تحب الفلسفة ولا تستطيع قراءتها؟.. إذًا شاهدها


أغلب الناس بصريون -قاعدة مشهورة عند العاملين بالتحليل النفسي-
إذا كنت واحدًا من هؤلاء الذين لم يستطع الروتين اليومي ودائرة الحياة والعمل، أن يتغلبوا على رغبتهم في السؤال عن كل شيء وفي الاندهاش من إيقاع هذه الحياة، والتفكير في معضلات الأسئلة الكبرى المرتبطة في نهايتها بالحياة اليومية في هذا العالم، فأنت ما زلت تمتلك الحاسة الأهم عند أي مهتم بالفلسفة وهي الاندهاش بالحياة والانشغال بما بعد الموت.
لكن المشكلة التي تواجه معظم غير الأكاديميين ممن يريدون الانخراط والاستمتاع بالنقاش الفلسفي والبحث عن إجابات للأسئلة التي تحيرهم، وتطويرها إلى أسئلة أكبر وأمتع، هي الصعوبة التي يواجهونها عند محاولة قراءة كتب الفلسفة والمصادر الأصلية، بحيث تكون تلك العملية شبه مستحيلة عند بعض الناس.
يحاول هذا التقرير أن يقدم 5 قنوات على موقع يوتيوب وكتابًا صغيرًا موضحًا بالصور الطريفة، يعرضون الفلسفة بشكل يجمع بين البساطة والإمتاع والعمق لغير المتخصصين.
يحرص هذا التقرير أيضًا على اختيار الوسائل المرئية التي يسهل الاستفادة منها من جانب غير المتقنين للغة الإنجليزية، بالتالي فقد تم الانتقاء على أساس أن تكون تلك الوسائل مُعربة، أو مطروحة بصيغة تظهر بها الجمل المنطوقة بشكل مرئي؛ حتى يسهل ترجمتها والاطلاع عليها.

التفلسف عبر سوبر ماريو: قناة “wisecrack”

عبر مقاطع فيديو قصيرة، تقدم قناة “وايسكراك” على اليوتيوب مجموعة شيقة من الأفكار والأسئلة الفلسفية، وتحاول تبسيط أفكار فلسفية تبدو معقدة إذا ما قرأها الشخص من مصادرها الأصلية مباشرة، فالقناة تقدمها بطريقة ألعاب “الفيديو جيم” الكلاسيكية، والتي يعرفها الجميع مثل لعبة “سوبر ماريو”.
تقدم القناة بشكل شبه أسبوعي مقطعًا جديدًا قصيرًا، يحمل أسئلة فلسفية صادمة للمشاهد، عبر تلخيص آراء كبار الفلاسفة الغربيين الذين كابدوا في محاولات الإجابة عليها.
على سبيل المثال في إحدى مقاطع وايسكراك الصغيرة، يُطرح سؤال “ما هي الماركسية؟”، ويحاول المقطع أن يلخص الإجابة بشكل مبسط، يساعد من يريد التعمق بعد ذلك في فهم الأمر، عبر تخيل كارل ماركس شخصية من شخصيات لعبة الفيديو جيم “سوبر ماريو”، ومن ثم يبدأ المقطع المصنوع على طريقة لعبة ماريو الشهيرة في الإجابة على سؤال ما هي الماركسية؟ عبر الرسوم المتحركة.
من أمثلة المقاطع التي صنعتها وايسكراك لمحبي الفلسفة المبتدئين، والتي تعتمد على مواضيع مصاغة على هيئة سؤال فلسفي صادم: مقطع “هل سنستمتع حقًّا بكوننا أحرارًا؟” (اعتمادًا على فلسفة سارتر)، و”ما هي المرأة؟” (اعتمادًا على الفيلسوفة سيمون دي بوفوار وعلى لعبة الفيديو جيم الشهيرة مترويد)، و”هل القطة قطة حقًّا؟” (اعتمادًا على فلسفة جاك دريدا ولعبة الفيديو جيم الشهيرة دوبل دراجون)، “وهل تعمل الكائنات البشرية مثل الحاسوب؟” (اعتمادًا على الفيلسوف الألماني كانت)، و”هل تعطي العقلانية لحياتنا المعنى؟” (اعتمادًا على الفيسلوف الدنماركي كيركيجارد)، و”هل تجعلنا الديانة المسيحية ضعفاء؟ (اعتمادًا على الفيلسوف الألماني نيتشه).
هذا بالإضافة إلى مقاطع مرتبطة بظواهر وثيقة الصلة بحياتنا اليومية، مثل “لماذا نلتقط دائمًا صور سيلفي لأنفسنا؟”، و”هل الرأسمالية سيئة بالنسبة إلينا؟”، و”ما هي الرسائل المخفية في لعبة جي تي إيه “GTA” واسعة الانتشار”؟
وبالنسبة لعائق اللغة الإنجليزية في مشاهدة منتجاتwisecrack ، فمعظم مقاطعهم تحمل بداخلها إمكانية قراءة الكلمات المنطوقة بصيغة مكتوبة باللغة الإنجليزية، ما يعني سهولة الاستعانة بالترجمة، كما أن موقع هافينجتون بوست “النسخة العربية” قد شرع في تقديم تلك المقاطع بصيغة مترجمة، حيث قام بتقديم المقطع الخاص بفلسفة الفيلسوف الوجودي الفرنسي ألبير كامو عن الانتحار، بصيغة مترجمة إلى العربية؛ مما يسهل الاطلاع على تلك المقاطع للعرب غير المجيدين للغة الإنجليزية.

