حول الكتاب
تعود قصة هذا الكتاب إلى سلسلة المحاضرات عن أديان الإنسان التي ألقاها ربيع عام 1955 في محطة التلفزيون التعليمية لمدينة سانت لويس.
يقول هوستن سميث Huston Smith( مؤلف الكتاب ) لقد كشف لي الإقبال الواسع للناس , آنذاك على تلك المحاضرات , وجود رغبة حقيقية لدى الأمريكيين في التعرف على الأديان العالمية الكبرى التي حركت وأثارت شعوب العالم ولا تزال تحركها إلى اليوم . فلقد سجل أكثر من ألف ومائتي رجل وامرأة أسماؤهم في ذلك المجتمع الثقافي الواحد , كطلاب رسميين ( يدفعون رسم التعليم ) أما جمهور المستمعين والمشاهدين فقد ناهز عددهم المائة ألف , أما الشيء الثاني الذي كشفه لي ذلك الإقبال الجماهيري فهو الحاجة لكتاب من نوع جديد عن أديان العالم , كتاب لا يتوقف كثيرا عند الغرض التفصيلي لعقائد وشعائر كل دين , بل يتجاوز ذلك ليتجه بسرعة – دون تضحية بالعمق – إلى بيان المعنى الذي يعطيه كل دين من هذه الأديان لحياة معتنقيه .
ويضيف قائلا : جميع الرسائل , تقريبا , التي وصلتني من مختلف أنحاء البلاد , خلال عرض مسلسل المحاضرات على شاشة التلفزيون في حوالي 20 مدينة أخرى , كانت تطلب مني إما نسخة عن المحاضرات نفسها أو كتابا يسيرعلى نفس نهجها , ولكن لما كانت المحاضرات لم تلق من نص مكتوب , لم يكن لدي سجل عنها , كما أنه لم يكن ثمة كتاب مفرد , اشعر أنه يلبي مباشرة حاجة أولئك السائلين , ذلك أنه على الرغم من الكتب الرائعة التي لا تحصى في هذا المجال, إلا أنني لا اعرف أيا منها هدف إلى أخذ الإنسان غير المختص إلى قلب وروح الأديان الحية الكبيرة للعالم ,إلى النقطة التي يمكنه من خلالها أن يرى , بل أن يشعر, لماذا وكيف يهدي هذه الأديان من يؤمنون بها ويتبعونها ويعيشونها وكيف تحركهم وتبعث حياتهم ؟ وهذا هو بالضبط الكتاب الذي حاولت أن اكتبه , ولقد حصلت في هذا الصدد على مساعدة لا تقدر بثمن من عدد من القيادات :
لم يعلمني سوامي ساتبراكاشانندا الزعيم الروحي لجمعية الفيدانتا في سانت لويس كل ما أعلمه عن الهندوسية فحسب , بل عمل – باذلا غاية جهده وعنايته – في تحرير الفصل الذي يحمل ذلك العنوان . كما ساعدت كتابات " أرثور ويلي Arthur Waley على بناء تلك العاطفة التي نشأت لدى تجاه الصين خلال السبع عشرة سنة التي قضيتها في تلك الأرض التي ولدت فيها . في حين صحح الدكتور " هنري بلا توف " Henry Platov عددا من الأخطاء الناشئة من عدم الدقة في أول مسودة للفصل الذي كتبته عن البوذية والطاوية و ولا بد في هذا المقام من الاعتراف بدين خاص به علي فيما كتبته حول بوذية الزن .
أما البروفسور " جوزيف كيتاغاوا Joseph Kitagawa من جامعة شيكاغو , فقد نقح فصلي الكونفوشيوسية والإسلام , كما أضفت لفصل الإسلام اقتراحات البروفيسور " فؤاد الأهواني " من جامعة القاهرة .
