تجربتى في سراديب الإخوان - سامح عيد


حول الكتاب

منذ نعومة أظفاره التحق الأستاذ سامح عيد بجماعة الإخوان، وخاض معهم كثيرا من أيام الضراء، وأدى فى صرامة شديدة كل ما طُلب منه أيامها كعضو مخلص عليه أن «يسمع ويطيع»، لكن مع تقدم العمر وتعزز الوعى بدأ يمتلك عقلا نقديا، مكنه من أن يرى حقائق غفل عنها فى غمرة الحماس، وبراءة الطفولة والصبا، بعضها كتمه فى نفسه، وبعضها باح به للمحيطين به، وأخرى تحايل وأخرجها فى كتاب «الإخوان المسلمون الحاضر والمستقبل: أوراق فى النقد الذاتى»، الذى مال فيه إلى التنظير والتلميح والمداراة، وحاول به أن يسمع من بهم صمم، لكن صوته ضاع فى خلاء الجماعة المغرورة، رغم أنه من دافعى الثمن فى زمن ملاحقة الإخوان، إذ اعتقل وسجن مرتين عامى 1988 و1990، غير الاحتجاز مرتين أيضا فى مقر أمن الدولة.
إلا أن سامح يعود ويقول كل شىء فى وضوح وبلا مواربة فى ثنايا كتابه الصادر مؤخرا، بعنوان دال هو: «تجربتى فى سراديب الإخوان»، والذى يقدمه للقارئ قائلا:«بين يديك ورقات قليلة أدعوك لقراءتها ربما تستفيد منها، هى سيرة ذاتية فى تماسها مع جماعة الإخوان» وهى «تجربة إنسانية شخصية أردت أن يحياها المجتمع معى، ويرى الصراع النفسى فى واقع افتراضى حاولنا الانعزال داخله».
ويقسم المؤلف مناهج التربية لدى الإخوان، كما عاشرهم وعاصرهم، إلى ثلاثة، أولها صوفى، ويفسده إجبار الأعضاء عليه، لأنه يتناقض مع طبيعته. والثانى سياسى مرتبط بتطور الأحداث والوقائع، وكان التعامل معه ليس على أنه عمل تطوعى من شاء شارك فيه حسب ظروفه وإمكانياته، ومن لم يشأ فلا لوم عليه، بل كان الإخوان ينظرون إلى العمل السياسى وعلى رأسه الانتخابات على أنه «حرب مقدسة» و«جهاد» يصبح المتخلف عنه، كالمتخلف عن الحرب، وكانوا يذكرون الأعضاء بموقف المتقاعسين فى غزوة تبوك، ليضربوا لهم مثلا على هذا. والثالث عسكرى أو شبه عسكرى، وهو شكل ليس جادا ولا متماسكا، إذ يقول المؤلف هنا: «لم يكن لتربية الإخوان العسكرية أى علاقة نهائيا بدراسة نظرية أو عملية عن السلاح وأنواعه، ولكنى أقصد به أدبيات التنظيم الخاص من البيعة والثقة والطاعة والجندية والانضباط التنظيمى، والكتمان والسرية، بالإضافة إلى التدريبات البدنية، والرحلات المسماة جهادية».
ويفرد سامح فصلين متتابعين لشرح القسم الأخير عن «المعسكرات» و«التنظيم الخاص»، فيسرد حكاياته مع معسكرات الإخوان، التى كانوا ينظمونها إما فى شقق مغلقة ينحشرون فيها بالعشرات ويقيمون أياما يتلقون تدريبات رياضية ودروسا دينية ومهام تنظيمية وتعليمات من يخالفها يقع تحت طائلة «العقاب» باعتباره تعزيرا، فى توظيف غريب لهذا الأمر الذى وضعه الفقهاء فى يد الحكام فأخذه بعض القائمين على معسكرات شباب الإخوان لأنفسهم. ويبين الكاتب بعض عيوب الإخوان فى تجمعاتهم وتكويناتهم الاجتماعية، حيث التكلف والرياء والتبرير، الذى يجعل كلا منهم يتعامل مع غير الإخوانى بوجه، ومع الإخوانى بوجه آخر، فى حياة تنطوى طيلة الوقت على تمثيل ومخاتلة.
أما فيما يتعلق بــ«التنظيم الخاص» فيؤكد المؤلف أن مؤسس الإخوان حسن البنا أشرف بنفسه على تكوينه، إذ يقول: «كان البنا يختار من بين الشُعب من يرى فيه اللياقة البدنية والولاء والحب له، فيخبره بأنه اختاره لمهمة جليلة للدعوة، ويلحقه بالتتنظيم الخاص، ليتم تنشئته بطريقة عسكرية وروحية فى آن»، ويرى أن البنا استلهم هذه الفكرة من الخليفة العباسى المأمون وقت صراعه مع أخيه الأمين، حين بدأ يفقد الثقة فى الأعوان والمحيطين به، فأخذ يستجلب أطفالا وغلمانا من البلاد المفتوحة ويجمعهم فى معسكرات، يتلقون فيها تدريبات عسكرية صارمة، ودروسا دينية عن أحقية آل البيت فى الخلافة. وهنا يقول سامح عيد: «ربما تأثر البنا بهذه الفكرة وتلك التربية فلجأ إلى هذا الأسلوب، ولذلك فإن تنظيم الإخوان من وجهة نظرى هو تنظيم مملوكى بمسحة شيعية»، وهو ما تدل عليه «رسالة التعاليم» لهذا التنظيم، التى تنطوى على أركان البيعة العشرة، وهى الفهم والإخلاص والعمل والجهاد والتضحية والطاعة والثبات والتجرد والأخوة والثقة. لكن بقى هذا جيدا فى حدود التنظير، أما التطبيق العملى فإن التنظيم الخاص، بسريته ودمويته وتزمته ونرجسيته وهواجسه المريضة، تحول إلى السوسة التى ظلت تنخر فى عظم جماعة الإخوان حتى وضعتها على حافة الانتحار فى الوقت الراهن، أو كما يقول المؤلف: «إنها الجماعة التى جعلوها دينا، والقيادة التى صنعوا منها كهنة، تُرمى تحت أقدامهم القرابين، لينالوا الرضا، وتحل عليهم البركة، ويذهب عنهم الشؤم».
ويكشف الكتاب كيف يصنع الإخوان سجنا افتراضيا لأعضاء الجماعة، بزراعة أفكار وهواجس تعزلهم عن المجتمع، ليس عزلة شعورية فحسب، يمتزج فيها الاستعلاء بالوسواس القهرى والمازوخية الاجتماعية، بل عزلة مادية من خلال حرص الجماعة على بناء كيان اقتصادى واجتماعى يسعى إلى الاكتفاء والاستغناء، ليرتبط الإخوانى معه بميثاق غليظ، لا يقوم على البيعة والولاء فقط، لكن وفق نمط من المصالح والمنافع الذى يوزعها قادة التنظيم على أعضائه.
ويسرد سامح عيد فى ختام كتابه تجربته مع حزب الوسط، الذى انضم إليه بعد استقالته من جماعة الإخوان، فلم يجد فى رحابه شيئا مختلفا، بل شعر أنه أشبه بفناء خلفى للإخوان، فى كثير من التفكير والتدبير وإدارة الشؤون الداخلية على غير الديمقراطية والعدالة، فتركه إلى غير رجعة، كما سبق أن طلق الإخوان طلاقا بائنا.

رابط التحميل

شاركها في جوجل+

عن غير معرف

2 التعليقات: