ما بعد العولمة: قراءة في مستقبل التفاعل الحضاري وموقعنا منه - مصطفى النشار


حول الكتاب

يأتى هذا الكتاب رائدا ليس على الساحة الفكرية والعربية فقط بل ربما على الساحة الفكرية العالمية ايضا حيث يقدم مفكرنا قراءة لمستقبل التفاعل الحضارى مستخدما لأول مرة اصطلاح " ما بعد العولمة تعبيرا عن رؤية تنبؤية بانهيار عصر العولمة وبداية دورة حضارية جديدة يقودها "الشرق".
يتناول القسم الأول ما بعد العولمة: قراءة فى مستقبل التفاعل الحضارى بداية، ماهية العولمة حيث تتجه فى مجملها نحو التاكيد على أن آليات اقتصادية ومعلوماتية وثقافية وسياسية عديدة ساهمت فى اتجاه العالم نحو التزيى بزى موحد أو التشكل بمظاهر متشابهة فى عوالم السياسة والاقتصاد والمعلومات والثقافة. ومظاهر التشابه هذه كلها بالطبع أتية بفعل عوامل تاريخية عديدة تكاد تعود حسب بعض الآراء إلى بدايات العصر الحديث فى أوروبا وتشكل ما عرف بالدول القومية.
ويناقش ثانيا، طبيعة القوة المسيطرة "الولايات المتحدة الأمريكية " فأمريكا كما هو معروف قامت على أكتاف المهاجرين الغزاة من مختلف الجنسيات الأوروبية: إنجليز وألمان وفرنسيين وأيرلنديين وإيطاليين وروس ثم اختلطت هذه الجنسيات بالطبع بأهل البلاد الأصليين من الهنود الحمر الذين حدثت لهم أكبر حركة تطهير عرقى شهده العالم. إن كل هذه الجنسيات من مختلف الأعراق جرى صهرها عبر هيمنة الثقافة الأنجلو أمريكية وفرضها على الجميع. وعقب الفراغ من عملية الصهر أو التطهير تشكلت دولة أمريكا على أساس من إعلان الاستقلال الأمريكى وأصبح جورج واشنطن أول رئيس للجمهورية فيها. ومنذ ذلك التاريخ البعيد والأمريكيون يعتقدون أنهم ابتكروا أعظم بلد وأعظم دولة عرفها التاريخ الإنسانى.
ويلقى الضوء فى ثالثا، على طبيعة القوى الخارجية المنافسة فيشير على أن التحدى الأعظم الذى سيكون بارزا فى حوالى ثلث هذا القرن الحادى والعشرين إنما هو من نصيب أسيا بقيادة الصين وخاصة إذا ما نجحت القوتان الأعظم فى أسيا: الصين واليابان أن يصلا إلى تفاهم مشترك وإزالة أسباب العداء أو انعدام الثقة الذى ولدته من قبل صراعات تاريخية.
أما رابعا، فى إطار القسم الأول، فيبحث فى نقض العولمة "وضرورة الانتقال إلى ما بعد العولمة". فعلى الصعيد الاقتصادى يرى البعض أن الاقتصاد العالمى الحالى "المعولم" ليس شيئا جديدا تماما فقد بدأ تعميم الاقتصاد القائم على التكنولوجيا الصناعية الحديثة فى ستينيات القرن التاسع عشر وأن الاقتصاد العالمى الراهن هو من بعض النواحى أقل انفتاحا وأقل تكاملا مما كان عليه النظام الاقتصادى الذى ساد من 1870 حتى 1914.
ويشير الباحث أن ثمة عوائق عديدة تحول دون تحقق الاقتصاد الكوكبى الكونى: 
1- أن التحكم فى هذا الاقتصاد يمثل إشكالية جوهرية حيث أن الأسواق الكونية المنفصلة عن اطارها الاجتماعى ستكون عصية على الضبط حتى لو افترضنا وجود تعاون فعال بين شتى الهيئات الحكومية المنظمة ووجود تطابق بين مصالحها.
2- ثانى العوائق يتثمل فى تحول الشركات متعددة القوميات إلى شركات عابرة للقوميات يمكنها التلاعب باقتصاديات العالم.
3- العقبة الثالثة أمام العولمة الاقتصادية تتمثل فى الضمور المتزايد للعمال المنظمين من ناحية النفوذ السياسى وقدرة التساوم الاقتصادى.
4- العقبة الأخيرة هى ضرورة بروز تعددية قطبية أساسية فى النظام السياسى العالمى حيث أجهدت الدعوة الى العولمة المجتمع الدولى وقسمته بين مؤيد ومعارض بدلا من أن توحده. ففى الوقت الذى تضغط فيه الولايات المتحدة لجعل الاقتصاد المعولم حسب ما يحقق مصالحها فإن الدول الأخرى- الأوروبية الآسيوية- النامية- فى حيرة من أمرها. فها هى بين شقى الرحى: إن وقعت على اتفاقيات أصبحت اقتصادياتها تابعة بدرجات متفاوتة للاقتصاد الأمريكى، وإن رفضت هذه الاتفاقيات تصبح خارج الدائرة الاقتصادية العالمية وأصبحت مهددة بإعلان الحرب الاقتصادية ضدها من قبل القوة المسيطرة على الاقتصاد العالمى.