إعادة تحليل تفاصيل الحياة اليومية: “سلافوي جيجك”

“أخطر فيلسوف في الغرب”، هكذا يوصف الفيلسوف السلوفيني الوسيم سلافوي جيجك. الفيلسوف الماركسي الخبير في التحليل النفسي من مواليد مقاطعة ليوليانا في مارس 1949، ورغم كل الانتقادات التي توجه له بسبب آرائه السياسية وغزارة إنتاجه التي يراها البعض مؤثرة بالسلب على جودة ما يقدمه، لكن هناك شبه إجماع أكاديمي على اعتبار جيجك من أفضل شراح الفيلسوفين الكبيرين “هيجل” و”ماركس”، وأنه من أكثر المفكرين الشيوعيين تأثيرًا في الربع قرن الأخير.
يعد جيجك الآن في أوروبا نجمًا من نجوم الفلسفة، واستطاع أن يحصل على ذلك بفضل بساطة أسلوبه ووضوحه وارتباط أفكاره وتحليله بتفاصيل الحياة اليومية للإنسان العادي، فضلًا عن توليفة شخصيته الظاهرة للجمهور كفيلسوف راديكالي كثير الظهور للتعليق على كل الأحداث بما فيها السياسية، وموقفه الإلحادي الصارم ضد الإيمان، ووسامته التي ربطته بالشائعات مع نجمات الجماهير في الغرب.
عبر مزجه السحري الذي وصفه “فريدريك جايمسون” بأنه: “خليط من مناقشات لهيغل وكانط وماركس، ونوادر وتأملات من حقبة حكم ما سمي بالاشتراكية وما بعدها، وملاحظات عن كافكا وستيفن كينغ؛ وإحالات إلى الأوبرا بالأخص فاغنر وموتزارت؛ ونكات جنسية؛ ومداخلات في تاريخ الفلسفة، من سپينوزا وكييركيغارد إلى كريپكه ودينيت؛ وتحليلات لأفلام هتشكوك أو منتجات أخرى تنتمي إلى هوليوود؛ وإشارات إلى أحداث جارية؛ ومطارحات في نقاط غامضة من عقيدة المحلل النفسي لاكان، وسجالات مع منظرين معاصرين متنوعين مثل دريدا ودولوز؛ ومباحث في الفقه المقارَن، وتقارير عن فلسفة المعارف وعن الاكتشافات الجديدة في طب الأعصاب”، استطاع جيجك أن يكون جزءًا أساسيًّا من الوجبة الفكرية التي يريدها محبو الفلسفة، واستطاع أن يصدر عشرات المؤلفات التي ترجم العديد منها إلى اللغة العربية مثل: “مرحبًا في صحراء الواقع” عن دار العين (2011)، و”سنة الأحلام الخطيرة” و”الفلسفة في الحاضر” بالاشتراك مع آلان باديو، عن دار التنوير (2013)، وكتاب “بداية كمأساة وأخرى كمهزلة” عن دار طوى (2015).
ما يهمنا في هذا التقرير من جيجك هو مشاركاته المرئية القصيرة، فمن خلال قناة سلافوي جيجك على اليوتيوب تستطيع الاطلاع على فلسفته وتعليقاته على مختلف شئون الحياة اليومية، بداية من الاستمناء والوقوع في الحب والأفلام الإباحية والمارجوانا والنكات، وصولًا إلى الأيديولوجيا والماركسية والسلعة والرأسمالية.
ولمن لا يجيد اللغة الإنجليزية، فسلافوي جيجك من أكثر الفلاسفة الذين يوجد لهم مقاطع مترجمة إلى العربية على موقع يوتيوب، وباستخدام اسم سلافوي جيجك باللغة العربية على محرك البحث بالموقع ستظهر تلك المقاطع المترجمة.

