حول الكتاب
مسرحية تغوص في التاريخ العربي لتخرج لنا واحدة من أكثر صفحاته شجنًا، الصفحة التي شهدت السقوط الأخير وإطفاء آخر مصابيح الوجود العربي في أوروبا، وذلك حين تعرض المشاهد الأخيرة لغرناطة، آخر المدن الأندلسية التي شهدت أننا كنا هناك ذات يوم.
فمن خلال خمسة عشر مشهدًا ومداخل ثلاث، انطوت جميعها في كنف ثلاثة فصول، يكشف النص خبايا الصراع الأخير، وكيف تحالف الخنوع مع الأطماع في مواجهة البسالة والحمية التي بدت غريبة في هذا العصر، فنرى عبد الله الأحمر، آخر ملوك غرناطة، ومعه كبير وزرائه يوسف بن كماشة، وأبو القاسم بن عبد الملك حاكم غرناطة وكذلك شيخ تجارها، يزينون له الاستسلام الذي لم يكن بعيدًا عن نفسه، منذ أن حالف عدوه لينزع الحكم من عمه على أن يسلم المدينة. ذاك الخنوع الذي وقر في النفس وتمكن منها لم تستطع أمه الحرة عائشة الحرة أن تهزمه، ولا أن تحيي في نفس ابنها الملك مروءة العربي الذي لا يستسلم لعدوه ويفضل الموت على الانسحاب أو الانكسار أمامه.
وفي فسطاط هذه الأم نجد موسى بن أبي الغسان قائد فرسان غرناطة، ذلك المتسلل من زمن الفاتحين الأول، عقبة بن نافع وطارق بن زياد وعبد الرحمن الداخل، وسميه موسى بن نصير، يعمل في عزم وبسالة، ينفخ الروح في نفوس جنده، ويصر على الصمود والمقاومة حتى آخر رمق .. لكن تآمر العدو الذي أدراك أن هذا الفارس لن يُهزم إلا من الداخل الذي كان مستسلمًا مهيأ للخيانة، هذا التآمر أحكم حوله «الحصار» لتضيع المدينة، وتنزوي آخر شموس العرب في الضفة الأخرى للبحر المتوسط.
بعدها يأتي المشهد الأخير، ومن خلال صبية، قد يكونون هم جند الغد، يلتقون بالفارس المغدور، ليشيروا لنا إلى موضع الضوء، عسى أن يخرج من بيننا يومًا من يريد، ويقدر، على حمل مصباحه لإدراك بعض ما فات والحفاظ على البعض الذي بقي.
وبعد إسدال الستار يلحق بالنص بعض الصفحات المرتبطة: مقتطفات مما كتب أ. محمد حسنين هيكل تحت عنوان «نظرة في المرآة»، غوص في شخصية البطل الفارس موسى بن أي الغسان تحت عنوان «عن البطل»، ثم كلمة أخيرة عن النص المسرحي ذاته.
وعن النص كتب المؤلف: كتب هذا النص عام 2001 ظاهره/ قناعه عن آخر أيام العرب في الأندلس، وباطنه/ حال العالم العربي في ذلك الوقت لكن طبعة له في دليل النصوص التابع لهيئة قصور الثقافة صدرت في 2002 فقال من ناقشوه ومنهم المسرحي فكري النقاش: إن النص قناع لما يجري في العراق، ولما صدر عن هيئة الكتاب 2004 قال مناقشوه ومنهم دكتور رفيق الصبان إنه قناع لما يجري الآن من تمزق وتشتت، لكن المقولة الأعظم في حق هذا النص هي ما قاله الدكتور محمد الجزار في 2005: إن هذا النص يعيد الأندلس إلى الحياة.
ومن أجواء النص:
أبو القاسم: (بسخرية) أجدادنا .. وكيف ردهم أجدادنا .. ؟ بسيول كاسحة من المرابطين .. بالعدد والعتاد والمؤن .. أمّا الآن .. فجيوش المغرب بحاجة لجيوش لتحمي ثغورها ومدنها .. وجيش مصر يحمي جيش مصر من جيش مصر! والخلافة لا ترسل إلا فيالق من عويل وسفائن من نُواح، ولا ترفع سوى بنود الشجب والتنديد.
موسى: (يزداد صوته قوة) وما علاقتنا بهذا؟! علينا أن ندافع عن أرضنا ولا ننتظر ما قدَّم الآخرون .. لقد خسرنا حقًّا حين وضعنا أيدينا في أيدي العدو .. قَبَّلْنا أطراف ملابسه .. أكلنا من فُتات طعامه جلسنا على بُسُطِه .. عانقناه خِلْسة .. وبصقنا على وجهه الغائب أمام شعبنا .. من كنا نخدع؟! ولماذا؟!
يوسف: (يتدخل بصوت هادئ) هَوِّن عليك يا موسى .. جيوشهم تفوق جيشنا .. مددهم لا ينقطع .. نحن لا نحارب قشتالة وحدها .. ينتهي مدى البصر ولا تنتهي خيول أعدائنا .. ثم مَنْ .. مَنْ نحن الآن؟ بقايا أمة؟ حفنة من الكهول والأرامل والعجزة؟ نحارب جيشًا جرَّارًا بالكلمات البراقة .. العرب الشرف .. الأرض .. الكرامة .. الحق .. العدل .. كلمات يا موسى .. كلمات .. ما تلك في موازين القوى؟
صدر النص عن دار نشر هيباتيا في 190 صفحة من القطع المتوسط، والجدير بالذكر أن الشاعر والمسرحي المصري صدرت له مسرحيات: "القرار" و "فصول السنة المصرية" وديوان "الحكم للميدان" وله تحت الطبع ديوان "غرب الحب الميت".
0 التعليقات:
إرسال تعليق