التناذر الإسلاموي وتحولات الرأسمالية - أحمد هني


حول الكتاب

يذهب مؤلف الكتاب، الجزائري أحمد هني، أنه يسعى الإسلامويون المسلحون خصوصاً، إلى ممارسة سيادتهم على باقي العالم. وهم ليسوا الوحيدين الذين يريدون ذلك. فإنَّ شعارات الإيديولوجيا المكانية في الولايات المتحدة مثلاً تذهب من (تفوُّق البيض) إلى (حركة البيض من أجل البقاء). وفي كتاب بعنوان «الجمهورية الآرية الآتية» ‬1989، يقترح مؤلِّف يُدعى «ج.كليركن» إقامة جمهورية أرستقراطية يكون فيها البيض الطبقة المهيمنة. والآخرون-كما في روما- العامَّةُ الخاضعةُ للسخرة. كما انَّ العالم اليوم كله موبوءٌ بالأيدلوجيات المكانية. وان هذا الظهور الجديد ليس مصادفة. وإنَّما هو يصاحب تكاثر الوضعيات الريعية. فالمكانة والريع يسيران جنباً إلى جنب، منذ المجتمع الإقطاعي. والمجتمعات المعاصرة تنشط وتتحرك لكي تغنم الريوع بفضل آليات سيادية. وإذا كان بعضها كالولايات المتحدة يستخدم سيادته النقدية، فهناك بعض آخر يستخدم سيادته على باطن أرضه، ومن بين هذه- كان أوَّل من فعل ذلك سنة ‬1973، هو المجتمعات النفطية المسلمة، التي كانت ترمي حينذاك إلى التأثير في النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، ليس بواسطة القدرة المادية بل بواسطة سيادتها على النفط. وقد قطفت ثمار ذلك بمضاعفة سعر النفط ثلاث مرات، وبتدفق دولارات النفط الذي أثار جنون طموحاتها. وأسهم في تغذية العقيدة الألفوية الإسلاموية. ثمَّ يستعرض الكاتب هنِّي وضع العالم الإسلامي بالنسبة إلى مجمل العالم، فيرى أن هناك مفارقة مدهشة بين وزنه الديموغرافي (‬1,027 مليون من أصل ‬6,255- أي ‬16٪ من سكان العالم، ووزنه الاقتصادي ‬1,230 مليار دولار من أصل ‬32,000 مليار دولار، أي ‬3٪ من الاقتصاد العالمي). وإذا طرحنا النفط لبقي الوزن الديموغرافي على حاله تقريباً. لكن الوزن الاقتصادي يتدنى إلى‬1,5٪ يدل هذا، باستثناء تركيا، على ضآلة أهمية العامل الاقتصادي في الأصقاع الإسلامية- بدون نفط.

ويشدد المؤلف على أن الايديولوجيا الاسلاموية الراهنة؛ المولِّدة لقواعد ضابطة للطقوس والتصرفات، والمطالبة بإعادة توزيع مساواتية. والجاهلة تماماً لقانون الإنتاج المادي، تبدو مستلهمة للممارسات المفترضة في الإمبراطورية الإسلامية الغابرة. وفي الوقت ذاته من الإشكاليات المعاصرة التي تخص المجتمعات الاستهلاكية، بل إنها لا تسعى إلى إيجاد اعتراف بأفراد منتجين بل إلى تشجيع قيام نظام اجتماعي يكون فيه للمسلمين مكانة. حيث إنها تنكر المسلمين كأفراد إذ تصوِّرهم جسماً موحداً، وهي بذلك تغدو شمولية. وهذا التصوُّر للمسلمين على أنهم جسم موحَّد في مواجهة أجسام أخرى، يذكِّرنا بمجتمع للرتب حيث لكل رتبة مكانة.

إن هذا النوع من التفكير ليس محصوراً بالمسلمين، بل إنه تصوُّرٌ بات رائجاً في عالم اليوم. ولا بد من الاعتراف بأنَّه يصاحب المجتمعات الريعية (الإقطاعية بالأمس والرأسمالية الريعية اليوم). إنَّ عبارة صاموئيل هانتنغتن «صدام الحضارات»، تشكل تصوراً يتنافى مع قيم رأسمالية الإنتاج المادي والارتقاء الفردي، على أنَّ هذه الرأسمالية لم تعد موجودة في البلدان الصناعية القديمة. وإنَّ هانتنغتن. أميركي العصر الراهن الغارق في الرأسمالية الريعية، ينتج تصوراً في منتهى الحصافة لكيفية رؤية المجتمعات الريعية في العالم منذ عهد روما. إنَّ الإسلاموية السياسية -هكذا يستنتج المؤلف هنِّي- تمارس رفضاً لسيادة الشأن السياسي. ومتى صارت مسلحة راحت تمارس عنفاً قاتلاً أعمى -على مدنيين مجهولين- بغية إثبات أنَّ الحكم ليس سيِّداً أينما كان. ويبين الكاتب أنه أجل هناك عدد من الأصوليين اليهود والمسيحيين والبراهمانيين والبوذيين. وغيرهم. وجميعهم يحملون أفكاراً عن» الأصول والحيز الجغرافي». ويمارسون أعمال عنف في التنازع على أرض أو لأجل تطهير أرض، لكنهم مع ذلك يندرجون في صيغة الملكية-الثروة. فالصليبيون أو الملكية الاسبانية الكاثوليكية جداً، كانوا قد تملكوا أراضي وكان العنف ذو المصدر الديني آنذاك، لا يزال يمارس في سبيل الاستيلاء على أراض أو الدفاع عنها. وذلك بالتأكيد لأجل توسيع نطاق الإيمان، لكن أيضاً لأجل تملك عوامل جديدة لإنتاج ثروة. أما الأصوليون الإسلامويون فلا يطلبون تملك أراض، بل إنهم يريدون إعادة توزيع نقدي بلا حدود، فهم ليسوا فلاحين بلا أرض يتوقون إلى إصلاح زراعي، ولا عمالاً يشكون من استثمار في مصانع. إنهم يحدِّدون هويتهم تبعاً لنمط جديد للوصول إلى الثروة هو نمط إعادة توزيع الريع.

بعد هذا يرى هنِّي أنَّه إذا سلخنا عن الخطاب الإسلاموي غلافه الديني، لوجدنا فيه تعبيراً إيديولوجياً عن رأسمالية الريع والمكانات. فالإسلامويون يشرعنون هذه الرأسمالية بخطاب ديني إنصافي، طامحين إلى نيل الاعتراف للإسلام بحد ذاته بمكانة. وقد انتقلت عدوى المنطق الكلامي الظلامي لهذا الخطاب حتى إلى العقول المستنيرة، التي لا تستعين في تفسيرها لهذه الظاهرة بطروحات علم الاجتماع أو الاقتصاد الحديثين كمرجع. إنَّ الإسلاموية السياسية ظاهرة اجتماعية معاصرة للتحول الكبير للرأسمالية الصناعية السابقة إلى رأسمالية ريعية، حيث باتت الصراعات على المكانات تحتل مركز الصدارة، وتغدو قاتلة بعض الأحيان.

رابط التحميل

شاركها في جوجل+

عن غير معرف

0 التعليقات:

إرسال تعليق