إشكالية التعددية الثقافية فى الفكر السياسى المعاصر - حسام الدين على مجيد



 حول الكتاب

تُعرف التعددية الثقافية، بأنها نظرية وسياسة في التعامل مع التنوع الثقافي، بحيث تستند الى فكرة اقتسام السلطة ما بين الجماعات الثقافية في مجتمع ما، وعلى اساس المساواة والعدالة الثقافتين، والاعتراف رسمياً بكون تلك الجماعات متمايزة ثقافياً، ومن ثم تطبيق ذلك عملياً من خلال سياسات معينة تميل الى مساعدة تلك الجماعات والتعزيز من تمايز كل منها ثقافياً. فالتعددية الثقافية من حيث كونها نظرية سياسية هي بمثابة اعتقاد او ربما فرض يحاول دعاته سبر اغوار جديدة تتناول المرجعية الفكرية للدولة: الامة بالتعديل او التغيير بما ينسجم وطبيعة التنوع الثقافي للمجتمع. 
لأن التعددية الثقافية هي نظرية، وهي من ثم اسلوب في معالجة ظاهرة انبعاث الاقليات الثقافية. فانها ستدفع الى افتراض آخر مفاده: ان عامل التباينات الثقافية هو متغير اساسي في اثارة هذه الهويات، فبقدر ما يدفع مركز الدولة- الامة الى السيطرة على اطرافه، فقد يثير في الوقت نفسه تفاوتات اجتماعية واقتصادية ما بين الاكثرية المهنية والاقليات المتباينة عنها ثقافياً. 
هل من الواجب جعل، كون الدولة واحدة والواقع المجتمعي متنوعاً ثقافياً، انعكاساً لوحدة الدولة ام جعل الدولة انعكاساً للتنوع الثقافي؟. 
الآخذون بالاتجاه الاول يشددون على اهمية تطابق احادية الدولة مع الاحادية الثقافية للمجتمع، وذلك بغية الحفاظ على استمرارية تماسك الدولة والشمول دون تشظيها، بينما دعاة الاتجاه الثاني يؤكدون اهمية تنوع المكونات الثقافية للمجتمع باعتبارها ذات حق جوهري في نيل استقلالها التام. 
وبين هذا الاتجاه وذاك، يحاول اتجاه فكري ثالث صياغة نظرية معاصرة تنتهج نهجاً وسطاً للتوفيق بين كلا الاتجاهين من خلال التركيز على فكرة كون وحدة الدولة لا تقتضي احادية ثقافية المجتمع، وان التنوع الثقافي لا يُفضي عادة الى تشظي الدولة. 
وتُعرف هذه النظرية بتسمية (التعددية الثقافية). وهي عموماً من قبيل نظريات ما بعد الحداثة التي تتميز بتركيزها على اهمية الوعي بالذات الجماعية، من منظور ان ذلك هو ما يميز عالم ما بعد الحداثة حيث الاثنيات والنزعات القومية والقبلية، من عالم الحداثة الذي ساد فيه الاهتمام بوحدة الدولة- الامة ووحدة ثقافتها واقتصادها ومؤسساتها.
ان الهوية الثقافية، تعني شعور افراد جماعة ما بالانتماء الى ثقافة مشتركة.. وما تؤمن به من معتقدات وافكار عن اصولها الاجتماعية وموطنها وموروثها التاريخي وطريقة حياتها وما يؤديه ذلك من دور فعال في ربط اعضاء الجماعة ببعضهم البعض، وعلى النحو الذي يجعلهم متماثلين في نمط حياتهم ومعتقداتهم، وكذلك يجعلهم متباينين عن ذوي الثقافات الاخرى وانماط حياتهم. 
ومن هذا المنظور تقوم اية هوية ثقافية بوظيفتين جوهريتين: فمن جهة هي بمثابة قطب الرحى في اكساب اعضائها حسب الانتماء المشترك، وذلك من خلال توليد الاعتقاد بتماثلهم في الاصول والمعتقدات والموروث الثقافي عموماً، ومن جهة اخرى تعمل الهوية الثقافية بابعاد كل من لا ينتمي اليها واقصائه عن تلك الجماعة، اي انها اداة للتمييز بين المنتمين وغير المنتمين اليها. 
