كيف تصبح إنساناً متفتح الذهن ومتقبلاً للرأي الآخر؟


من كتاب كيف تصبح إنساناً للدكتور شريف عرفة
بملاحظة عامة وسريعة لكل ما يحدث في الوطن العربي والعالم، من حروب مشتعلة ودماء تُسفك ورؤوس تُقطع وساحات وأماكن عامة تتفجر.. وحتى على المستوى الأصغر من صراع بين الأفراد والأشخاص أو الشركات، وحتى تلك الصراعات بين الأزواج، يمكننا إرجاعها لسبب رئيسي واحد هو (التصلب الذهني).
تصلب الناس لأفكارها .. ومحاربتهم لنشر هذه الأفكار مهما كانت خاطئة بنظر الآخرين وغبية بالنسبة لهم وغير مناسبة لهذا العصر الذي يعيشونه، وأيضاً محاربتهم الآخرين لفرضها عليهم ولو بالقوة، ولدرجة الموت في سبيلها وقتل الآخرين لأنهم لا يشبهونهم. مهما كانت تلك الفكرة بسيطة، من طعام معين تفضله تريد إقناع الناس بأي وسيلة أنه الأفضل ولو كانت صراصير مسلوقة، إلى عقيدة دينية وسياسية تؤمن بها، كل هذا هو تصلب ذهني لا يتناسب وكونك إنساناً…
يتناول الدكتور شريف عرفة هذه الخاصية في كتابه (كيف تصبح إنساناً) كأول صفة يجب على الإنسان أن يتحلى بها ويعمل على تطويرها وتنميتها في نفسه ليتميز عن باقي المخلوقات ويدل اكتسابه لهذه الصفة على تطوره النفسي والعقلي.
يقول الدكتور في كتابه أن هذه الصفة تعود إلى صديقنا رجل الكهف البدائي الذي كانت حياته مليئة بالأخطار المحدقة من كل صوب، فالجمود الفكري يعني تثبيت أفكاره التي تشكل روايته للعالم وهو ما كان ضرورياً للبقاء على قيد الحياة في ذلك الزمن.
لكن التقدم حصل بسبب أولئك الذين قرروا اجتياز المجهول وخوض المغامرات ودخول مناطق لم يسلكها أحد قبلهم… مثل تجربة إشعال النار.
ولأن الانفتاح الذهني صفة غير غريزية ومكتسبةP فإنه من خلال محاولات الإنسان لاكتساب هذه الصفة يواجه عقبات عقلية بسبب عيوب موجودة في العقل نحتاج للتغلب عليها كأول خطوة للتحول إلى أشخاص منفتحي الذهن، وهذه العقبات هي:
  • ثقافة القطيع

تميل مجتمعاتنا العربية لكونها جماعية وليست فردية، حيث كل شخص يعتبر مسؤولاً عن سلوك المجتمع ككل لا عن حياته الشخصية فقط، وهذا يجعل الإنسان يميل لمسايرة الآخرين وعدم الإفصاح عن آرائه الشخصية.
  • سيطرة المشاعر

تؤثر المشاعر في قدرتنا على اتخاذ القرارات والتفكير السليم، حيث وجد العلماء أن المشاعر السلبية تضيق العقل بينما تزيده المشاعر الإيجابية اتساعاً، وهذا ينطبق على إدراك الحياة بشكل عام، فالمشاعر لها تأثير في طريقة تفكيرنا وقراراتنا، ويمكن ملاحظة هذا من خلال الكثير من المواقف اليومية.
  • النقطة العمياء

لأن العقل لا يرى الصورة كاملة فهو يسعى لملء نقاط الفراغ من نفسه التي قد يجدها في الأمور من حوله، حتى لو أدى هذا لتكوين صورة خاطئة عن الموضوع.
كيف تصبح إنسانا
إذاً .. هل هذا يعني أنه من غير الممكن أن نصبح منفتحي الذهن؟
لا، فقد أورد الكاتب عدة وسائل تساعد على التغلب على هذه العيوب وتجعلنا منفتحي الذهن، وبالتالي أكثر قدرة على التعايش مع الحياة والآخرين.
الأكثر مرونة هو الأكثر نجاحاً… والانفتاح الذهني هو جزء من المرونة.
  • فضيلة الشك

اعتبر علماء النفس الإيجابي أن التفتح الذهني من مكونات الحكمة، وانتشار فكرة بين الناس ليس ضماناً لصحتها، بل إن كثيراً من الأفكار كانت صحيحة ولكنها هوجمت لأن أصحابها اعتقدوا أنها مع الاعتقاد السائد.
حاكمت الكنيسة جاليلو جاليلي حين أعلن أن الأرض هي التي تدور حول الشمس.
الشك هو الضمان الوحيد لمراجعة أفكارنا من حين لآخر، واعترافاً منا بقصورنا الإنساني، يجب أن نتمتع بالشجاعة الفكرية والذهنية، فلا تخشى مراجعة مسلماتك أو التعمق في وجهات النظر الأخرى خوفاً من التأثر بها.
واسأل نفسك أثناء قراءاتك هل تبحث عن الحقيقة؟ أم تقرأ لإثبات وجهات نظرك المسبقة؟
وفي النهاية تذكر أن الشك وسيلة وليست غاية، فتحلَّ بهذه الفضيلة في الوقت المناسب والمكان المناسب.
علامة العقل المتعلم هو قدرته على تداول الفكرة دون أن يتقبلها.
أرسطو
  • تنوع مجالات المعرفة

