الدين والهوية: إشكالات الحوار والصدام والسلطة - السيد ولد أباه


حول الكتاب

هل الهوية حجر؟ وما هي علاقتها بالدين والسياسة، وصراعات الآيديولوجيا، وقضايا العولمة والحداثة، في عالم تتنامى فيه بقوة وعنف النزعات العرقية؟
في كتابه «الدين والهوية - إشكالات الصدام والحوار والسلطة» الصادر حديثا عن «دار جداول» للنشر ببيروت، يناقش الكاتب الموريتاني السيد ولد أباه أقنعة الهوية، سواء في علاقتها الأساسية بالدين، أو في رهاناتها الفكرية المطروحة على طاولات حوار متشعب سياسيا وثقافيا وعقائديا في عدد من بلدان العالم.
في الفصلين الأول والثاني يناقش المؤلف «المسألة الدينية - السياسية» من زاويتين هما: الدولة الدينية والدولة - الدين، وفي ما وراء حجاب العلمانية.. ويرصد الكاتب ثلاثة اتجاهات متمايزة داخل الفكر الإسلامي المعاصر، الأول: يحصر نموذج الدولة في أشكالها التاريخية، أي دولة الخلافة والدولة السلطانية بالاستناد إلى المرجعية الفقهية الوسيطة. والثاني: يسعى إلى أسلمة الدولة الوطنية الحديثة، أي إضفاء الشرعية الدينية على هياكلها المؤسسية البيروقراطية، مع تصويب منظومتها القيمية التشريعية. ويتبنى الاتجاه الثالث الدولة الحديثة ونمط العقلنة السياسية، التي تقوم عليها من منطلق تصورها الإجرائي الأدائي، الذي لا يتناقض جوهريا مع المرجعية الإسلامية، بل يقبل شتى المقاربات القيمية.
ثم يناقش المؤلف في الفصل الثالث «نموذج ولاية الفقيه في إطار الفكر الشيعي المعاصر». ويرصد المؤلف الإشكاليات المهيمنة على الفكر الإيراني في عدة مقومات هي: علاقة الدولة الدينية بالدولة المدنية، ومصدر مشروعية السلطة، وتاريخية المعرفة الدينية والتعددية الدينية، وتحليل اللغة الدينية، لافتا إلى أنه إذا كانت الاتجاهات التحديثية في الساحة العربية غالبا ما تتشكل خارج الهم الديني وسياقه الفكري، إلا أن الصورة مغايرة في إيران، حيث عادة ما يتبلور أكثر الخطابات تحديثا ضمن السياق الديني.
ويستعرض المؤلف المنحنيات والتعرجات التاريخية في الفكر الشيعي واجتهادات عدد من فلاسفته في حقب متفاوتة لإعادة بناء التجربة الدينية، من خلال النهج التأويلي، وتقديم قراءة ليبرالية متفتحة ومتسامحة للنص الديني.
ويرى المؤلف أن الفرق شاسع بين كل هذه التصورات، ويجمل ذلك في منحنيين بارزين، على حد قوله: الأول: طبيعة الدولة ذاتها، هل هي إمامة شرعية، أم أداة تنظيم إجرائية، أم تجسيد لقيم جماعية مشتركة؟ والمنحنى الثاني يتعلق بطبيعة علاقة الدين بالدولة، وهل هي نظامه المؤسسي، الذي لا هوية له خارجه، أم هي نظام بشري تحميه قيم دينية، أم أداة تنظيم اجتماعي له منطقه الداخلي، الذي لا يتعارض مع أي منظور عقدي؟
ويخصص المؤلف الفصل الرابع لمناقشة علاقة «الحداثة والكونية» في إطار إشكالية الخصوصية، ويتعرض لأشكال تمثلاتها ومقارباتها في كتابات صفوة من المفكرين العرب والإسلاميين. وفي سعيه للوقوف على طبيعة هذه العلاقة الملتبسة يطرح المؤلف تصورا مهمّا يتعلق بطبيعة الحداثة نفسها وخلفياتها الفلسفية، وهل هي «مسار كوني بمنظومة قيمية ومضامين ثقافية ذاتية، أم هي ديناميكية أخلاقية برؤى وأنساق حضارية ومجتمعية متباينة»؟ «هل تكون تماشيا مع نموذج مهيمن أثبت نجاعته، أم ببناء نموذج تحديثي أصيل بحسب المحددات الثقافية الخاصة».
