أصوات - سليمان فياض


حول الكتاب

رواية «أصوات»، التى أصدرتها دار الشروق لتكون من أوائل مطبوعات العام الجديد لها قصة حقيقية، ففى 1958، كان سليمان فياض فى زيارة لصديق بإحدى قرى الدلتا، وعلى ارتياح الزائر لأهل القرية، ورقيهم فى التعامل فيما بينهم، كانت صدمته كبيرة فيهم بسبب الحكاية التى تناقلوها عن الزائرة الأجنبية الآتية للقرية مع زوجها المهاجر منذ زمن، والتى احتجزتها النساء وأجرين لها عملية الختان على طريقتهن، بحجة أنها قد تكون فتنة لرجال الناحية. تلك الحادثة التى فسرها الكاتب بأنها شكل من أشكال الحد، الذى أقامته النساء ثأرا لأنفسهن من التقاليد التى حكمت عليهن بالختان، واقتطاع جزء من حقهن فى الحياة، فقرر أن يتناولها فى رواية، وظلت بداخله إلى أن أرسله يوسف السباعى ضمن أحد الوفود الأدبية المصرية إلى ألمانيا وكان ذلك فى 1970، وهناك، بدأ سليمان فى كتابة روايته، ورغم أنه كان متوجسا من فكرة التعرض إلى شخصية سيدة أجنبية، فإن الكتابة جاءت بيسر، وأنجز الرواية فى ثمانى جلسات. كان يذهب فى العاشرة من صباح كل جمعة إلى أحد الكازينوهات، وتستمر الجلسة إلى الخامسة عصرا، ثم يراجع ما كتبه يوم السبت، ويقضى الأيام الخمسة الباقية من الأسبوع فى تحضير الفصل المقبل، وهكذا حتى انتهت الرواية فى مسودة من مائة صفحة، هى النسخة المكتوبة الوحيدة من «أصوات»، يحتفظ بها «المجاور» إلى اليوم، يقول: «تبدو لى، كلما تصفحتها، وكأنها كتبت فى جلسة واحدة، أو أنها، كما يقولون، ولدت فى طلقة واحدة، فلم يكن بها من تصويبات التعديل، سوى نحو خمس وعشرين كلمة».
اعتمد فياض فى روايته على طريقة الشهادات، فتبدأ الحكاية من عند مأمور القسم الذى يحكى عن برقية جاءته من باريس، أرسلها شخص لا يعرفه، يطلب منه أن يساعده فى البحث عن أهله، أو من بقى منهم على قيد الحياة، حيث هاجر هذا الشخص من قريته «الدراويش» وصار من أغنياء باريس، ورأى أن الوقت حان لزيارة بلده ورؤية الأهل، برفقة زوجته الفرنسية. يهتم المأمور بالأمر، لدرجة أنه لا يكلف أحدا بالبحث عن أهل المهاجر، بل إنه يبحث بنفسه إلى أن يجدهم، ثم يتسلم مهمة الحكى، «محمد بن المنسى»، الذى يخبرنا عما شاهده وهو جالس يلعب «الدومينو» عندما جاء عامل التلغراف، حاملا برقية إلى «أحمد بن مصطفى البحيرى» شقيق الغائب الموشك على العودة، والذى أرسل لأهله مبلغ ألفى جنيه، لبناء منزل يليق بزوجته الباريسية، ولكنهم وجدوا أن المبلغ لن يكفى، فما كان منهم إلا إجراء بعض «التوضيبات» على منزل العائلة، وتجهيز غرفة لإقامة «حامد» وزوجته. وهكذا يجلس كل شخص من الأبطال على كرسى الراوى قليلا فيما عدا الشخصية المحورية، وهى تلك السيدة التى أحال قرب قدومها القرية إلى شىء مختلف، فارتدت السيدات أزهى ما لديهن، وتم التنبيه على الأطفال بعدم التبول فى الشوارع، وخرجت القرية لاستقبالها فى مشهد مهيب، ثم تطغى الغرائز الإنسانية على التقاليد والأعراف، فيشتهيها أخو زوجها، وتشعر امرأته بالأمر بوضوح، فتثار غيرتها، هى وباقى نساء القرية، فينتهزون فرصة أنها أصبحت وحدها بعد أن تركها زوجها بين أهله لزيارة أصدقائه فى القاهرة، ويهمسون لبعضهم البعض، ثم ينتقل الهمس لأذن حماتها، بأن هذه «الخواجاية» كأهلها، لم يتم ختانها، مما يجعلها أكثر سخونة من باقى النساء، ويخشون منها على الرجال، فيستفردن بها، وهى فى حالة بهجة، يكتفنها، ويخلعن عنها ملابسها، وتخرج إحداهن الموسى، وتجزر به الزائد عنها، فيتدفق الدم منها، يجلبن البن لكتم الجرح فلا يجدى، فينهلن عليه بتراب الفرن، فيتخضب بالدماء، ويتحول إلى طين، ترتاع حماتها، وتطرد النساء، وتحاول إفاقتها، ولكن هيهات.. لأنها ماتت.
الطبعة التى أصدرتها دار الشروق ضمت إلى جانب «أصوات» مجموعة من القراءات النقدية التى استقبلت الرواية عبر عدة أعوام أغلبها ركز على فكرة صدام الحضارات، نقرأ هذا فى عناوين هذه المقالات بوضوح، «إشكالية الأنا والآخر.. قراءة دلالية فى رواية أصوات» لمحمد بدوى، «أحلام الغرب» لمحمد كامل الخطيب، «ماذا يحدث للأدب العربى فى الغرب» لريشار جاكمون، «صورة الآخر فى الرواية العربى» لجورج الطرابيشى، بينما اكتفى الدكتور جابر عصفور فى مقاله بعنوان الرواية الذى اعتبره دالا بالشكل الكافى على ما تريد توصيله «أصوات».

شاركها في جوجل+

عن غير معرف

0 التعليقات:

إرسال تعليق