د.جمال حمدان.. فيلسوف الجغرافيا الأول الذي احترق من أجل بلاده !


راهب العلم وواحد من أهم أعلام الجغرافيا في القرن العشرين، ليس هذا فقط بل هو عبقرية وعقلية فذة، أضاء بفكره المستنير ونظرته الثاقبة للأمور دروب أمته، عشق مصر ومن أجلها أفنى عمره كلَّه باحثاً عن ينابيع العبقرية في الشخصية المصرية والعربية بشكل عام.

عن نشأته

وُلد مفكرنا الكبير “جمال حمدان” في محافظة القليوبية عام 1928 في أسرة تنتهي إلى قبيلة (بني حمدان) العربية التي جاءت إلى مصر مع الفتح الإسلامي، وكان والده مدرساً للغة العربية في مدرسة شبرا التي التحق بها ولده جمال فيما بعده.

مسيرته التعليمية

حصل على الشهادة الابتدائية عام 1939، وقد اهتم والده بتحفيظه القرآن الكريم، وكذلك تجويده وتلاوته؛ مما كان له أثر بالغ على شخصيته، وعلى امتلاكه نواصي اللغة العربية، وقد ظهر ذلك جلياً في كتاباته التي تميزت بأسلوب أدبي مبدع.
بعد المرحلة الابتدائية التحق بالمدرسة “التوفيقية الثانوية” وحصل على شهادة الثقافة عام 1943، ثم حصل على التوجيهية الثانوية عام 1944، وكان ترتيبه السادس على القطر المصري، ثم التحق بكلية الآداب قسم الجغرافيا.
تخرج من كليته في عام 1948، وتم تعيينه معيداً بها، ثم أوفدته الجامعة في بعثة إلى بريطانيا سنة 1949، حصل خلالها على الدكتوراه في فلسفة الجغرافيا من “جامعة ريدنج” عام 1953، وكان موضوع رسالته: “سكان وسط الدلتا قديما وحديثاً”.
كتـب ستغيّـر طريقة تفكيــرك تجــاه العالم
أهـم إنجازاتـه
1
انضم إلى هيئة التدريس بقسم الجغرافيا في كلية الآداب جامعة القاهرة، ثم رُقّي أستاذاً مساعداً، وأصدر في فترة تواجده بالجامعة كتبه الثلاثة الأولى؛ وهي: “جغرافيا المدن”، و”المظاهر الجغرافية لمجموعة مدينة الخرطوم” (المدينة المثلثة)، و”دراسات عن العالم العربي”، وقد حصل بهذه الكتب على جائزة الدولة التشجيعية سنة 1959، والتفتت إليه أنظار الحركة الثقافية عامة.
ذلك التفوق أكسبه غيرة بعض زملائه وأساتذته داخل الجامعة، وفي عام 1963 تقدّم باستقالته؛ احتجاجاً على تخطيه في الترقية إلى وظيفة أستاذ. تفرغ بعدها للبحث والتأليف، وكانت فترة التفرغ هذه هي من ولدت لنا الإنجازات العلمية والفكرية النيرة لجمال حمدان.
أدرك بنظره الثاقب كيف أن تفكك الكتلة الشرقية واقع لا محالة، وكان ذلك عام 1968، فإذا الذي تنبأ به يتحقق بعد إحدى وعشرين سنة، وفي عام 1989 تحققت نبوءته تلك، وانتهى الأمر بانهيار أحجار الكتلة الشرقية، وتباعد دولها الأوروبية عن الاتحاد السوفيتي، ثم تفكك وانهيار الاتحاد السوفيتي نفسه عام 1991.
عام 1967 أصدر كتابه “اليهود أنثروبولوجياً”، والذي أثبت فيه أن اليهود المعاصرين الذين يدعون أنهم ينتمون إلى فلسطين ليسوا هم أحفاد اليهود الذين خرجوا من فلسطين قبل الميلاد، وإنما ينتمي هؤلاء إلى إمبراطورية “الخزر التترية” التي قامت بين “بحر قزوين” و”البحر الأسود”، واعتنقت اليهودية في القرن الثامن الميلادي، وهذا ما أكده بعد ذلك “آرثر بونيسلر” مؤلف كتاب “القبيلة الثالثة عشرة” الذي صدر عام 1976.
2
ترك لنا نحو 29 كتاباً و 79 بحثاً ومقالة، يأتي في مقدمتها كتاب “شخصية مصر.. دراسة في عبقرية المكان”، وكان قد أصدر الصياغة الأولى له سنة 1967.
إليك هذه القراءة في موسوعته الشهيرة “شخصية مصر”
 

نظرته لعلم الجغرافيا

لا يرى جمال حمدان في علم الجغرافيا ذلك العلم الوضعي الذي يقف على حدود الموقع والتضاريس، وإنما هو علم يمزج بين تلك العلوم المختلفة؛ فالجغرافيا برأيه هي “تلك التي إذا عرفتها عرفت كل شيء عن نمط الحياة في هذا المكان أو ذاك، جغرافية الحياة التي إن بدأت من أعلى آفاق الفكر الجغرافي في التاريخ والسياسة فإنها لا تستنكف عن أن تنفذ أو تنزل إلى أدق دقائق حياة الناس العادية في الإقليم”.
كانت رؤية جمال حمدان للعلاقة بين الإنسان والطبيعة في المكان والزمان متوازنة، فلا ينحاز إلى طرف على حساب الآخر، ويظهر ذلك واضحاً في كتابه “شخصية مصر”، والذي تبرز فيه نظرته الجغرافية المتوازنة للعلاقة بين الإنسان المصري والطبيعة بصفة عامة والنيل بصفة خاصة، وكيف أفضت هذه العلاقة إلى صياغة الحضارة المصرية على الوجهين: المادي والروحي.

