حول الكتاب
إن علم الأنتربولوجيا الحديث يمارس عمله كنقد تفكيكي، وعلى صعيد معرفي، لجميع الثقافات البشرية المعروفة. إنه يمارس عمله هذا بعيداً عن التأويلات التاريخانية الإيديولوجية. وقد أثرت الأنتربولوجيا أو أخصبت التفكير الحديث عن طريق بلورة ما أسماه محمد أركون بـ"الممتلكات الأنتربولوجية"، وهي مثلثات من نوع: "العنف والتحريم والحقيقة"، أو "الوحي والتاريخ والحقيقة"، أو "اللغة والتاريخ والفكر". وسيجد القارئ في هذا الكتاب ملاحظات وتنبيهات حول العنف والتحريم (أو التقديس) والحقيقة كما يمكن استخلاص توظيفها الجدلي والاجتماعي والنفساني والديني من سورة التوبة ونصوص عديدة أخرى من الخطابي النبوي. وفي هذا الكتاب يلتمس القارئ طفرة معرفية في تحليل الخطاب الديني عامة. وهذه الطفرة لا تمس العقيدة في محتواها وممارستها، وإنما تحيلها إلى مستوى أوسع ومنظومة معرفية أكثر تفتحاً وأشمل إحاطة بما أضافته الحداثة العلمية من نظريات وشروح وتأويلات واكتشافات ووسائل إحقاق الحق والحقيقة. وهذا التوضيح هو من الأهمية بمكان وذلك كي لا يسارع القراء "المؤمنون" إلى رفض القراءات التي يقترحها محمد أركون للقرآن لأنها خارجة عن إطار ما يسمى بالتفسير الموروث. ويمكن القول بأن هناك من تكفّير هذه القراءات بناءً لا على ما فهمه واجتهد لإدراك مقاصد المؤلف، ولكن على أساس ما غاب عن فكره ومعلوماته إذا كان لم يكتشف بعد تعاليم اللسانيات والسيميائيات والأنتربولوجيا والسوسيولوجيا الدينية والثقافية وعلم النفس التاريخي. ولقد شرع محمد أركون في تطبيق إشكاليات ومناهج اللسانيات والسيميائيات لتحليل الخطاب القرآني منذ أوائل السبعينات من القرن الماضي، ونشر البحث الأول بعنوان "كيف نقرأ القرآن" كمقدمة لترجمة كازيميرسكي للقرآن. وسيجد القارئ في هذا الكتاب الذي نقلب صفحاته ثلاثة فصول مختارة من كتابه "كيف نقرأ القرآن" (قراءة سورة الفاتحة، وقراءة سورة أهل الكهف، واحتجاج المشركين وأهل الكتاب على قضية التنزيل أو: موقف المشركين من ظاهرة الوحي)، مضيفاً فصلاً آخر من المكانة المعرفية والوظيفة المعيارية للوحي. وكان قد شرح في مقدمة كتابه "قراءات في القرآن" ما يجب على القارئ أن يتزود به من تكوين علمي والإحاطة بالأرضية المفهومية الخاصة باللسانيات والسيميائيات الحديثة مع ما يصاحبها من أطر التفكير والنقد الإبستمولوجي، وأن يتدرب القارئ على التمييز بين الاحتجاج، والإدراك، والتأويل، والتفسير الذي يتم في الإدراك المعرفي العقائدي الدوغمائي، وبين التحليل والتفكيك للخطاب الديني مبيناً بأنهما شيئان مختلفان. فتحليل الخطاب الديني أو تفكيكه يتم لا لتقديم معانيه "الصحيحة" وإبطال التفاسير الموروثة، بل لإبراز الصفات اللسانية اللغوية وآلات العرض والاستقلال والإقناع والتبليغ والمقاصد المعنوية الخاصة بما أسماه أركون "الخطاب النبوي".
رابط التحميل
رحم الله هذا الفيلسوف والمفكّر الجزائريّ الحرّ
ردحذفممتاز
ردحذفشكرا لكم