تتميز الرواية بمكانة خاصة في قلوب العديد من القراء، فهي التذكرة المجانية لأرض الخيال الممتدة إلى ما لا نهاية، وعلى الرغم من ذلك، هناك الكثيرون غاضبون على هذا الفن، ويرون أن هناك مجالات أخرى في القراءة أنفع وأفيد.
وإلى هؤلاء والقراء الآخرون بالطبع أوجه هذا الموضوع، والذي يتناول خمسة روايات ليست فقط ممتعة وتصطحب قارئها لعالم مغاير، ولكنها كذلك تقدم دروساً قيمة في التاريخ والجغرافيا وتعرفه على بلدان أخرى بما فيها من عادات اجتماعية وتراث شعبي، لنرى هنا الرواية في أنبل صورها عندما تعبر عن جوهر شعب وبلد في زمان معين.
ألف شمس مشرقة
رواية الكاتب الأفغاني خالد حسيني الثانية بعد “عداء الطائرة الورقية”، والتي تستعرض تاريخ أفغانستان منذ الاحتلال السوفيتي لها حتى سقوط نظام طالبان.
هنا نقابل وجهاً آخر لأفغانستان غير ذلك الذي تعودنا عليه من نشرات الأخبار والأفلام الأمريكية، التي أظهرتها تارة بلداً عظيماً يحارب العدو السوفيتي، ومرة أخرى مصدرة الإرهاب للعالم. أفغانستان خالد حسيني ليست أياً من الصورتين، بل هي مريم بطلة الرواية، التي بدأت حكايتها بالأمل في الشعور بالمحبة من والدها، وانتهت بشنقها لأنها تخلصت من زوجها القاسي.
مريم عاشت عدة مراحل في حياتها تزامنت مع التغييرات الجذرية التي حدثت في أفغانستان، بدأتها جمهورية بعد انقلاب على الملك من ابن عمه داوود خان، ثم احتلال السوفييت للبلاد وحرب المجاهدين ضدهم، يتلوها خروج الدب الروسي بلا رجعة ليشعر الشعب بسعادة لم يتعد عمرها ثوان، حيث بدأ صراع أكثر قسوة بين جماعات المجاهدين الذين أنهوا مهمتهم وبدؤوا في التقاتل على السلطة والحكم والنفوذ، وينتهي هذا الصراع بمكسب الطالبان وهزيمة مريرة لكل أفغانستان، لتخيم عليها غيمة سوداء تشبه الزي الذي فرضه رشيد على مريم حتى قبل حكم الطالبان والذي لا يعطيها الحق سوى بالرؤية الغائمة بعين واحدة.
تقدم الرواية ما سبق وأكثر من خلال أحداث مشوقة على مأساويتها، حافلة بشخصيات تذيب القلوب من الحزن على مصيرها، وأخرى تجعل القارئ يكرهها حتى النخاع، فهو لا يستطيع أن يفصل بين الحقيقة والخيال لأن -للأسف- الحقيقة في هذه الرواية أسوأ من أي خيال.
شوق الدرويش
رواية الكاتب السوداني حمور زيادة، والتي تناولت أحداثها أحد أكثر فترات تاريخ السودان حساسية وقسوة، عن أحداث سنوات قليلة لا يمكن أن تحدث سوى في قرون لزخمها.
تبدأ الرواية ببخيت منديل لحظة سقوط الثورة المهدية التي حكمت السودان لمدة أربعة عشر عاماً وهو الذي سُجن لأجل غير مسمى بسبب سكره، في حياة بخيت مأساة يعرفها القارئ خطوة بخطوة من خلال السرد الساحر لحمور زيادة.
ونتعرف كذلك على القبائل المختلفة التي عاشت في السودان، وتفاصيل تاريخ السودان ما قبل الثورة المهدية حين رزأت تحت الحكم التركي القاسي والعنيف مع السكان الأصليين، ثم الثورة بقيادة محمد أحمد المهدي والذي ادعى أنه المهدي الذي أرسله الله إلى الأرض ليفتح البلاد ويقيم العدل، وعلى الرغم من وفاته بعد سنوات قليلة مما يتنافى مع الأسطورة التي ادعاها، فظل الشعب مؤمن بهذه الثورة وبخليفته، حتى سقطت ام درمان عاصمة الدولة المهدية أمام الجيوش المصرية والإنجليزية عام 1898 لتظل السودان تحت هذا الحكم حتى عام 1956.
يستخدم الكاتب تقنيات الخطف خلفاً ليعيد القارئ ويتعرف على ماضي بخيت وحبيبته حواء ويعرف جذور المصير المأساوي الذي تعرضا له، والذي ما كان سوى انعكاساً لهذه الفترة المضطربة من التاريخ السوداني.
إنيس حبيبة روحي
رواية أقل مأساوية من سابقتيها، وهي من تأليف إيزابيل الليندي والتي تناولت خلالها تاريخ بلادها تشيلي وفتحها وتأسيسها.
