مرايا النار - حيدر حيدر



حول الكتاب

"إن أحداً ما لا يعرف كيف طوي الزمن على ذلك النحو، كيف تم تغيير مجرى النهر باتجاه الصحراء، وكيف ضربت الصاعقة جذع الشجرة وأحرقتها! ما بقي هو الرمال وآثار الحرائق، وهذا الدويّ المتواتر لإيقاع الذاكرة وصليل القطار في هذا الوعر المترامي... ما يتراءى على شاشة الذاكرة في القطارات، عبورها السريع، وطيوف الأشياء المنخطفة أمام البصر. إيقاع رتيب لتلك العربات وهي تهدر فوق السلة. العينان مع الأذنين تشترك في النقاط لون الأشياء، وهدير الصدى. حاسة أخرى بين اللون والصدوى، تنبثق لتبدد الرتابة: الذكرى ذكرى امرأة عبرت في ماضي الأزمنة، ثم امحت. لعل كلمة الامحاء ليست بالكلمة الدقيقة الآن في هنيهة الايحاض. هي ذي الآن، كاللوز البري، تزهر في غابات القلب. المرأة الغريبة في المدينة الغريبة، تلك التي تحلم بالغريب المعرّى من الأسلاك والفخاخ والماضي الموحل، والرجل الباحث في أرشيف الظلمة. عن امرأة الزمان المتسع. إنها هنا، تخفق كطائر الخطاف في سماء بلون البحار وصفائها. المرأة الملعونة، هدية الرجل الملعون في زمن العواصف والاضطراب في الزمن الروائي. تنثق الصدر كما الشهب في سماوات نائية. المرأة التي وثب الآن واحتلت الشاشة، متزوجة منذ أعوام سبعة، أم لطفلة وحيدة.

عندما دخل الرجل الغريب حبت الطفلة على البلاط مقتربة منه، ضاحكة عصفور ملون، هشّ هشاشة زهدة ياسمين. آن رفعها عن الأرض، ثم ضمها وعانقها ثم قذف بها إلى الفضاء مداعباً، شهفت المرأة بحركة تمثيلية: لا أرجوك! من الصعب ترتيب الأحداث بتسلسلها. هي ذي تأتي كدائرة لا تعرف من أية نقطة بدأت. هذه الشهفة ربما اندمجت أو مصادف، فيما بعد، مع الزعر الأول لبداية الناس الذي حدث بينها في ذلك الأصيل الممطر حكاية غريبة يحكيها حيدر حيدر في هذا القطار البطيء المتجه شرقاً عبر سهوب أفريقيا الخضراء، حكاية ملتبسة ومقنعة من الصعب الإفصاح عن مكنونها في الزمن الضاري. فالأمكنة قد لا تكون هي الأمكنة تماماً، كذلك الأزمنة والوقائع. هي قصة حب وموت وغيرة ربما، وربما كانت مرآة مثلة الوجوه تشبه موشوراً متحركاً تتراءى الأشياء عبره كسراب حالة استقراء وذكرى دفينة، غامضة نوعاً ما، واضحة في بعض زواياها مضى كل تناثرها أكثر من عشرين عاماً. 

رابط التحميل

شاركها في جوجل+

عن غير معرف

0 التعليقات:

إرسال تعليق