في لقاء مشترك غير مسبوق في يوليو 1991 تحدث آباء الكمبيوتر الحديث عن تصوراتهم لمستقبل الكمبيوتر الشخصي PC.
في كتاب “أن تصبح ستيف جوبز” قام الكاتبان برنت شليندر وريك تيتزلي Brent Schlender and Rick Tetzeli بعرض الكثير من اللقاءات التي قاموا بها في حياتهم المهنية كصحفيين لوصف حياة أحد مؤسسي شركة أبل. وفي السطور القادمة ننقل لكم ما كتباه عن اللقاء الأول من اللقاءين الصحفيين الوحيدين اللذان جمعا ستيف جوبز – الذي كان يدير وقتها شركة نكست NeXT غير الناجحة – وبيل جيتس أحد مؤسسي شركة مايكروسوفت، وقد دار ذلك الحوار في منزل ستيف جوبز في يوليو 1991.
قام الرجلان بمهاجمة بعضهما بصورة متكررة على الملأ، وأحيانا تشعر أن ذلك يسعدهما. ولو طال العمر بجوبز فقد يكون من المرجح أن يستمر ذلك الهجوم لسنوات أخرى. فستيف جوبز يعتبر بيل جيتس غير مثقف وعديم الحس الجمالي ويمتلك القليل من الأفكار الأصلية، وقد كان هذا رأيه في بيل طوال حياته، فقد قال للمؤلفين مرارا أن بيل لا يعرف أي حل غير إلقاء المال والموظفين أمام أي مشكلة، ولذا كانت برامج مايكروسوفت معقدة وسيئة التصميم ومتوسطة المستوى. ومن الملاحظ أن ستيف تجاهل طرق صرفه شخصيا بطريقة مشابهة على نكست، بينما يصف بيل جيتس صراحة أن ستيف جوبز فاشل وخسر الكثير وفقد أهميته بسبب قراراته الغبية، وقد كان بيل مصرًا على عدم أهمية شركة نكست. وفي نهاية التسعينات عندما ناصر جوبز جهود وزارة العدل في قضية احتكار مايكروسوفت، كرر جيتس وصفه لستيف أنه أحد الفاشلين الذين بكوا عندما رأوا شركته تحقق النجاح الذي تستحقه.
عندما التقيا وجهًا لوجه بدأت الازدراءات في الظهور، فقد شن بيل هجوما على جون سكولي بسبب اقتراحه لترخيص نظام تشغيل أبل ليتمكن المصنعون الآخرون من صنع نسخ منه، ووقتها انطلق ستيف في وجه كل من جيتس وسكولي، وقال ستيف “أنا لا أريد صناعة كمبيوتر شخصي تقليدي!”، منتقدا سياسة الشروط القياسية التي أصدرها وتبناها بيل جيتس، ثم أكمل ستيف قائلا: “إن عشرات الملايين من البشر يستخدمون الآن كمبيوترات شخصية أقل كثيرا في المستوى مما يجب أن تكون عليه، وذلك بدون داع”. وأشار إلى رأيه أن سيطرة مايكروسوفت أعاقت الابتكار في تلك الصناعة قائلا: “في عالم MS-DOS يقوم المئات بصناعة أجهزة كمبيوتر شخصية”.
– بيل: “هذا صحيح”.
– ستيف: “ويقوم مئات البشر بتطوير برامج لهذه الكمبيوترات الشخصية”.
– بيل: “هذا صحيح”.
– ستيف: “لكن كل هؤلاء يضطرون العبور من عنق زجاجة ضيقة جدًا تسمى مايكروسوفت حتى يصلوا إلى بعضهم البعض”.
– رد بيل: “هذه الفوهة كبيرة جدا”، ثم أكمل مبتسما وهو يستند إلى ظهر المقعد: “أكرر عليك دائما أنها دائما ما تتسع أكثر، ثم أنها ليست عنق زجاجة من الأساس، لا يجب أصلًا أن نستخدم هذا المصطلح”.
– قال ستيف مبتسما كطفل صغير: “هذا ليس من اختراعي. فهذا المصطلح تم استخدامه من قبل”.
– فتسائل بيل وقد رد الابتسامة لستيف: “ماذا تقصد؟” ثم اعتدل في مقعده وقال محاولا تغيير موضوع النقاش: “أي ما كان!”.
بيل جيتس كان الأكثر اتزانًا والأكثر اتساقا. وكان يمتلك رؤية واضحة عن تاريخ الصناعة بنفس وضوح وثقة إحساسه إلى أين ستتجه مستقبلا. وقال متحدثا عن بصيرته غير الاعتيادية وتوقعاته للمستقبل كأنها شيء بسيط وواضح للجميع: “كتبت في عام 1975 عندما أنشأت الشركة أن هناك توجهين رئيسيين بالنسبة للتقنية المستخدمة في بناء الكمبيوتر، أحدهما هو الشرائح والآخر هو البرمجيات”، ثم أضاف: “وأسلوبي في التعامل في سوق الكمبيوترات الشخصية ظل كما هو منذ البداية. أهداف مايكروسوفت من إنشاء مواصفات قياسية لتلك الأجهزة ظلت نفسها منذ اليوم الأول”. لم يؤكد بيل صراحة اقتراب مايكروسوفت من احتكارها للسوق، بل ناقش بقوة أن عملية وضع مواصفات قياسية بين ويندوز وشرائح إنتل قد أفاد الجميع قائلا: “الآن تصل أحدث تكنولوجيا الشرائح للمستهلك بسرعة وكفاءة عاليتين”.
