حول الكتاب
تُحقّق " إله الأشياء الصغيرة " أهم ما يُحتاج إليه في فن التخيّل : رؤية العالم وكأننا نراه للمرة الأولى ، وملاحظة واعتبار كل تلك الاشياء الصغيرة ، الصغيرة نعم ، ولكن التي تصنع الحياة من حولنا ، حياتنا .
تكتب روي ببصرية محتشدة خصبة . تأخذ بيدنا وتجعلنا نلمس كل تفصيل ، ونشعر بنتوءاته وانبساطاته . دون رحمة ، حتى الثمالة ، ودون متاجرة أو تصنُّع أيضًا ، بل ببساطة شديدة موجعة .
تبني بنية متشابكة هائلة من التفاصيل المكثّفة الدقيقة ، وبذكاء وحساسية عالية تبرز تفكير وأحاسيس كلّ شخصية من غير أن تطغى واحدة على الأخرى ، تمضي مع كلٍّ منها حتى النهاية ، كلٌّ متكامل .
هناك شيء طفولي فيها ، فلديها المقدرة العالية على الدهشة ، على رؤية العالم كما يراه طفل ، واستعاراتها الدقيقة والمحكمة ، تضحكك رغمًا عنك .
إنها لا تكتب برأفة ، بل بصدقٍ قاسٍ مرهق ، دون مواربة ، بخط مستقيم يوصل إلى الهدف تمامًا ، وينفذ بعيدًا . تجعلك تبكي وتضحك ، تصرخ وتغضب... في جو مشحون تتدلّى الماساة فوقه ، مغلّف بالألم ، الألم الذي يجعلك أحيانًا كثيرة تترك كل شيء ، وتخرج ، تركض وتركض ، ولا تتوقف ، إلى أن تطمئن أنك قد أصبحت على بعدٍ كافٍ تستطيع معه أن تغبّ جرعة من هواءٍ صافٍ ، غير مثقّل بكل ذلك القدر من الوجع...
تسبر أغوار مجتمع خاص ، عزل نفسه برفعة داخل محيطه الأعم ، مجتمع المسيحيين السوريين ، الذين استوطنوا المنطقة بأعداد كبيرة واتخذوا نصيرًا اللغة الإنكليزية والإمبراطورية ، وعُزلوا عن السياق الكبير لحركات الأمة .
وتتعرّض لأوضاع النساء ولنظام الطبقات القاسي في الهند ، وتصف وتحلل بفراسة وفطنة الأوضاع السياسة المعقدة في كيرالا .
بالرغم من أن النهاية تلوح مبكرًا ، إلا أن روي توظّف سردًا مورابًا ، غير مباشر ، بحيث تنبثق الأحداث خارج سياقها الزمني فتستخدم تقنية سينمائية - قفزات زمنية ، شطحات نحو الأمام ، ومن ثم انكفاءات سريعة - لتسرّع وتؤجّل في آن واحد ، الكارثة القادمة. تكتب روي بتدفّق ، بغرازة كلامية ، استطاعت أن تنفذ إلى كل لك الأشياء الصغيرة وتحتويها ، فكان لها صوتها الخاص ، وتوقيعها الخاص .
0 التعليقات:
إرسال تعليق