آر سي سبرول “الفلسفة كحوار طويل لا ينقطع”

الفلسفة هي حوار طويل بدأ منذ آلاف السنين، وأزمة كبيرة يقع فيها محب الفلسفة وما يجعله ينفر منها بعد ذلك، هي أنها كحوار طويل ممتد عبر الزمن، إذا جاء شخص في آخر نقطة في الحوار يريد أن يبدأ منها؛ سيجد نفسه لا يسمع إلا ضجيجًا صاخبًا، وسيشعر بالتيه وصعوبة الفهم حين يحاول الدخول في الحوار الفلسفي المتأخر، لذا فمعرفة تاريخ الفلسفة أمر شديد الأهمية بالنسبة لمحب الفلسفة المبتدئ، حتى تكسر الغربة بيننه وبين النقاشات الفلسفية.
يقدم “آر سي سبرول” محاولته لحكي تاريخ الفلسفة الغربية في مقاطع صغيرة مؤلفة من 38 مقطعًا مرئيًّا، لا تزيد مدة أحدها عن نصف ساعة فقط، وتوجد تلك المقاطع على موقع يوتيوب مضافة إليها الترجمة العربية، لمن لا يمتلك إجادة اللغة الإنجليزية:
سبرول من مواليد فبراير 1939، وهو عالم لاهوت أمريكي، وفي تلك السلسلة التي أعطاها اسم “جددوا تفكيركم”، يحاول أن يعرض بشكل مبسط للجمهور غير الخبير في الفلسفة، تاريخ التفكير الفلسفي الغربي من طاليس وصولًا إلى ما بعد سارتر وهيدجر.

ملتقى تواصل

قناة “ملتقى تواصل” العربية، دُشنت على موقع يوتيوب في عام 2012، ورغم ندرة ما تقدمه القناة مقارنة بالفترة الزمنية الطويلة لها منذ إنشائها، إلا أنها قدمت محاضرات مصورة بتقنيات عالية ناقشت قضايا فلسفية مهمة عبر أكاديميين عرب، مثل الدكتور عبد الله السيد ولد أباه الذي قدم عليها محاضرة بعنوان مدخل إلى الفلسفة السياسية الحديثة، والدكتور أحمد صادق الذي قدم محاضرة عن جوديث باتلر: لغة الذات، ذات المجتمع والبحث عن الدولة الوطنية المفقودة.
بالإضافة إلى أنها تقدم وجبة هامة من الترجمات لمقاطع مختارة قدمها فلاسفة غربيون، مثل مقابلة قديمة مع الفيلسوفة حنا أرنت في برنامج “إلى الذات”، ومسرحية “ماركس في سوهو” لهوارد زين والتي تعد مدخلًا جيدًا للتوغل في فكر وشخصية كارل ماركس، ومحاضرة البروفيسور إدوارد سعيد حول خرافة صدام الحضارات.