ستيف عاد مهتما بالحوار عندما بدأ النقاش يدور عما إذا كانت هناك إمكانية لصناعة الكمبيوترات الشخصية أن تصنع لنا جهازًا يشكّل نقلة نوعية مثل ماك، بالطبع كان ذلك هو نوع المنتجات التي يفضلها ستيف ويهتم بالحديث عنها. فقد كان في كل مراحل حياته يريد إنشاء جهاز يقلب تلك الصناعة رأسًا على عقب.
ويشرح ستيف وجهة نظره قائلا: “بصورة عامة يقوم منتجو الكمبيوترات الشخصية باستخدام ما هو موجود ومتاح بالفعل من مكونات ويعيدون تغليفها في شكل آخر أو محاولة جعلها تعمل بسرعة أعلى قليلا، أعتقد أن ذلك بالفعل ذو قيمة أعلى مما كنت أتصور سابقا، لكني أعتقد أيضا أن الهدف الأهم – وهو ما يساعد أكثر على تنشيط الصناعة والحفاظ عليها بصورة صحية – أن تكون تلك التحسينات المتعاقبة مصحوبة بخطوات كبيرة. وأنا أهتم أكثر بهذه القفزات الكبيرة وكيف يمكن تحقيقها”، ثم أضاف: “المواصفات القياسية المستخدمة حاليا تحتاج إعادة نظر من وقت لآخر، فذلك مفيد جدا لتسهيل وجود ابتكارات. فإن نجحت تلك الأفكار الجديدة ستكون مثل كنز ذهبي كبير وتساهم في تطور العالم”.
لم يكن بيل مهووسًا بالأفكار الثورية. فهو يعلم أن النقلة النوعية ستأتي لا محالة، وأن طبيعة مجال التكنولوجيا – بل طبيعة المعرفة الإنسانية ككل – تضمن وجود مكان لظهور تلك المراحل. وخلال الحديث وضح أنه لا ينسى الألم الذي سببته الاضطرابات في السوق على عملائه من الشركات التي تستخدم برنامجه، وقال: “كل ما أريده هو سيارة تسير في الطرق الموجودة الآن، هذا هو أسلوبي في التطوير”.
عدد قليل جدا ممن يكتبون عن مجال الكمبيوتر وتكنولوجيا المعلومات في وسائل الإعلام المشهورة يعرفون حقا كيف بدأت الكمبيوترات الشخصية تتحول إلى تلك الأجهزة الموجودة في المؤسسات، ويأتي ذلك بصورة رئيسية بسبب أنه من السهل على الصحفيين في بداية عقد التسعينات تصور والاهتمام بمستقبل البرامج التعليمية أو إدارة حساباتهم الشخصية أو تنظيم وصفاتهم في مطبخهم الرقمي أو تصوير كيف يصمم معماريون مبتدئون البيوت على حاسبهم الشخصي. فمن لا يهتم بقوة أكبر بين أيدي الناس، عن طريق كمبيوترات تعمل كامتداد للعقل البشري – أو كما سماه ستيف جوبز “دراجة للعقل” – تلك هي قصة مستقبل الكمبيوترات التي كتب فيها الكثير متبنين الرؤية التي يراها ستيف.
لم يكن بيل جيتس متحمّسا لتلك النظرة الرومانسية. فقد رآها مجرد خيال ساذج تجاهل الخدمات الأكبر والأكثر تعقيدًا التي يمكن أن تقدمها الكمبيوترات الشخصية للعاملين في المؤسسات. إن سوق المستهلكين من الممكن بالفعل أن يأتي بأرباح هائلة. بكلمات أبسط: الناس أكثر بكثير من الشركات، فإن أعددت لهم المنتج المناسب يمكنك جني أموال كثيرة. ولكن الكمبيوترات الشخصية في ذلك الوقت لم تكن تمتلك قدرات كافية بسعر منخفض لتثير أغلبية المستهلكين لاقتنائها أو أن تكون محور تغيير حياتهم. لكن على الطرف الآخر، في سوق الشركات والمؤسسات كان الوضع مختلفا. وكان هدف بيل جيتس وما استحوذ على تركيز خطته الاستراتيجية هو الحجم المتوقع من المبيعات، ممثلا في الأجهزة المكتبية في آلاف الشركات الصغيرة والكبيرة. كانت تلك الشركات هي القادرة على دفع كم مناسب من المال مقابل الاتساق والموثوقية التي تقدمها الكمبيوترات المحملة بنظام التشغيل ويندوز. وقد رحبت الشركات بأسلوب التحسينات المرحلية، وهو ما يعني التطويرات والتحسينات الطفيفة على مراحل متتالية. وعرف بيل كيف يقدمها لهم بصورة مناسبة. وافق ستيف على ذلك شفهيا لكن يبدو أنه لم يكن مقتنعا ولم ينفذه في شركته. فهو لا يفكر إلا في فكرة أن قفزة كبيرة ومفهوم جديد تماما للكمبيوتر هو الأفضل للمستخدمين.
ذلك الاختلاف الجوهري في المفهوم بين آباء الكمبيوتر الشخصي ظهر جليا في هذا اللقاء، ما لم يكن واضحا – وما لم يحاول بيل حتى أن يوضحه أو يعلنه – هو كيف كان فهمه لاحتياجات سوق الشركات من الكمبيوتر سيغير صناعة الكمبيوترات نفسها خلال بضع سنوات، وسينحي جانبا كل من قرر التركيز على الجوانب الجمالية في الكمبيوترات الشخصية – مثل ستيف. لم يستطع أي شخص في ذلك الوقت التعرف على خطة بيل في إخراج فكرة “الأفراد” من الحاسبات الشخصية، وللمفارقة، فعل ذلك كان هو ما خلق فراغًا في السوق ليملأه ستيف بعد ذلك.
منقول من موقع ساسة بوست
0 التعليقات:
إرسال تعليق