وكان للحاخامين " روبرت جاكوب " Robert Jacob و " برنارد ليبنيك " Bernard Lipnick والأب الدكتور " آلين ميلر " Allen Miller من جامعة سانت لويس انتقادات مفيدة للغاية للفصول المتعلقة باليهودية والمسيحية على الترتيب.
أما لويس هان Lewis Hahn رئيس قسم الفلسفة بجامعة واشنطن , فقد نقح مخطوطة الكتاب بشكل كلي بقراءته المتأنية والمعتنية , في حين كانت السيدة لورنا جارماني Lorna Garmany كسكرتيرة وطابعة على الآلة الكاتبة عاملة بشوشة لا تعرف الكلل .
عندما قرأت المخطوطة المكتملة للكتاب فوجئت كيف جاءتني كثير من أفكاره لأول مرة , أثناء المحاضرات التي ألقاها جيرالد هاردGerald Hard خلال الفصلين الدراسيين لدورتي عن مقارنة الأديان .
يتميز كتاب أديان العالم بأنه لا يقتصر في معالجة كل دين على مجرد العرض الأكاديمي لأهم تعاليمه وكتبه وفرقه وأماكن انتشاره ونحو ذلك من معلومات وأرقام بل يأخذ الدين يأخذ الجد , ويتفاعل معه تفاعل المؤمن , فيدخل بالقارئ مباشرة إلى لبه وجوهره , ويغوص به إلى الأعماق , ليوضح له بحماس المؤمن وروح كل دين وجوهرعقائده وتعاليمه , شارحاَ مناهجه في هداية الروح والفرد والمجتمع , ومحللا تعاليمه وعقائده تحليلاً فلسفياً منطقياً , واجتماعياً ونفسياً بديعاً , استناداً لخبرة مؤلفه الطويلة كدكتور بارز في الفلسفة وعلم النفس , ومفنداً أحيانا بعض الشبهات وسوء الفهم التي قد تثار حول بعض مبادئه .
الدكتور هوستن سميث ( يهودي ) متدين راسخ الإيمان صوفي النزعة , اعتنق بعض هذه الأديان ورحل إلى بلدانها وتتلمذ على كبار علمائها فمارسها واستفاد منها وبقي يمارس بعض عباداتها يومياً حتى آخر أيام حياته , وهنا تظهر الميزة الثانية لهذا الكتاب وهي الموضوعية والمصداقية( نسبيا ) , عندما يرتكز مؤلفه في عرضه وتحليله لتعاليم كل دين على مصادر الدين نفسها وأعمق الرؤى التي يقدمها أساطينه ورجاله الروحيون .
وبديهي أن علماء كل دين هم أفضل من يعبر عن محتواه تعبيراً صادقا ًصحيحاً
والخلاصة إن كتاب أديان العالم ذو غرض ديني وهدف روحي في المرتبة الأولى إذ يقدم للقارئ زبدة التجارب الروحية والمعارف الفلسفية التي اكتسبها مؤلفه على مدى أكثر من خمسين عاماً , مما يعطي القارئ تنويراً في الفكر واتساعاً في الحكمة وأبعادا جديدة في البصيرة الروحية وفهما أعمق لفلسفة الحياة والوجود و إدراكا أوسع لمشاكل الإنسان الأساسية والنفسية والاجتماعية والحلول المختلفة التي طرحتها الأديان العالمية لحلها .
وأخيرا لانقدم الكتاب على أنه خال من آراء دفعها المؤلف منطلقا من ايمانه بيهوديته وما في ذلك من محطات اعجاب وتفضيل وحتى مجاملة , هذا من جانب , ومن جانب آخر فانه ليس من المسلم به أن كل من تكلم من العلماء عن دينه فانه سيكون في كلامه صادقا وموضوعيا , وهو ما يدعونا الى الفات الأنظار الى التوثق والتأمل والتعمق في قراءة الكتب التي تكتب حول الأديان .
رابط التحميل
0 التعليقات:
إرسال تعليق