انهيار الرأسمالية: أسباب إخفاق اقتصاد السوق المحررة من القيود - أولريششيفر



 حول الكتاب

يقول المؤلف في مقدمة الكتاب: تبلورت فكرة تأليف هذا الكتاب في ربيع العام 2008، أي حينما كانت الأزمة العالمية لا تزال في بداياتها الأولى، فحتى ذلك الحين لم تتعرض البورصات بعد إلى زلزال عالمي الأبعاد، ولم يعصف بأسواق المال انهيار ذو بال، وكان كثير من المتخصصين قد زعموا وقتذاك أننا قد خلفنا وراءنا أوخم العواقب، وأن الصدمات ستكون عما قريب نسيًا منسيًّا، وكان دعاة الرأي المخالف لهذا الزعم عملة نادرة آنذاك، بيد أن المرء الذي أصغى بأُذن واعية ونظر إلى الأمور بعين فاحصة كان يرى في الساحة مراقبين واقتصاديين ومصرفيين آخرين فزعين يحذِّرون من اندلاع كارثة مفجعة.. اندلاع كارثة لن تقتصر على بلد واحد أو إقليم معين، بل ستتخذ أبعادًا عالمية بكل تأكيد.

ويضيف: تطورت الأمور بالصيغة التي تنبَّأ بها هؤلاء المراقبون والاقتصاديون والمصرفيون فعلًا، لا بل تطورت الأمور بنحو أسوأ بكثير، ففي خريف العام 2008 انهارت بعض أسواق المال بنحو لم يعرفه العالم منذ العام 1929.. انهارت بنحو صار حقيقة ملموسة في كل أرجاء المعمورة.

ويبدي المؤلف تشاؤمًا بقوله: إن هذا الانهيار لم يبلغ نهايته بعد، فالاقتصاد العالمي يتحرك باتجاه المنحدر بشكل لولبي، مشرفًا على عتبة انكماش مثير للفزع. إنه يقف على حافة ثاني أكبر أزمة اقتصادية عرفها التاريخ الحديث.

فأزمة النظام الرأسمالي طغت على السطح أولًا في تسعينيات القرن العشرين في الاقتصادات الناشئة. وبلغت هذه الأزمة الذروة في الدول الصناعية في مطلع الألفية الثالثة، وذلك حين انهارت أسهم الشركات المتخصصة في التكنولوجيا الجديدة. ومنذ ربيع العام 2007 أخذت الأزمة المالية تزعزع اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية برمته، وتعاظمت هذه الأزمة في العام 2008 فاتخذت أبعادًا عالمية.

الأزمة.. تحولات اقتصادية وسياسية واجتماعية

إن تحقق هذا السيناريو أو ذاك يتوقف على الكثير من المسائل، وتدور هذه المسائل حول ما إذا كانت أسواق المال ستظل على ما هي عليه حاليًا، وحول مدى التخفيض الذي سيطرأ على الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري، ومدى الضعف الذي سيخيِّم على النشاطات الاقتصادية، وهل ستنجح الدول في التخفيف من شدة الأزمة أم أنها سترتكب أخطاءً شنيعة شبيهة بالأخطاء التي ارتكبتها الدول في الثلاثينيات من القرن المنصرم؟

ظلت الأزمة التي عصفت بالاقتصاد العالمي آنذاك أربعة أعوام من العام 1929 وحتى العام 1933، بيد أن تداعياتها نشرت ظلالها على مدى عقدين من الزمن تقريبًا، فالاقتصاد العالمي لم يتعافَ كليةً إلا بعد مرور نحو عشرين عامًا على اندلاعها.

اندلعت آنذاك تحولات سياسية غاية في الخطورة، وهكذا فإن من حق المرء أن يسأل عما إذا كانت الأزمة الراهنة ستفرز تحولات سياسية مشابهة، فأرجح الظن هو أن آثار الأزمة ستنعكس على السياسيين في أيام الانتخابات العامة، فعندما تتبدد الثقة في الاقتصاد تتبدد أيضًا الثقة بأولئك الذين وقفوا حتى الآن على رأس الدولة، وعلى خلفية التداخل الواسع بين الأحزاب السياسية والطلائع الاقتصادية ستخسر الأحزاب التقليدية نسبة كبيرة جدًا من أصوات الناخبين، وستنشأ على أنقاض الأزمة أحزاب يمينية ويسارية جديدة يقودها مشعوذون يجيدون التلاعب بمشاعر العامة ويتقنون إقناع البسطاء من الناس بأن الطرق للخروج من الأزمة غاية في البساطة مع علمهم بأن كسر طوق الأزمة ليس بالأمر الهين وأنه يتطلب جهودًا شاقة.