مدخل إلى فلسفة الأخلاق مع مايكل سندل

تقدم قناة “شمسنا العربية” على الشبكة العنكبوتية، واحدًا من أشهر المساقات الدراسية في جامعة هارفارد، وهو مساق “العدالة“، في نسخة مترجمة إلى العربية. يناقش المساق قضايا حيوية تشغل حقلي الفلسفة السياسية وفلسفة الأخلاق، في مقاطع مرئية يبلغ عددها 25 مقطعًا، لا تتجاوز مدة أحدها نصف ساعة.
لا يقوم المساق على عرض آراء الفلاسفة فقط، وإنما يدفع المشاهد إلى التفكير في معضلات أخلاقية تواجه حياتنا اليومية، ومن ثم يبدأ في السؤال عن الأسئلة الأخلاقية والسياسية الكبرى في حياتنا، وفي الأخير تنتظم كل تلك الأسئلة والمناقشات داخل السؤال الأكبر والأهم، وهو سؤال العدالة ومعضلاتها وحقيقتها وإمكانية تحققها.
مقدم المساق هو الفيلسوف السياسي الأمريكي الشهير مايكل ساندل، الأستاذ بجامعة هارفارد من مواليد 1953، ويناقش ساندل في هذا المساق بأسلوب ممتع وبسيط معضلات أخلاقية مثل: الجانب الأخلاقي لجريمة القتل، وكيف نقيس المتعة، وحرية الاختيار، ومفهوم المواطن الصالح، ومبدأ الاستحقاق، والزواج المثلي، وتتميز كل تلك المناقشات بأنها لا تقتصر على تقديم المادة الأكاديمية فقط، وإنما تشرك طلاب المساق أنفسهم في محاولات حل الألغاز الصعبة في تفصيلات تلك الأسئلة والمعضلات الفلسفية.
أقدم لك

تحت إشراف الفيلسوف المصري الكبير “إمام عبد الفتاح إمام”، خرجت للنور ترجمات سلسلة “أقدم لك”، وهي إصدارات مترجمة عن كتب أصدرتها دار icon books اللندنية ونقلها إلى العربية المركز القومي المصري للترجمة.
تعني سلسلة “أقدم لك” بتقديم الفلسفة للقارئ المبتدئ، عبر الرسوم التي تساعد على الفهم وتثير الذهن وتعطي للمواضيع الفلسفية أبعادًا فكاهية مختلفة تربطها أكثر بالحياة.
لقت تلك السلسة نجاحًا كبيرًا، نظرًا لأنها لم تقايض بساطة الطرح بسطحية المحتوى، وإنما نجحت في تقديم الموضوعات الفلسفية المختلفة ببساطة وفي نفس الوقت بعمق.
قدمت سلسلة أقدم لك موضوعات فلسفية مختلفة عمل عليها فلاسفة أكاديميون مثل: أقدم لك الفلسفة – أقدم لك الرومانسية – أقدم لك سارتر – أقدم لك أفلاطون – أقدم لك الذهن والمخ – أقدم لك أفلاطون – أقدم لك الشعور – أقدم لك علم العلامات.
تعد سلسلة أقدم لك عبر رسومها التوضيحية؛ خيارًا جيدًا للقارئ المبتدئ الذي يرغب في الاستمتاع بمعرفة تاريخ التفكير الفلسفي، والموضوعات التي أثارها وتناقش حولها الفلاسفة.
هذه كانت خياراتنا من أجل محاولة طرح وسائل تساعد في بناء مقدمة لطريق الاستمتاع بالفلسفة، لكنها ليست نهاية الطريق الذي لا ينتهي بالنسبة لمحب التفلسف، والذي يحافظ على قدراته غير العادية الخاصة بالاندهاش مما يعتبره من حوله طبيعيًّا وروتينيًّا، إنها مجرد بداية لرحلة استمتاع لا تنتهي.

شاركها في جوجل+

عن غير معرف

0 التعليقات:

إرسال تعليق