كثيرة وهائلة هي التحولات التي تهزّ العالم اليوم من أقصاه إلى قصاه وتُعيد ترتيب ملامحه بشكل غائم في العديد من التمظهرات التي تتداخل أبعادها السياسية والثقافية والإجتماعية والإقتصادية وتتجه صوْب مآل يصعب التكهن بماهيته ونتائجه ، وحتما إن الزمن البشري نقيض السكون الذي هو في زمن الإنسان معادل للموت ، إلا أن التحولات التي باتت تغير ملامح العالم منذ مطلع القرن الواحد والعشرين أخذت طابعا سريعا وبدَت بمثابة الطفرات الكبرى التي تنقل الأشياء من حال لآخر ، من هنا يبدو أن حديث العالم المستقبلي Alvin Toffler منذ زمن مبكر عن "موجة الحضارة الثالثة" لم يكن ضربا من الخيال ..العالم اليوم يتغير إن لم نقل إنه قد تغير بالفعل في حركته السياسية والاقتصادية والبيئية و بشكل هائل ..نحن في زمن العولمة إذن، كما يقال ، وربما نحن في زمن النهايات كما قال البعض الآخر ..لكن الأهم من كل ذلك القيل هوأننا في زمن يفرض أن نفهم زمانه أولا، وأن نكون في مستواه حتى لانصبح ضحايا على قارعة سيرورته التي لاتنتظر أحدا ، من هنا تأتي الضرورة القصوى للاشتغال اليوم كأمة عربة اسلامية ضمن منطق الكتلة الحضارية التي تبحث لنفسها عن مكان بين المناكب المزدحمة ، وأكيد أن مبتدأ الدخول إلى زمن التحولات تفرض أولا طرح كل الأسئلة الكبرى بجرأة وعمق بعيدا عن منطق الاستكانة لرتابة الجاهز ، وفتح الملفات التي قد تبدو مسلمات في الذاكرة سواء تعلق الأمر بالذات أو الموضوع ، وفي هذا السياق الحاد يفرض السؤال نفسه : من نحن إذن ..؟وكيف نحن ..؟ ثم ماذا تعني "نحن" ..؟ بمعنى طرح سؤال الهوية في صيغتها الجمعية والحضارية ، ولأن طبيعة الأشياء لاتقبل الفراغ فإن السؤال "مطروح في الطريق..." تلوكه الألسنة بهذا الشكل أو ذاك وبهذه الغاية أو تلك شئنا نحن أم أبينا .
ضمن هذا الأفق الغائم يطرح الباحث المغربي د مصطفى المسعودي سؤال الهوية الحضارية انطلاقا مما هو محلي للوصول الى العمق الاستراتيجي العربي والاسلامي بحثا عن إجابات بمستوى التحدي الراهن وبمستوى أمة ما انبنت أركانها الهائلة إلا لكي تلعب الأدوارالكبرى في تاريخ الانسان ، خاصة بعد أن انسحبت هذه الأمة لقرون عن المشهد وبقيت في الظل ، ولم يعد لها اليوم من خيار سوى النهوض من جديد بالإرتكاز إلى جذورها المؤسسة لكينونتها أو الإستسلام لمصير مُخيف .
رابط التحميل
0 التعليقات:
إرسال تعليق