ابن سينا: غاية الفلسفة معرفة الله


علّم ابن سينا نفسه بنفسه عندما اختارالفلسفة عوض المبادئ التي نشأ فيها؛ أي عندما قرر القطع مع معتقدات أبيه، الذي كان فارساً شيعياً إسماعيلياً. وعلى الرغم من ذالك، فاختياراته جعلت منه أميرالأطباء كما ينعته الغربيون والشيخ الرئيس كما يراه العرب، غاية الفلسفة عنده هي معرفة الله، وعشق الخير سنة الإنسان، إذ أن "الخير بذاته معشوق...والخير الخاص هو الملائم للشيء في الحقيقة.
قرأ ابن سينا في فلسفة أفلاطون وأرسطو والفارابي، ولم يمنعه وسطه الشيعي من تحقيق ذلك، ولم يحد أيضاً من حريته للاشتغال حتى في السياسة، فلقد كانت له رؤية خاصة حول العالم وخاصة الشريعة ومضامينها، "إذ اعتبر أن الثواب والعقاب مجرد مسائل معنوية لا مادية، والصور الواردة في القرآن يقصد بها هداية العامة؛ فالبعث بالجسم لا يتفق مع الآخرة ، والشريعة كالفلسفة تستخدم اللغة الرمزية كي يفهمها العامة".
ولد ابن سينا في قرية أفشنة الفارسية سنة 370هـ الموافقة لـ980م، حفظ القرآن عندما كان في سن العاشرة، كما حفظ العديد من القصائد العربية وغيرها من الأعمال الأدبية، مكنته نشأته في بيئة العلم والقراءة من نحث شخصيته والاستفادة من المحيطين به، خاصة العارفين اللذين كانوا يترددون على بيت أبيه، وكانوا يجتمعون للحديث والمناظرة.
كان ابن سينا يتميز بروح البحث وبالاندفاع للمعرفة منذ صغره، كما أن ذكاءه الحاد مكنه من تحصيل معرفة معمقة وذاتية في كل من علوم الطب والشريعة والغيبيات.
 وقد ساعده الاطلاع على موجودات المكتبة الغنية في قصر السمنديين، من تحقيق ذلك، حيث سمحت عائلة السمنديين وهم ، أول عائلة حاكمة كبيرة من أصول محلية ظهرت في فارس بعد الفتح العربي لها، لابن سينا بدخول تلك المكتبة العظيمة بعد نجاحه في علاج الأمير نوح بن منصور السمندي من مرض عجز كل أطباء عصره المشهورين عن علاجه كما جاء في قاموس الفلاسفة.
استعان ابن سينا في فلسفته بمفهوم "برهان واجب الوجود" للفيلسوف الفارابي لإبراز وجود الله، وعلى عكس ما جاء به أرسطو في العلة الغائية التي تنبني على أن الله لا يعلم إلا ذاته وهو المحرك الأول، فإن ابن سينا يقول إن علم الله لذاته يستتبعه علمه بغيره طالما أنه علة كل شيء، ويضيف أن علم الله بالجزئيات كلي، باعتبارها معلومات ونتائج لعلل.  
لابن سينا عدة مؤلفات أهمها"الشفاء"، "القانون في الطب"، "النجاة"، "الإشارات والتنبيهات"، ويعتبر الملهم لقصة حي ابن يقضان الذي استعمل نفس الاسم الذي ذكر أول مرة على لسان ابن سينا، والذي قصد به العقل الفعال.
تميزت أعمال ابن سينا بالنقد الثاقب وبمسحة عقلانية انبثقت بالأساس من أفكاره وآرائه ونظرياته، وانعكست على مؤلفاته، فلم يكن يتقيد بكل ما وصل إليه من نظريات وكان يضع معظمها تحت المجهر ويعرضها على مرآة عقله. حارب التنجيم والمعتقدات الخاطئة حول علم الكمياء، وأسس مفهوماً فلسفياً للخير، يقول ابن سينا: "إن الخير بذاته معشوق، ولولا ذلك لما انصب كل واحد ممن يشتهي أو يتوخى أو يعمل غرضاً أمامه يتصور خيريته. فلولا أن الخيرية معشوقة لما اقتصرت الهمم على إيثار الخير في جميع التصرفات...والخير الخاص في الحقيقة...وليس من الحكمة ترك خير كثير لأجل عادية شر يسير".
في ثقافتنا العربية الإسلامية، يكون من المفيد اليوم العودة لأعمال الراحل ابن سينا(1037م) للتعرف على هذا القطب الذي لم يترك بصمته فقط تاريخ العرب، وإنما تاريخ الإنسان، فابن سينا كان موسوعياً وترك إسهامات متعددة في الموسيقى، الأمراض التناسلية، في الطب، في علم الجراحة، في الصيدلة، وعلم الأدوية، في علم الفلك وعلم الأحياء.

شاركها في جوجل+

عن غير معرف

0 التعليقات:

إرسال تعليق