الثقافة هي أن تتسع مجالات المعرفة لتشمل أموراً متنوعة خارج مجال التخصص، فيكون المرء ملماً بمجاله لكن مطلع باستمرار على محاولات وأفكار أخرى.
إذا كنت تقرأ فقط كتباً جرب أن تقرأ روايات وستجد أنها تساعد في توسيع آفاقك والانفتاح الذهني، لأنك ترى في رواية واحدة وجهات نظر متعددة وأفكاراً مختلفةً جداً، وإذا كنت تقرأ روايات فقط ابدأ بقراءة كتب بسيطة في مجال اهتمامك ثم تعرف على مجالات جديدة، ابدأ بالتعرف على مجالات جديدة في الحياة.
أنت بحاجة إلى قراءة الفلسفة… الشعر… القصص.. في حاجة إلى فتح ذهنك على الشرق والغرب ليحصل على التهوية المطلوبة فلا يتعفن.
مصطفى محمود
  • الخروج من الفقاعة

عدم معرفة الآراء الأخرى هو الوصفة السحرية للجمود والتصلب الفكري ثم التشدد والتطرف، فإذا أردت أن تكون منفتح الذهن اسأل نفسك… ماهي الأسباب الوجيهة التي يستند إليها الطرف الآخر أو أصحاب الرأي المخالف؟
إذا كنت ممن يتابع أخبار القنوات التي تؤيد فقط وتشاهد الأمور من وجهة نظر واحدة، وتتابع الصحف التي تتبنى أفكارك وتصادق من يوافقونك الرأي… فهذا لن يساعدك في الإجابة على السؤال السابق وستكون منغلق الذهن.
باختصار: يجب معرفة وجهة النظر الأخرى قبل أن تزعم أن وجهة نظرك هي الصحيحة.
استمع لتفهم… لا لترد.
ستيفن كوفي
  • استغل تأثير المشاعر

قلنا إن المشاعر الإيجابية أفضل من المشاعر السلبية وتساعد في اتخاذ القرارات… لكن هل هذا يعني ألا نشعر بمشاعر سلبية أبداً؟ لا هذا غير ممكن.
بل الأصح أن نستغل المشاعر الإيجابية للتفكير الإبداعي وحل المشكلات، بينما المشاعر السلبية مفيدة للتفكير المنطقي وتجنب المخاطرة.
استشر أناساً من خارج المشكلة، ستجد أنهم يرون ما لا تراه لأنهم لا يتأثرون بمشاعرهم، بل يحكمون على الأمر من وجهة نظر محايدة… غالباً يمكننا حل مشكلة أي شخص، لكن نقف عاجزين أمام مشاكلنا، وهذا يشمل حتى المشكلات البسيطة منها، لذلك حاول أن تفكر بطرق مختلفة وتشعر بمشاعر متعددة، فلا تتخذ قراراً وأنت في ذروة الشعور بعاطفة ما، بل انتظر لتصبح في حالة شعورية أخرى لترى الأمور في ضوء مختلف.
  • تعلم التفكير المنطقي:

للبحث عن الحقيقة علينا أن نتعلم كيف نفكر بشكل منطقي، ونمارس التفكير النقدي، ونبحث عن الأدلة ونستنتج منها بشكل صحيح كي لا نسلم عقولنا إلى أحد، وأفضل بداية هي معرفة المغالطات المنطقية التي يستخدمها دعاة أي فكر للترويج لأفكارهم، وكيف يقومون بالتلاعب بالعبارات التي توحي للسامع أنهم يقدمون دليلاً يثبت فكرتهم.
وهذه المغالطات هي:
  • مغالطة المصادرة على المطلوب: إثبات الشيء عن طريق تكراره بصيغ معينة.
  • المغالطة البهلوانية: تحريف الرأي الآخر لتسهيل الهجوم عليه.
  • مغالطة المنشأ: التشكيك في منشأ الفكرة بدلاً من مناقشة الفكرة نفسها.
  • مغالطة السبب الزائف: اختلال فهم العلاقة بين السبب والنتيجة.
  • مغالطة الاستدلال الدائري: إثبات الشيء نفسه دون إعطاء دليل.
  • مغالطة خطآن يصنعان صواباً: اعتبار أن الخطأ مقبول طالما يحدث في أماكن أخرى.
  • مغالطة التشبيه الزائف: ذكر تشبيه سطحي لموضوع ما وجر النقاش حوله لإثبات الفكرة.
  • مغالطة الثنائية الزائفة: افتراض أن هناك خيارين فقط ليس أكثر.
للتعرف على أساليب أخرى للمغالطات التي يتبعها المتعصبون في الحوار، يمكنك الاطلاع على هذا المقال: كيف تكسب أي جدال يحتمل خسارتك!
 طور الإنسان قدراته الشخصية ونفسه وأفكاره بشكل مستمر خلال قرون طويلة، وبطريقة فاقت كل التصورات التي كان يتخيلها، فغير طريقة ملبسه ومعتقداته وأفكاره ،وهذا ما أوصلنا إلى التطور الذي نعيشه، وهو ما جعلنا ما نحن عليه اليوم. فإذا توقفنا عن التطور ورحنا نكرر ما نسمعه دون وعي وتمحيص، فهذا سيجعلنا ننقرض كما حدث مع الديناصورات التي لم تستطع التأقلم مع الحياة وتطورها على سطح الأرض.

شاركها في جوجل+

عن غير معرف

0 التعليقات:

إرسال تعليق