حول الكتاب
استقبل فلاسفة الأخلاق نظرية ديفيد هيوم في القيمة والأخلاق سواء في عهده أو فيما بعد، استقبالاً فيه الكثير من "الجفوة" و "عدم التعاطف" برغم أنه "فيلسوف المشاركة الوجدانية"، فقد تبرموا منه بحجة أنه لم ينصف الدور الذي يقوم به العقل في الأحكام الأخلاقية والقيمية والسلوك الأخلاقي، وأنه قلل، إلى حدٍّ كبير، من أهمية هذا الدور، ويرجع فلاسفة الأخلاق في ذلك إلى عبارة ديفيد هيوم الشائعة والتي يقول فيها "إن العقل وحده لا يمكنه، بحال، أن يؤثر في الأفعال، وأنه عبد "العواطف"، ومن ثم لا يمكنه أن يدّعي لنفسه أية مكانة غير أن يكون خادماً لهذه العواطف ومطيعاً لها، وأنه إذا كان كذلك، فلا جدوى من زعمنا أن الأخلاق يمكن إكتشافها بالإستدلال العقلي وحده".
وليس من شك في أنه لم يوجد في الفلسفة الحديثة، فكرة أسيء فهمها وتقديرها مثل هذه الفكرة التي نسبت إلى "ديفيد هيوم" والتي ينظر إليها على أنها "فضيحة هيوم". وقد يشار إليها، وذلك في بعض الأحيان، بأنها "معضلة هيوم". وقد حاول ماكناب في كتابه عن ديفيد هيوم أن عن هيوم ويكشف عن دور العقل وأهميته في نظريته الأخلاقية والقيمية وكيف وأهميته في نظريته الأخلاقية والقيمية وكيف أن ديفيد هيوم لم يفعل دور العقل. ولعل كتاب "راشيل كيد" عن "العقل والسلوك في رسالة هيوم" يعد أفضل المحاولات الفلسفية التي حاولت إنصاف دور العقل في نظرية ديفيد القيمية والأخلاقية حيث تقدم فيه "راشيل كيد" تحليلاً مسهباً للأدوار المختلفة والمتغيرة للعقل في الرسالة، على أن القراءة المتأنية والمدققة لرسالة هيوم في كليتها، وبدون التوقف عند جزء منها؛ وخاصة ولو كان هذا الجزء هو الأول من الرسالة واعتباره معبراً عن منهجية الرسالة كلها؛ إن هذه القراءة الثانية سوف تنتهي بالباحث إلى تأكيد قصور هذه الفكرة السائدة عن هيوم في كثير من الأوساط الفلسفية وعجزها عن تفسير ما في هذه الرسالة من عدم إتساق، فهي تخفق في تفسير المواقف المتناقضة التي قام بها ديفيد هيوم بتوريط نفسه فيها، ومنها على سبيل المثال، معرفة السبب الذي من أجله فكر ديفيد هيوم، وبوضوح، وجدوا إنطباع للنفس وذلك في الكتاب الأول من الرسالة، فهو يؤكد على أنه "لا يوجد لدينا إنطباع يقابل النفس"، بينما في الكتاب الثاني من الرسالة فإن نظريته في العواطف غير المباشرة، وهي النظرية المعروضة بإسهاب شديد، تقوم على إفتراض أنناء، في الواقع، نعاني ونختبر إنطباعاً للنفس بل إن هذا الإنطباع ليس إنطباعاً مؤقتاً وعابراً، إنما هو إنطباع مصاحب لنا دوماً ولا يفارقنا؛ ولماذا اختار ديفيد هيوم عند دخوله عالم الفلسفة ومجالتها للمرة الأولى أن يقدم مشروعاً عريضاً واسع المدى إلى حد بعيد، وهو المشروع الذي جعله هيوم لا يتضمن فحسب نظرية في المعرفة، وهي نظرية تكفي وحدها لتكون مشروعاً طموحاً وكافياً، وإنما قدم بجانب ذلك نظرية في العواطف ونسقاً في القيمة والأخلاق؟ ومهما يكن من أمر فإن هذا البحث يستهدف محاولة إثبات فكرتين يراهما الباحث على قدر كبير من الأهمية في فهم رسالة ديفيد هيوم، أو بالأحرى، في إعادة فهم هذه الرسالة والفكرتان هما:
1- ضرورة إعادة النظر في الدور الذي يقوم به العقل في نظرية القيمة والأخلاق عند "ديفيد هيوم".
2- أن رسالة "ديفيد هيوم"، برغم ظهورها على النمو الذي يتم به التداول بها او الترتيب الذي يتم به التعامل مع مكوناتها، فإن ديفيد هيوم عند كتابتها، لم يكتبها بنفس الترتيب الذي هي عليه.
ومن ثم فإن القراءة الجديدة التي يقترحها الباحث من خلال دراسته هذه، هي التي تقضي بعدم النظر إلى الأجزاء الخاصة بنظريته الأخلاقية على أنها مجرد تطبيق لنظريته في المعرفة أو الفهم وحسب، وهي النظرية التي تشغل الكتاب أولاً، ومن هنا كان تبرير العنوان الفرعي للبحث بأنه "إعادة الرسالة".
رابط التحميل
0 التعليقات:
إرسال تعليق