسي، أصبح الحرس الثوري أكثر مما أراده المؤسسون الأوائل. يحظر الدستور الإيراني مشاركة الحرس الثوري في الحياة السياسية. الأهم من ذلك، لطالما تجنبت المجموعة ممارسة النشاط السياسي العلنيّ حتى لا تفسر أنشطتهم بشكل يثير القلاقل. لكن نظرًا لنفوذهم في الشؤون السياسية والاقتصادية والأمنية، فإنه ربما لم يكن ثمة مفر من تحولهم إلى كيان سياسي.
قادة الحرس الثوري الإيراني وضباطه لديهم بطبيعة الحال ميول سياسية مختلفة. بعض الأعضاء يدعمون علنًا وبوضوح مواقف سياسيةً بعنيها أو أفرادًا بعينهم. آخرون يفعلون ذلك بشكل أكثر سرية. لكن وبدرجات متفاوتة فإن كل السياسيين لديهم من يدعمهم داخل الحرس الثوري، وإن كان هذا الدعم بعيدًا تمامًا عن الرسمية.
من الناحية النظرية، فإن جميع قادة وضباط الحرس الثوري يدينون بالولاء لخامنئي وللمؤسسة الروحانية. لكن في الواقع، فإن الحرس الثوري لا يدين بالفضل حقًا إلى أي كيان أو فصيل بعينه. تعتبر مؤسسة الحرس الثوري نفسها الوريث الشرعي للثورة والحامي الشرعي للجمهورية الإسلامية. إنها تعتبر نفسها قادرةً على حكم البلاد مستحقةً له. قد يكون لهذا الاعتقاد ما يبرره، باعتبارها المؤسسة الأكثر تنظيمًا وفاعليةً في الدولة. لطالما زود الحرس الثوري القطاعات المدنية والعسكرية بمدراء ذوي خبرة عالية، بعض الأمثلة البارزة تشمل:
- القائد العام السابق محسن رضايي والذي يشغل حاليًا منصب سكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام.
- القائد السابق للقوات الجوية في الحرس الثوري محمد باقر قاليباف، والذي يشغل حاليًا منصب عمدة طهران.
- العميد مصطفى محمد نجار، وزير الداخلية الحالي، والذي من خلاله اكتسب الحرس الثوري نفوذًا أكبر في شؤون الأمن الداخلي.
- اللواء أحمد وحيدي، وزير الدفاع الحالي. منصبه يفيد الحرس الثوري، حتى لو كانت مؤسسة الجيش تحت إشراف وقيادة رئاسة الأركان المشتركة، التي يرأسها اللواء حسن فيروز أبادي.
- الجنرال رستم قاسمي وزير النفط الحالي. كان سابقًا المسؤول عن وحدات الهندسة والبناء في الحرس الثوري. شهد عهد قاسمي هيمنة الحرس الثوري على قطاعي النفط والغاز الطبيعي.
على الرغم من أن هؤلاء القادة والضباط السابقين ينتمون بشكل أساسي إلى مؤسسة الحرس الثوري بشكل عام، إلا أنهم بعد التقاعد يشكلون جماعاتهم الخاصة. كمؤسسة، فإن الحرس الثوري يحاول أن يظهر موقفًا موحدًا حول القضايا السياسية. لكن الأفراد الذين يتركونها وينضمون إلى مؤسسات أخرى بعد تقاعدهم قد يظهرون آراء مختلفة. يشبه الأمر ما يحدث في إسرائيل، أحيانًا نرى أعضاء سابقين في قوات الدفاع الإسرائيلية يتحولون إلى زعماء سياسيين بارزين.
نتيجة لذلك، فإن أية إشارة إلى موقف للحرس الثوري يمثل أغلبيته وليس الحرس بالكامل. كما أن أي إشارة إلى المصالح المؤسسية للحرس تمثل غالبية القادة والضباط. ثمة اختلافات في الرأي بالتأكيد، لكن حتى الآن لم تنتج عن هذه الخلافات انشقاقات جادة داخل الحرس الثوري. في حين أن تماسك المؤسسة قد يتعرض للخطر مستقبلًا، لكن ما يبدو حتى الآن أن الحرس الثوري يحافظ على نفسه بشكل فريد.
0 التعليقات:
إرسال تعليق