حول الكتاب
يعتبر هذا الكتاب من المؤلفات القليلة بل النادرة التي تعالج موضوعاً صعباً، والى ذلك فهو دراسة وضعت بالعربية عن مفكر مازالت تتوالى عنه الدراسات في المعاهد والجامعات الغربية وبتلك اللغات.
(التاريخ والحقيقة) معالجة جديدة تأخذ بالنص الذي وضعه فوكو لتستنتج منه الأبعاد الفكرية والفلسفية التي اعطت الفكر الحديث بعداً جديداً وآفاقاً جديدة. يعالج المؤلف المنهج الذي وضعه فوكو ومن ضمنه يتطرق الى كل ما يترتب عن المنهج من التزامات أثرت في تطور بنية الفكر الغربي الحديث مستخرجاً الحقيقة من قلب التاريخ.
لكن لماذا هذا العمل عن فوكو؟ وما هي مشروعية جدوى البحث في فلسفة أحد أعلام الفكر المعاصر، الذين لم يسلكوا نهج التفلسف المأهول ولم يتطرقوا للموضوعات التي طالما شغلت اهتمام (السلف الفلسفي) منذ سقراط حتى هايدغر؟
أليست الاشكالات التي يطرحها فوكو غريبة عن واقعنا ومشاغلنا، مندرجة في سياق حوار غربي لا موقع لنا فيه ولسنا طرفاً من أطرافه؟ ألا يكون منا الأجدى والأكثر الحاحاً أن نعمل إلى تجديد قراءة تراثنا في ضوء شبكات التأويل المعاصرة او أن نركز اهتمامنا على فلسفات التنوير مستخلصين ما ندفع به نهضتنا ثم أليس الاهتمام بفوكو انسياقاً وراء احدى الموضوعات الباريسية التي يشد بريقها اليوم (المثقف العربي) بعد أن فقد إيمانه بمثله (اليسارية) وتطلعاته (القومية) فوجد في فوكو داعية للاختلاف، ووجد في فلسفته نقدً صارمً للحداثة الغربية (خصمه القوي) ؟
وهكذا حاول المؤلف في هذا الكتاب الوقوف عند محدّدات النظرة الفلسفية لدى فوكو. مبيناً أنها ليست تصوراً بنيوياً سكونياً يرفض التاريخ ويكتفي ـ على طريقة اللسانين ـ بضبط إنتظام الملفوظات ورسم ثوابت البنيات المعرفية ـ ذلك إن إشكالية فوكو تختلف جذرياً عن أبحاث ليفي شتراوس الأنتروبولوجية، كما تتعارض مع تحليلات لاكان النفسانية والسمات (الوضعية) التبشيرية لفلسفة ألتوسير الماركسية، إن غرضها يتمثل ـ على عكس المقاييس البنيوية ـ في إبراز الطابع أو موضوعية العلم ومعيارية الخلف. كما أن فوكو ليس (فيلسوف السلطة) الذي يرادف بين المعرفة والقوة، ويجعل من ادارة الحقيقة إرادة نفي وإقصاء وقناع واكراه وهيمنة، ذلك ان السلطة ليست معياراً يعوض (المثل) و(الجوهر) الميتافيزيقية، ولا هي هيمنة طبقية يخضع لها الصراع الاجتماعي، كما لا تتلخص في التقنية كروح ميتافيزيقية تطبع الحداثة حسب القول الهايدغري.
رابط التحميل
0 التعليقات:
إرسال تعليق