جرت سنة الله في خلقه أن جعل بعض خلقه لبعض فتنة، فجعل منهم المؤمن والكافر، والغني والفقير، والعاقل والسفيه، فكان ذلك من أعظم الأسباب لاختلافهم، كما قال ربنا عز وجل في كتابه الكريم: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين (118) إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم)، وقد اختلفوا في الأفهام وفي العلم، وكان مما اختلف فيه أهل العلم وذوي الجهل والزيغ: الآيات والأخبار التي يوهم ظاهرها التشبيه. ما بين مفوض ومؤول، وما بين متره ومجسم.
والكتاب الذي بين أيدينا أساس التقديس لإمام أهل السنة في عصره الإمام محمد بن عمر فخر الدين الرازي يعتبر مثالًا ملموسًا، وشاهدًا على هذا الخلاف بين فرق الأمة في عصرها الماضي، والذي لا تزال تعيش نتائجه في عصرها الحاضر، تحت مسميات مختلفة، وإن كان جوهر وأساس الخلاف واحدًا.
وإننا إذ نقدم الكتاب في تحقيق علمي جديد لا نحاول بذلك أن نحيي الخلاف مرة ثانية، وإنما نحاول أن ننبه إلى خطر انتشار الفكر التجسيمي الجامد مرة أخرى في ثوب جديد مدعومًا- كما في السابق- بتلبيساته على العامة من دعوى السير على منهج السلف الصالح، والأخذ بجانب سنة النبي المصطفى، ومدعومًا في الحاضر بأموال البترول أو ما يسمى في اصطلاح المثقفين (البترودولار)، لنشر فكر لن يجر على الأمة إلا الجهل الذي يعيش في عقول أصحابه، والإكتفاء بسرد القصص والرقائق التي لا تلجأ إليه الأمم في حال ضعفها، أو في حال الرغبة في تحذير شعوبها.
والكتاب يعالج مشكلة طالما زلت فيها أقدام، وتناحر بسببها أعلام، وهي ما تعرف بمسألة الصفات الخبرية، أو الآيات والأخبار الموهمة للتشبيه. ولقد برع الإمام الرازي في معالجته للمشكلة مدركًا لموقف السلف، واقفًا بالمرصاد لمن حادوا عنه، مستخدمًا في ذلك وسائله المعرفية وأدلته العقلية في الرد على فرقتي الكرامية والحشوية من الحنابلة، الذين انحرفوا عن منهج أهل السنة والجماعة، بما ذهبوا إليه من التجسيم، والقول بالجهة والحيز.
رابط التحميل
0 التعليقات:
إرسال تعليق