قد يأتي يوم لا نستطيع فيه الاحتفاظ بأسرارنا أو محادثة أنفسنا دون أن تتسرَّب أفكارُنا وحواراتنا الداخلية؛ إذ سيمكن لمن حولنا الإطِّلاع عليها من خلال جهازٍ يجري تطويره، يقرأ الأفكار والخواطر ويحولها إلى أصوات وكلمات مسموعة.
نجح العلماء — بجامعة كاليفورنيا ببيركلي — في التنصُّت على الصوت الداخلي الذي يُحَدِّثُ به الإنسان نفسه، وترجمة ما يدور داخليًّا بالذهن من خواطر وأفكار إلى أصوات مسموعة؛ وذلك في محاولة لمنح هؤلاء المحرومين من القدرة على الكلام فرصةً للتواصل مع العالم الخارجي. وكانت دراسة سابقة لنفس فريق العلماء قد أشارت إلى إمكانية التعرُّف على نشاط الخلايا العصبية في الفص الصدغي للمخ عند سماع أصوات، ومدى استجابة تلك الخلايا إلى خصائص صوتية بعينها مثل تردد ذبذبات الأصوات على سبيل المثال. وانطلاقًا من ذلك بدأ العلماء في تطوير خوارزمية تتعرف على الأفكار الداخلية غير المسموعة بمجرد رصد النشاط الذهني المصاحب لها، تمامًا كما تتعرف على الأصوات المنطوقة من متابعة نشاط الخلايا العصبية المصاحبة لها. وسجل الباحثون النشاط الذهني لسبعة مرضى وهم يقرءون نص خطاب تنصيب كينيدي، أو خطاب جتيزبرج للينكولن، أو أغنية الأطفال «همبتي دمبتي» الشهيرة مرة بصوت مرتفع وأخرى قراءة صامتة؛ وذلك من خلال تركيب أقطاب كهربائية في أدمغة المشتركين أثناء إجراء جراحة لعلاج الصرع لهم. ورصد الباحثون أيَّ الخلايا العصبية تستجيب لخصائص الأصوات أثناء القراءة الأولى، وركَّبوا على أساس ذلك جهازًا لتأويل تلك المعلومات وتحويلها إلى صورة طيفية تمثل تردد الموجات الصوتية بشكل مرئي؛ ومن ثَمَّ يمكن إعادة تركيب الكلمات بشكل منطوق مرة أخرى وفقًا للنشاط الذهني المصاحب للقراءة الصامتة، فالإنسان يقرأ لنفسه بصوت داخلي يسمعه بذهنه هو فقط بينما يكون صامتًا. كما تمكَّن الباحثون من التنبؤ بالأغاني التي يسمعها بعض المتطوعين عن طريق الوقوف على استجابة أيِّ الخلايا العصبية لأيٍّ من خصائص الموسيقى. يأمل العلماء في أن يعمل الجهاز الجاري تطويره كطرف بديل يعوض المصابين بالشلل أو بالغيبوبة عن القدرة على الكلام، ويساعدهم على التواصل مع العالم الخارجي بترجمة أفكارهم إلى كلام مسموع، وإن كان الباحثون يُنبِّهُون إلى أن الأمر مرحلة أولية، وقد يستغرق وقتًا طويلاً لتطوير الخوارزميات والجهاز ليعمل بدقة تسمح بتعميمه وتداوله.
0 التعليقات:
إرسال تعليق