عن أفكاره ونبوءاته المستقبلية

تُلقي الأوراق الخاصة بالمفكر المصري الراحل جمال حمدان الأضواء على آرائه في قضايا مازالت ساخنة حتى اليوم، منها علاقة مصر بإسرائيل والعالم العربي وجماعات الإسلام السياسي، ولكنه بدا متشائماً حتى سجل أن “مستقبل مصر أسود”، وأن الخيار أمام البلاد لم يعد بين السيء والأسوأ، بل بين الأسوأ والأكثر سوءاً.
سجل في كتاباته أن مصر فقدت زعامتها في العالم العربي وليس لها وريث؛ “لأن وراثة مصر كانت أكبر من أي دولة عربية أخرى منافسة”، وكانت النتيجة هي تقسيم وراثة مصر فانتقل الثقل الاقتصادي والسياسي إلى دول أخرى.
يعد جمال حمدان واحداً من ثلة محدودة للغاية من المثقفين الذين نجحوا في حل المعادلة الصعبة المتمثلة في توظيف أبحاثهم ودراساتهم من أجل خدمة قضايا الأمة، حيث خاض من خلال رؤية إستراتيجية واضحة المعالم معركة شرسة لتفنيد الأسس الواهية التي قام عليها المشروع الصهيوني في فلسطين.
توقع سعي الغرب لخلق صراع مزعوم بين الحضارات من أجل حشد أكبر عدد من الحلفاء ضد العالم الإسلامي، حيث أكد أنه “بعد سقوط الشيوعية وزوال الاتحاد السوفيتي، أصبح العالم الإسلامي هو المرشح الجديد كعدو الغرب الجديد‏”.‏
تنبأ بانهيار الولايات المتحدة، حيث كتب في بداية التسعينيات يقول: “‏أصبح من الواضح تماماً أن العالم كله وأمريكا يتبادلان الحقد والكراهيـة علناً، والعالم الذي لا يخفي كرهه لها ينتظر بفارغ الصبر لحظة الشماتة العظمى فيها حين تسقط وتتدحرج، وعندئذ ستتصرف أمريكا ضد العالم كالحيوان الكاسر الجريح‏”‏.
فكر بطريقة نابليون هيل.. ثم أتبع خطته الذكية لتصبح من الأغنياء !

من أبرز أقواله

شرط النجاح في مصر أن تكون اتباعيا لا ابتداعياً.
مصر في النهاية ليست شعباً له حكومة بقدر ما هي حكومة لها شعب.
إذا كان اليهود يقولون: “لا معنى لإسرائيل بدون القدس”، فنحن نقول لهم: “لا معني للعرب بدون فلسطين”.
لقد خرج العرب من الصحراء ودخلوا التاريخ بفضل الإسلام، وما كان لهم هذا ولا ذاك بدون الإسلام. لم يكن الإسلام بالنسبة للعرب مجرد رسالة من السماء فقط، ولكنه أيضاً نجدة من السماء.
كارثة فلسطين إسرائيل هي ببساطة كالآتي: طلبت الصهيونية العالمية دولة لليهود في فلسطين فأسسها لهم العرب. المعنى: قيام إسرائيل وضياع فلسطين هو مسؤولية العرب والعجز العربي والجبن والتفرق العربي، والذي حدد نتيجة الصراع العربي الإسرائيلي هو الصراع العربي – العربي.
لقد تحرر الإنسان المصري أخيراً أو يوشك على التحرر من التخلف، ولكنه لم يتحرر قط أو بعد من الأسر، لقد ظفر بالتنمية نسبياً لكنه لم يظفر بالحرية إطلاقاً، أصبح إنساناً متقدماً نوعاً، لكنه ليس إنساناً حراً حقاً.

وفاته في ظروف غامضة

 
بلادنا قد تخصصت في إهالة التراب على عباقرتها وهم أحياء، وتمجيدهم وهم أموات.. جمال حمدان
في يوم 17 إبريل لعام 1993، وجدت جثته والنصف الأسفل منها محروقاً، واعتقد الجميع أن د. حمدان توفي متأثراً بالحروق، ولكن مفتش الصحة بالجيزة د. يوسف الجندي، أثبت في تقريره أن الفقيد لم يمت مختنقاً بالغاز، كما أن الحروق ليست سبباً في وفاته، لأنها لم تصل لدرجة أحداث الوفاة. كذلك اكتشف المقربون من د.حمدان اختفاء مسودات بعض الكتب التي كان بصدد الانتهاء من تأليفها.
للمزيد عن حياته شاهد
الدكتور جمال حمدان ذلك العبقري الذي حارب بعلمه العبودية، ودعا إلى التحرر واسترداد الكرامة العربية، بالعلم والعقل قبل كل شيء، هو واحد من الشخصيات التي وجب تسليط الضوء على إنجازاته وأفكاره في زمن لم يعد يعتد به لا بالعلم أو العلماء.
شاركها في جوجل+

عن غير معرف

0 التعليقات:

إرسال تعليق