تبدأ الرواية في إسبانيا حيث يتعرف القارئ على البطلة إنيس التي تقع في الحب لتتزوج من شاب مغامر، يتركها بعد الزفاف بشهور ويرحل إلى أمريكا الجنوبية للبحث عن الذهب والسلطة والنفوذ، ولكن تطول غيبته، فتقرر إنيس اللحاق به للبحث عن حريتها بالدرجة الأولى.
بعد وصولها بقليل تكتشف وفاة زوجها، لتبدأ في إقامة جذور لنفسها في القارة العذراء، فيصبح لها منزل وعمل تتكسب منه ومكانة، ولكنها تقع في فخ الحب الذي يغير مسار حياتها مرة أخرى.
مغامر من نوع آخر يقرر أن يفتح أراضٍ جديدة ليضمها تحت لواء الدولة الإسبانية المتشعبة، هذه الأراضي هي ما ستصبح التشيلي في يوم من الأيام، ليصطحب معه إنيس والقراء في رحلته المتعبة والقاسية لاكتشاف الأراضي القاحلة التي طردت كل الغزاة من قبله، والتي استطاع ترويضها في منتهى العنف والقسوة، ونشاهد ميلاد سنتياجو المدينة التي ستصبح العاصمة بعد سنوات.
المعتاد في الروايات التي تتحدث عن فتح بلد معين أن تكون من وجهة نظر الغزاة، فنرى قصص البطولة والشجاعة، ولكن على الرغم من كون بطلة الرواية تقف في صف هؤلاء، إلا أن الرواية تنقل لنا الناحية الأخرى من عيون المابوتشي والأنكا سكان الأرض الأصليين، الذين أنصفتهم إيزابيل الليندي على رغم من إغماض التاريخ عيونه عنهم.
ليل له آخر
رواية من تأليف الروائي المصري يوسف السباعي، وقد تناولت أحداثها الوحدة المصرية السورية وانحلالها.
قد تبدو الرواية مجرد سرد لقصة رومانسية من أول وهلة، ولكن يكتشف القارئ أن المحرك الرئيسي للأحداث هو التغييرات السياسية التي تحدث على الساحة العربية، وهي سمة غالبة على روايات الكاتب في هذه الفترة، حيث سنجد في أعماله “رد قلبي” عن ثورة 1952، و”نادية” حول تأميم قناة السويس، و”جفت الدموع” التي مست أحداثها بدايات الوحدة المصرية السورية، و”ابتسامة على شفتيه” عن القضية الفلسطينية.
اخترت من هذه القائمة الطويلة “ليل له آخر” لكون أحداثها تقع في سوريا التي كثيراً ما زارها يوسف السباعي لذلك نقل صورة وافية عنها، بالإضافة إلى تركيزه على التغييرات التي حدثت في شعبها خلال هذه الفترة، بداية من الفرح في بداية الوحدة، ثم فترة الكساد والقحط والتضييق عندما حاولت الحكومة المصرية فرض التأميم على المؤسسات السورية والكثير من السياسات الاستبدادية الأخرى.
كل ذلك من خلال قصة فتاة سورية تجمعها علاقة حب بجندي مصري خلال وجوده في سوريا، فتزدهر العلاقة مع الوحدة، ولكن يأتي الانفصال ليفرق بينهما وتنتهي الرواية نهاية حزينة تتلاءم مع الشعور الشعبي اتجاه الانفصال في مصر.
فرانكشتاين في بغداد
الرواية الوحيدة في هذه القائمة التي لم تنقل لقرائها أحداثاً من الماضي، حيث أخذنا الكاتب أحمد سعداوي إلى بغداد ما بعد صدام حسين ودخول القوات الأمريكية، ليقدمها لنا مع إضافة لمسة خيالية ميتافزيقية.
فبطل القصة الرئيسي مسخ يشبه في تكوينه مسخ فرانكشتاين في قصة ماري تشيللي الشهيرة، ولكن هذه المرة لم يصنع المسخ عالم مجنون يرغب في اختبار قوة الكهرباء الجبارة، بل جمع أجزاءه بائع العاديات هادي العتاك من جثث المصابين في إحدى الانفجارات المتكررة، وعندما دبت الحياة في هذا المسخ أدرك أن هدفه الوحيد هو الانتقام من كل من اشترك في قتله بطريقة أو بأخرى، ليتحول إلى كائن خرافي يسمى “الشسمة” وتتناقل أسطورته بين أفراد الشعب، ويجري الأمن بحثاً محموماً عنه.
الرواية فازت بجائزة البوكر لعام 2014، وقد استحقت هذه الجائزة بعد ما قدمت بغداد المعاصرة بكل ما تحمله من ألم وخوف.
0 التعليقات:
إرسال تعليق