وتقوم استراتيجية هذه العولمة سياسيا وعسكريا على مبادئ معينة:
1- إحلال حلف الناتو محل الأمم المتحدة بصفتها مؤسسة مسولة عن إدارة السياسة العالمية وضمان السلام.
2- تكريس التناقضات داخل أوروبا من أجل إخضاعها لمشروع واشنطن.
3- استراتيجية عسكرية تكرس الميزة التى تستفيد منها الولايات المتحدة وهى القذف الجوى دون التعرض للحد الأدنى من الخطر والامتناع عن إنزال قوات برية أمريكية على أن تقوم القوات الأوروبية التابعة والمرؤوسة بهذا الدور عند اللزوم.
4- توظيف قضايا الديموقراطية وحقوق الإنسان والشعوب لمصلحة الخطة الأمريكية كلما أتاحت الظروف استخدامها فى خطاب موجه إلى الرأى العام.
يتساءل الباحث فى القسم الثافى تحت عنوان "قراءات جزئية لمستقبل التفاعلات الحضارية": هل يكون القرن الحادى والعشرون هو "قرن أسيا" والإجابة تاتى على لسانه تقول إن الحقيقة التى لا إستطيع أن يغفلها أحد حين يقرأ أو يحاول أن يقرأ مستقبل أسيا هى أن اليابان ستكون صاحبة الدور الاكبر فى السيادة الآسيوية بالإضافة إلى الصين: فكل الدول الآسيوية الأخر عما سواء المتخلفة أو النامية أو الآخذة فى سبيل التقدم كلها تدور شاءت أم أبت - فى فلك هاتين القوتين الاقتصاديتين الكبيرتين: الصين، واليابان، فهل يمكن قراءة المستقبل بالنسبة لليابان ومدى تقاربها مع الصين، هذا هو السؤال الصعب والصعوبة تكمن فى العلاقة المركبة الغامضة بين أمريكا واليابان. 
فمنذ احتلال الأولى للأخيرة عام 1945 بدأ الأمريكيون محاولة صياغة  اليابانيين عن طريق خطة طموحة ليعاد صناعتهم على الطريقة الأمريكية تلك المحاولة التى يمكن أن نطلق عليها "أمركة اليابان".
يطرح الباحث فى إطار القسم نفسه قضية "الإسلام" وهل يكون هو البديل اليوتوبى للمستقبل؟ والحقيقة أن ثمة كتابات غربية عديدة ترشح "الإسلام " ليكون هو يوتوبيا المستقبل باعتباره ديانة عالمية داعية لكل القيم الإنسانية العليا فضلا عن كونه أكثر الأديان القائمة توازنا فى دعوته إلى المزج بين مطالب الروح ومطالب الجسد، وبين دور الفرد ودور المجتمع، وبين الاقتصاد الحر وتشجيع الاستثمار الخاص وبين التكامل الاجتماعى.
وربما يكون أرنولد توينبى أول فلاسفة التاريخ الغربيين النين تنبأوا بأن المنافس الاكبر للحضارة الغربية حال انهيارها حضارتان أسيويتان هما الحضارة الهندوكية وبوذية الماهايانا، والحضارة الإسلامية.
ويرى الباحث فى ذلك أمرين أولهما أن حقيقة صدام سياسى أو صراع عسكرى مع الغرب لن يكون فى المستقبل القريب وثانيهما أن القلق الغربى من "الإسلام" إنما يأتى من المؤسسات الأمنية والمراكز البحثية الاستراتيجية ومن قبل مفكرين لا يزنون الأمور بميزان العقل والإيمان إنما بميزان الخوف على المصالح الذاتية وانتصارا لدعاوى عنصرية صهيونية فى المقام الأول.
أخيرا، يناقش الباحث قضية الثقافة المصرية وعلاقتها بالثقافتين: العربية والمتوسطية فتبرأ الباحث من مواقف كلا الجانبين: 
الداعين للحوار الحضارى أو الداعين إلى الصراع والصدام موضحا بأنه على حياد تام وأن هذه المواقف بمثابة "وضوح زائف" لأن فكرهم مبنى على رؤى مسبقة كلها تصب فى مصلحة الحضارة الغربية عموما وفى مصلحة الزعامة الأمريكية المفروضة على العالم فرضا تضمنه هيمنتها الوقتية على العالم سياسيا وعسكريا واقتصاديا.

رابط التحميل


شاركها في جوجل+

عن غير معرف

0 التعليقات:

إرسال تعليق