حول الكتاب
تفيد وقائع الغزوات التي تعرض لها العالم العربي خلال تاريخه الطويل أن الغزاة كانوا يأتون الى منطقتنا بدوافع "نبيلة" في ظاهرها الى أن يستقر بهم المقام فيسعون الى أهدافهم الحقيقية من وراء الغزو وهي في الغالب اقتصادية أو دينية أو جيوستراتيجية أو مختلطة. في غزوه لمصر كان نابوليون بونابرت يرغب في خلق مستعمرة على مقربة من بلاده بعد خسارة فرنسا لمستعمراتها الأمريكية وكان يخطط لقطع طريق الهند على الإمبراطورية البريطانية وبعد أن فشل في تحقيق هذا الغرض اخترع شعار "تحديث" مصر و"تحريرها" من المماليك علّه يتمكن من البقاء في أرض الكنانة.
وفي الجزائر قال الفرنسيون لحظة احتلال العاصمة أنهم جاءوا لتخليص السكان من عسف "البايات" حكام البلاد المحليين وأنهم يسعون الى تحديث هذا البلد وسيغادرون في شهور معدودة فكان أن استوطنوا الجزائر 130 عاماً واعتبروها مقاطعة فرنسية. وفي تاريخ قريب ادعى الصهاينة أنهم جاءوا الى فلسطين من أجل زرع التقدم وتوفير الخدمات الطبية والتربوية للفلسطينيين غير أنهم التهموا أراضي أبناء البلد الأصليين وأقاموا دولتهم العنصرية عليها.
وادعى البريطانيون أنهم سيقيمون دولة عربية متحدة إذا ما انضم العرب الى الحلفاء في الحرب العالمية الأولى فكان أن ضاعت فلسطين جراء وعد بلفور وتشرذم العالم العربي بفعل اتفاقية سايكس-بيكو الشهيرة ومازال على حاله حتى اللحظة. واليوم تقول الولايات المتحدة الأمريكية أنها احتلّت العراق من أجل نشر "الديموقراطية" في حين نراها بأم العين تهدم هذا البلد بحجره وبشره.
كان الضعف العربي ومازال يغري المستعمرين ويستدرج المهيمنين الى منطقتنا. والضعف لا يختزل بنقص التسلّح ومحدودية المقاومة وإنما بنوع الثقافة السياسية التي سادت وتسود بلداننا. ذلك أن السيطرة تدوم في العقول وليس بالسلاح والقوة العسكرية فالغالب يبحث دائماً عن إقناع المغلوب بعدم جدوى المغالبة فيسيطر عليه بأرخص الأثمان أي برضى المغلوب نفسه.
من مظاهر الضعف في ثقافتنا السياسية أننا مازلنا نلطم وجوهنا جراء هزيمة حزيران-يونيو 67 ونعلق ما صنعناه وما لم نصنعه منذ ذلك الوقت على الهزيمة في حين أن اليابانيين والألمان خسروا حرباً عالمية دون أن يخسروا ثقافتهم وهم بفضلها يحتلون مقاعد أمامية بين سادة الاقتصاد والتقدم العالمي.
رابط التحميل
0 التعليقات:
إرسال تعليق