إن الساسة الراغبين بجعل اقتصاد السوق أكثر عدالة مطالبون بالتحرك فورًا، ومن يرِدْ تفادي اندلاع ركود طويل المدى فلا مندوحة له عن أن يتخذ فورًا الإجراءات الضرورية لمواجهة بوادر هذا الركود، ومن يرد الحيلولة دون أن يتمرد الخاسرون على النظام ويثوروا بنحو لا يُبقي ولا يذر فليس لديه كثير من الوقت. إن الجميع مطالبون بالتحرك؛ السَّاسة والاقتصاديين وكل المواطنين أيضًا؛ فبصفتهم مستهلكين ومدخرين وأيديَ عاملةً يظل المواطنون جزءًا من الاقتصاد الوطني، فمن خلال تصرفهم المباشر أو من خلال تركهم الآخرين ينفذون ما يطيب لهم يتحمل المواطنون أيضًا قسطًا من روح الجشع وانعدام الشعور بالمسؤولية اللذَيْن سادا قبل اندلاع الأزمة.

إن مستقبل النظام الرأسمالي يتوقف على مدى التغيير الذي سيطرأ على الأخلاقيات السائدة في المجتمع، وعلى إدراك الجميع أن مبدأ المسؤولية الاجتماعية لا يقل أهمية عن مبدأ السوق الحرة، أما إذا تجاهل المجتمع هذه الحقيقة فإن اقتصاد السوق معرَّض للمصير نفسه الذي تعرضت له الاشتراكية؛ الانهيار والاختفاء من الوجود.

الرأسمالية قاب قوسين من الهاوية

يقع الكتاب في اثني عشر فصلًا، هي: الرأسمالية قاب قوسين من الهاوية، ومنظِّرو الرأسمالية الجديدة والطريق إلى اقتصاد السوق المحررة من القيود، وازدهار الرأسمالية والأزمة في فصلها الأول والثاني والثالث، والانهيار الكبير، والمجتمع السقيم، والعالم يعيش حقيقة تحولات مهمة، وبرنامج مضاد للسقوط في الهاوية، والأزمة المالية ستليها أزمة أخرى بكل تأكيد.

ويشـرح المؤلف في كتابـه عبر هذه الفصـول العوامل التي قادت إلى تلك الكارثة الماليـة والاقتصاديـة العالمية.

يبدأ الفصل الأول بقول الاقتصادي الحاصل على جائزة نوبل جوزيف ستيغليتس: لقد علَّمتنا أزمة الكساد الكبير أن السوق غير قادرة على تسوية الأمر، لكن هذه الحقيقة مضى عليها ثمانون عامًا، وفي يوم من الأيام لم يكن هناك بدٌّ من أن تختفي هذه الحقيقة من الذاكرة. ثم يبين ويلات الانهيار الاقتصادي والنتائج التي ترتبت عليه من خلال الإحصائيات الموثقة.

ويرى المؤلف شيفر أننا على أبواب تدهور اقتصادي طويل الأمد- بالطبع هو يتحدّث عن النظام الغربي -، وسنسقط في الهاوية مع سقوط نظامنا المصرفي، وستعصف بالعالم ثانيةً الويلاتُ التي عصفت به في ثلاثينيات القرن العشرين، وسترتفع البطالة إلى المعدلات التي بلغتها إبَّان أزمة الكساد الكبير.

ويقول: إن الحكومات أخفقت في مواجهة الأزمة الراهنة، وأخفق رؤساء المصارف والمؤسسات الصناعية في حل المشكلات التي تواجههم. وظل المواطنون على ما هم عليه من فزع.

كما يرى شيفر أن الاقتصاد الذي عرفناه حتى الآن انهار في خريف العام 2008 بكل تأكيد. ويضيف: إن العالم سيتخذ شكلًا مختلفًا في المستقبل، وسيطفو على السطح نظام عالمي جديد بكل تأكيد. وسيتبلور اقتصاد سوق جديد، وسيكون ذلك الاقتصاد قائمًا على مبادئ العدالة الاجتماعية.. ذلك ما يراود المؤلف، لكنه ليس بالضرورة ما سيكون.