هاتان الوظيفتان يطلق عليهما تسمية (التباينات الثقافية) على اساس ان الهوية الثقافية لا تتولد من ذاتها وانما تتفحص بفعل التباين والتمايز من الآخر الذي يتوطن المكان والزمان عينهما، بحيث تبرز التباينات في شتى مكونات الثقافة، وهي- اللغة، والدين، والاصل القومي، والاثني، والمواطن الجغرافي. ولذلك، فهي تتخذ اشكالاً عدة: لغوية، ودينية، وعرقية، واثنية، وقبلية... اي بمعنى تنصب التباينات الثقافية ما بين الجماعات في كلا الجانبين، الملموس وغير الملموس للهوية الثقافية سواء من حيث اللغة والأصل المشترك والممارسات الموروثة او من حيث معتقدات وتصورات الجماعة عن ذاتها وعن الآخر. 
وفي ضوء ذلك يُعرف مفهوم التعددية بأنه الايمان بوجود العديد من طرق الحياة العقلانية لعيش حياة كريمة. والتعددية هي تنوع قائم على تميز وخصوصية، فهي لا يمكن ان توجد الا بالمقارنة بالوحدة وضمن اطارها، فلا يمكن اطلاق التعددية على التشرذم والقطيعة التي لا جامع لأحادها ولا على الاحادية التي لا اجزاء لها او المقهورة اجزاؤها على التخلي على المميزات والخصوصيات. 
اما مفهوم التعددية الثقافية فهو ذو معان وتعريفات عدة، وذلك بحكم تنوع مجالات التعددية الثقافية، فضلاً على تعدد زوايا النظر اليها، ويمكن توزيع تلك التعريفات على ثلاثة زوايا رئيسية: 
التعريف الاول- القائل ان التعددية الثقافية هي ايديولوجيات. حيث لا تقتضي العدالة الاجتماعية ان يعامل الافراد على انهم متساوون سياسياً وحسب بل التعامل ايضاً مع معتقداتهم الثقافية على انها معتقدات صائبة بصورة متساوية. وان تتم مأسستها في المجال العام. اي ان الهدف من التعددية الثقافية يتمثل بتشكيل مجتمع تكون فيه كافة الجماعات العرقية والأثنية والقومية قادرة على ان تكون جزءاً لا ينقسم عن المجتمع بصورة متساوية دون الحاجة الى قيامها بالتخلي عن خصائصها وهوياتها المتمايزة مما يستوجب ذلك اقتسام النفوذ والسلطة وصناعة القرار على نحو متساو في المجتمع المتعدد الثقافات بدلاً من الاستئثار بالسلطة والقرار من لدن جماعة ثقافية بعينها. 
التعريف الثاني- القائل، ان التعددية الثقافية هي تجربة حياة، اي هي تجربة العيش في مجتمع اقل انعزالية وضيقاً في الافق، واقل تجانساً، واكثر حيوية وتنوعاً. اي تجربة عيش في مجتمع تعددي ومتسامح فكرياً ومتنوع في تكويناته ثقافياً واجتماعياً بحيث يغدو الموقف من شتى الثقافات موقفاً متفتحاً وايجابياً او على الاقل يشتمل على احترام الناس وايلائهم التقدير والاهتمام من خلال الاعتراف بحقوقهم في اختيار طريقة الحياة التي يريدون عيشها. 
التعريف الثالث- يشير الى ان التعددية الثقافية هي سياسة عامة، اي انها سياسة معينة بتلبية احتياجات الجماعات الثقافية على صعيد التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية. 
وعلى اساس ما تقدم... يمكن تعريف التعددية الثقافية بانها نظرية وسياسة في التعامل مع التنوع الثقافي، بحيث تستند الى فكرة اقتسام السلطة ما بين الجماعات الثقافية في مجتمع ما على اساس المساواة والعدالة الثقافتين، والاعتراف رسمياً بكون تلك الجماعات متمايزة ثقافياً، ومن ثم تطبيق ذلك عملياً من خلال سياسات معينة تميل الى مساعدة تلك الجماعات والتعزيز من تمايز كل منها ثقافياً. 
