حول الكتاب
اقترن الفكر السياسي الشيعي، منذ قرون طويلة، بنظرية الإمامة التي تحصر الحق بالخلافة، وقيادة المسلمين في أهل البيت، وترفض الشورى طريقاً لانتخاب الإمام، بسبب اشتراط العصمة والنص والتعيين له من قبل الله تعالى. وقد افترق الشيعة الأمامية إلى فرقتين رئيسيتين هما الإسماعيلية الذين حكموا في شمال أفريقيا لعدة قرون، والاثنا عشرية الذين آمنوا بوجود الإمام الثاني عشر (محمد بن الحسن العسكري)، وغيبته منذ منتصف القرن الثالث الهجري وحتى الآن. ونتيجة لحصر الإمامة في الإمام الثاني عشر المعصوم الغائب وانتظاره، اتسم الفكر الاثنا عشري بالانعزال السياسي والسلبية المطلقة، حتى ولادة نظرية النيابة العامة للفقهاء عن الإمام المهدي وتطورها لاحقاً إلى ولاية الفقيه حيث استطاع الفكر الشيعي، بقيادة الإمام الخميني، بناء “جمهورية إسلامية” في إيران في نهاية القرن الرابع عشر الهجري.
وبالرغم من أن الفكر الشيعي لا يعتبر الفقيه معصوماً، إلا أن الإمام الخميني أعطى للفقيه الحاكم، باعتباره “نائباً عن المعصوم” الولاية المطلقة وكل صلاحيات الإمام والرسول الأعظم واعتبر الولاية شعبة من ولاية الله، وسمح له بتجاوز الدستور وإرادة الأمة. وهذا ما دفع بالباحث لإجراء مراجعة فقهية استدلالية لنظرية ولاية الفقيه التي كان يؤمن بها من قبل، ودراستها من جديد، وقد حصلت لديه بعض التفاصيل الجزئية التي اختلف فيها الباحث مع الإمام من حيث تحديه الصلاحيات والفصل بين السلطات واستناد نظرية ولاية الفقيه على الشورى وإرادة الأمة. وقداسة مراجعته هذه بمقدمة تاريخية تغطي تاريخ المرجعية منذ بداية الغيبة الكبرى، وذلك من خلال دراسة كتب الفقه القديمة وتاريخ العلماء، لمعرفة تنامي العلماء كان يؤمن بنظرية ولاية الفقيه وكيف انعكست على موقفه السياسي، وماذا قام به من أعمال وبصورة عامة ونتيجة لهذه المراجعة التاريخية لقد اكتشف الباحث وجود علاقة وثيقة بين موضوع الإيمان بوجود الإمام المهدي، وبين نظرية الانتظار التي كانت تهيمن على الفكر السياسي الشيعي طوال ألف عام، والتي كانت تحرم أي نشاط سياسي في عصر الغيبة، تلك النظرية المسؤولة عن انهيار الشيعة وانعزالهم عبر التاريخ وخروجهم من مسيرة الحياة وكذلك بين نظرية المرجعية الدينية وولاية الفقيه التي تعطي للمرجع الديني أو الحاكم صلاحيات مطلقة تشابه صلاحيات الإمام المعصوم أو الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم وتقضي على إمكانيات مشاركة الأمة في السلطة وإقامة نظام سياسي معتدل.
وعلى ضوء ذلك كان قد قدم الباحث في هذا الكتاب دراسة عن تطور الفكر السياسي الشيعي، بدءاً من نظرية الشورى التي كان يؤمن بها الشيعة في الجيل الأول، ثم نظرية الإمامة القائمة على العصمة والنص والمعاجز، والتي ولدت في القرن الثاني الهجري، والتحديات التي واجهتها خلال القرنين الثاني والثالث، ووصولها إلى طريق مسدود يوناة الإمام الحسن العسكري دون ولد ظاهر يحتج به الله على الناس. باحثاً في جميع الأدلة التي قدمها ويقدمها المتكلمون والمؤرخون حول ميلاد ووجود الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري، والتي كانت تنقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي: الدليل العقلي الفلسفي. والدليل التاريخي، والدليل الروائي النقلي، ليقوم من ثم بدراسة هذه الأدلة وتقييمها والتأكد من صحتها. دارساً، بعد ذلك، الآثار السلبية التي ألحقتها هذه النظرية بالشيعة الأمامية الاثني عشرية على مدى التاريخ، مسجلاً أيضاً عمليات الخروج الشيعية ان تلك الأزمة المستعصية، ومحاولات الثورة الفقهية والسياسية ضد الفكر السلبي القديم، متوقفاً أخيراً عند المرحلة الأخيرة من تطور الفكر السياسي الشيعي، وهي مرحلة ولاية الفقيه متأملاً في إيجابياتها وسلبياتها، ليقدم في النهاية نظرية الشورى، نظرية أهل البيت والجيل الشيعي الأول.
رابط التحميل
0 التعليقات:
إرسال تعليق