هذا الكتاب يحمل العنوان البراق "انهيار الرأسمالية"، بينما يحمل عنوانه الفرعي تناقضًا مع عنوان الكتاب؛ فيتحدث عن أسباب إخفاق اقتصاد السوق المحررة من القيود، والكتاب يتحدث عن إخفاق جزئي في الرأسمالية لا يمكن أن يؤدي إلى انهيارها ككل، فالسوق المحررة وخاصة في جانبها العالمي متعلقة بظروف تطور تاريخي للرأسمالية يتعلق بمنجزات الاتصالات والمواصلات، وليس على صلة وثيقة ببنية الإنتاج والفائض في النظرية الرأسمالية، وبالتالي فإن الإخفاق سيؤدي بلا شك إلى توجيه ضربة للمشروع الرأسمالي، يمكن أن تكون بالغة الخطورة، ولكن ليس بالطريقة التي تؤدي إلى انهيارها، مع ذلك يقدِّم الكتاب مجموعة مهمة من الفصول التي تتابع عرض فصول الأزمة الكبيرة الحالية، وهي كبيرة نتيجة اتساع التأثير العالمي الذي نتج أساسًا عن المنجزات العالمية، والكتاب بعد أن يستعرض بموضوعية المفاصل التي أدت إلى حدوث الأزمة من أزمات الأسواق الناشئة ومشاكل الاستثمارات الأجنبية فيها وتراجع اقتصاديات التقنية وصولًا إلى أزمة السيولة الرخيصة.. يضع الرأسمالية قاب قوسين أو أدنى من النهاية، ويخلُص إلى ضرورة تفعيل دور الدولة في السيطرة على الرأسمالية وتجديدها من الجذور، يمكن أن يتم ذلك كما يراه المؤلف من خلال السياسات التوجيهية للأسواق التي تتم عادة من خلال الأدوات المالية والنقدية، والأطر القانونية أيضًا، وفي جانب آخر أن تقدم الدولة الضمانات اللازمة للمنافسة العادلة في الأسواق من جانب، وأن ترعى العدالة الاجتماعية في الجانب الآخر، وإذا كانت الفكرة الأولى من أساسيات الرأسمالية التي تحتاج إلى صيانة وإعادة للاعتبار، فإن الجانب الآخر مرتبط أساسًا بحالة الجشع التي أثارتها الأسواق المالية ووعودها المجانية بالثراء التي اندفع وراءها الملايين، وتضخمت على طبقة كاملة من الانتهازيين في إدارات الشركات الكبيرة والمتوسطة لتروج هذه الأحلام في ظل غياب لدور الدولة في ضبط الحكومة، والترشيد، وحماية حقوق المواطنين الذين هم في الأساس أصحاب الأموال التي تُضخ في لعبة متكررة من بناء الاقتصاد الوهمي القائم على أرصدة لا يمكن أن تتحول إلى القطاع الإنتاجي أو الاستهلاكي بصورة حقيقية، لأنها مجرد أرقام مضللة، وحدثت الكارثة مع التوسع الاستهلاكي في أزمة الرهن العقاري القائم على تلك الأوهام المالية، حيث انكشف الغطاء الزائف لعشرات الشركات الكبرى، ودفع بالجميع إلى محاولة فهم الوقائع الغامضة في هذه الحالة، ومنهم الصحفي الاقتصادي الألماني أولريش فيشر، الذي حاول أن يقدم في هذا الكتاب تصوره للأزمة الجارية، وربما لم يقدم جديدًا، ولكن كمّ المعلومات والوقائع التي يضمها الكتاب يقدم للآخرين زوايا جديدة للرؤية.

ولقد ألحَّ المؤلف على الدول أن تستعيد المجالات التي خسرتها.. المجالات التي تخلت عنها عند مطلع التسعينات من القرن الماضي؛ بمعنى أن يظهر بجلاء أن الدولة هي التي ترسم الإطار العام الذي يجوز للاقتصاد أن ينشط في حدوده، وليس العكس، أي ليس أن يحدد الاقتصاد للدولة الإطار العام الذي يجوز لها أن تنشط في داخله.وينتصر بذلك المؤلف لعودة الدولة لتنظيم الاقتصاد وضمان المنافسة والمساواة الاجتماعية، أما الرأسمالية المحررة من الضوابط والقيود فإنها تدمر نفسها بنفسها، فإما أن تنجح الرأسمالية في تجديد نفسها من الجذور، وإما أنها ستنهار وتصبح من مخلفات التاريخ.. هذا بعض ما يخلص له هذا الكتاب.

ويعدُّ اولريش شيفر أستاذًا للاقتصاد في جامعة مونستر في ألمانيا، وقد درس الصحافة في جامعة واشنطن وفي مدرسة هنري نافن للصحافة في هامبورغ، وعمل محررًا اقتصاديًا لدى مجلة شبيغل الألمانية.

رابط التحميل



شاركها في جوجل+

عن غير معرف

0 التعليقات:

إرسال تعليق