ان التباينات الثقافية بين اعضاء الجماعات الثقافية تباينات اصيلة وتشكل عاملاً جوهرياً في دفع بني الانسان نحو بناء الهوية وانشاء السلطة السياسية، ومن ثم الدولة وربما السبب الرئيسي في فاعلية هذه التباينات، هو كونها وثيقة الصلة بذات الانسان ونمط حياته ومعتقداته الموروثة. فالانسان نادراً ما يتمكن من العيش خارج نطاق المجتمع وجماعته الثقافية، لانه مجبول بالفطرة على العيش بصورة جماعية، وهو كائن اجتماعي يعيش على شكل جماعات شأنه في ذلك شأن معظم المخلوقات الاخرى، ومن تأثير القيم والمبادئ الناجمة عن انتظام حياة الانسان داخل اطار الدولة ومؤسساتها. 
ان ما يؤكد هذا المنظور هو نشأة الدولة- الامة وتطورها. فمنذ اولى مراحل بنائها كانت الدولة- الامة قوة استيعابية قسرية. فالجماعة المهيمنة في المركز لم تكن عموماً متسامحة مع التباينات الثقافية داخل نطاق الدولة. وما يؤكد ذلك ان الاندماج الداخلي وبناء الهوية الموحدة قاما اساساً على فكرة التخلص من الهويات الفرعية في سبيل خلق الولاء للدولة وهو الولاء الذي اتخذ في بداية هذه المراحل صيغة الولاء لشخص الحاكم واسرته، ثم تطور لاحقاً ليتخذ صيغة الولاء للدولة ومؤسساتها. 
ولعل تفسير ذلك يكمن في تخوف المركز ونظره بعين الشك الى التباينات الثقافية وامكانية ان تتحول الهويات الفرعية الى مراكز منافسة لمركز الدولة- الامة وبالتالي اعادة الدولة الى العصور الوسطى. وعلى هذا الاساس اخذت الدولة- الامة بالانتقال الى مرحلة الدولة المتعددة الثقافات. 
جاءت معالجة موضوع الكتاب في بناء موزع على ثلاثة فصول تسبقها توطئة في تحديد المفاهيم الرئيسية لموضوع الكتاب، بحيث بينت في الفصل الاول كيفية نشوء الدولة- الامة وتنوع مكوناتها الثقافية من قبيل التحديات الجدية امام وحدتها السياسية. كذلك تم التركيز فيه على فكرة ان نوعية تعامل هذه الدولة مع الاقليات التي ادت بالدولة على نحو جوهري الى الوقوع في حالة الازمة ليقودنا ذلك الى محاولة العمل على معالجة كيفية تبلور اتجاه التعددية الثقافية فكراً وممارسة ضمن هذه الامة. 
وفي الفصل الثاني اوضحت الدراسة التصورات التي تحملها الاتجاهات الفكرية المعاصرة وبناءها الفكري ازاء التعامل مع التنوع الثقافي بغية معرفة المكان الذي تتمركز فيه نظرية التعددية الثقافية ما بين الاتجاهات المعاصرة في الفكر السياسي بحيث هدف الكتاب من وراء ذلك الى معرفة هل ان التعددية الثقافية محاولة لأصلاح البناء الفكري لليبرالية، ام انها محاولة ترمي الى الحلول محل الليبرالية بذاتها؟ 
اما الفصل الثالث فقد تناول بناء الدولة المتعددة الثقافات، وذلك من حيث اساسه الفكري وكيفية تحقيق الاندماج الداخلي رغم تشجيعه للمكونات الثقافية على الاحتفاظ بخصوصياتها وهوياتها، كذلك معرفة اشكال الحقوق الجماعية وماهية علاقتها بالحقوق الفردية فضلاً على آليات معالجته لأزمة الدولة- الامة.

شاركها في جوجل+

عن غير معرف

0 التعليقات:

إرسال تعليق