في هذا الإطار، ومن خلال الرجوع إلى الكتابات التأسيسية في الفكر الإسلامي المعاصر للمسألة الدينية السياسية يناقش المؤلف مفهوم: دولة العقيدة أم الدولة الأمة، ويعرج على أفكار حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، وأفكار تلميذه عبد القادر عودة، وسيد قطب، وأطروحات يوسف القرضاوي، ومحمد أركون، ومحمد عابد الجابري، وبرنارد لويس، وبرهان غليون، وعبد الله العروي، ورضوان السيد، وغيرهم.
كما يناقش في هذا الإطار الاتجاه النقدي للحداثة الغربية، ممثلا في عدد في كتابات عدد من المفكرين العرب والإسلاميين، من أبرزهم إدوارد سعيد، وعادل حسين، وأنور عبد الملك وجلال آل أحمد، ممن تتقاطع رؤاهم أو تتفق وتختلف مع الاتجاه النقدي للحاثة الغربية وما بعدها. ويشدد المؤلف على كتابات إدوارد سعيد، حيث يرى أن كتابيه خاصة «الاستشراق» و«الثقافة والإمبريالية» اللذين رصد فيهما «اقتران المعرفة بالسلطة بتشكل صورة الآخر في الثقافة الغربية، كاشفا الاستشراق أداة من أدوات اختراق الاستعمار وسيطرته ومظهرا من نظام الهيمنة المعرفية والفكرية والغربية التي يتعين التحرر منها». وفي مقاربة أخرى لهذا السياق يناقش المؤلف أيضا أفكار المفكر المغربي طه عبد الرحمن للدفاع عن الحداثة البديلة وكسر السلطة التأويلية الغربية، وكذلك دفاعه عن حق التنوع والاختلاف الثقافي من داخل المنظومة الفلسفية.
وفي خلاصة هذه المناقشات يطرح المؤلف سؤالا محوريا وهو: إلى أي حد تعبر هذه الأدبيات عن حاجة موضوعية في ثقافتنا وأرضيتنا المجتمعية والفكرية؟ وما هو بالتالي الفرق بين عوامل نشأتها في مهدها الأصلي وظروف بروزها في خطابنا الفكري؟
وفي معرض الإجابة عن هذا السؤال يرصد المؤلف مفارقة يراها تسم تيار ما بعد الحداثة في السياق العربي، وهي: «جمعه بين أصناف شتى متمايزة، بل متناقضة أحيانا، منها يتامى الماركسية المحبطون، واللاهثون وراء الحداثة ذاتها بسعيهم إلى الاندماج في الزمان الحداثي، والتيارات التأصيلية المنشدة لنقد الغرب لدى أقلام غربية، فضلا عن وجوه فكرية أخرى تسعى بالعمل على مقولات ما بعد الحداثة إلى تجديد المشروع النهضوي العربي، ولو على حساب دقة المصطلح ووضوح الرؤية».
ويقارب المؤلف في الفصول الأخرى للكتاب إشكالية الحداثة من عدة زوايا مختلفة، فيناقش التصورات والمفاهيم المتعددة وأوجه تباينها وتناقضها في الخطاب الإسلامي الحديث.. ويخصص المؤلف الفصل الرابع لمناقشة إشكالية الحداثة والكونية، كنزعة عنصرية، برزت كاستراتيجية بعد نهاية الحرب الباردة لمقاومة الخطر الذي يشكله الفضاء الإسلامي كعقيدة ومجال على المنظومة الغربية، كما يكشف المؤلف كيف ساهمت مواقف بابا الفاتيكان «بنديكت» المتشددة تجاه الإسلام في تنامي ظاهرة «الإسلاموفوبيا».
ويختتم المؤلف كتابه القيّم بفصل ضافٍ يستعرض فيه الخلفيات الفكرية والاستراتيجية للحوار الديني، في إطار مبادرات «الحوار بين الديانات» والتي طفت على السطح بقوة بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) بأميركا في عام 2001، وتلتها موجة عداء سافرة للإسلام، قرنته بالإرهاب، ولم تلتفت للفوارق الجوهرية المميزة بين جوهر العقيدة الإسلامية وبين سلوكيات خاطئة محكومة بظروف وملابسات محلية ودولية معينة.

رابط التحميل


شاركها في جوجل+

عن غير معرف

0 التعليقات:

إرسال تعليق