حول الكتاب
لم يأتِ عالمٌ من علماء اللغة منذ تدوينها بمثل ما أتى به أبو العلاء، فقد أحاط باللغة العربية إحاطة تامة، واستعمل كل ألفاظها في شعره ونثره، وأبدع فيهما كأحسن ما يكون، كما لم يجتمع لأحد جاء قبله أم بعده مثل ما اجتمع لأبي العلاء من اتقان العلم وسعة الثقافة وعمق المعرفة. إذ أنه قال الشعر وصنفه وهو ابن احدى عشرة سنة.
ذلك هو أبو العلاء الشاعر والأديب والفنان واللغوي البارع، ولكن ما هو نسبه، وفي أي عصر عاش، وما هي شخصيته، وفلسفته، وما يقال عن إيمانه أو شعره, ذلك ما سنبحثه في دراستنا عنه.
أما بالنسبة للشاعر والفيلسوف أبو العلاء المعري فإن له مفارقات عجيبة وغريبة جعلت منه نمطاّ فريداّ لا نظير له وقد بقي غريباّ في عصره والعصور التي جاءت بعده وصدقت فيه كلمته
أولو الفضل في أوطانهم غرباء
تشذ وتنأى عنهم القرباء
لكن يكون لأبو العلاء فضل اجتهاداته في اللغة وفي الشعر الذي لا يدخل فيه إلى مسائل العقيدة ، وأما ما عدا ذلك فيظل مرهونا بمن هم أعلم منا وأدرى.
«: يعتقد أبو العلاء في الله تعالى. ما يعتقده المؤمنون المخلفون من المسلمين، ويثبت له من صفات الكمال ما يثبتون له، وينفي عنه من صفات الحدوث والنقص ما ينفون. وإذا استقريت أقواله في هذا الغرض لا ترى فرقاً بينه وبين أعظم المسلمين في الإعتقاد».
«: وشاعت كلمت السوء فيه، ومن شأنها أن تشيع فجُرِّح ببعض ما قال مما قد يوهم ظاهره ويشكل، وبغيره مما لم يقل. وإن أكثر مصنفاته لفي الزهد والعظات وتمجيد الله سبحانه وتعالى. وديوان ( اللزوم ) نفسه مليء بنجوى إيمانه الصادق، وأناشيد ضراعته للخالق، جل جلاله ...وشهد له الذين عرفوه عن قرب، بنقاء العقيدة ورسوخ الإيمان. وفيهم من كان قد استراب في أمره، تأثرا بشائعات السوء، ثم بان له من حقيقته ما جعله يشهد له بصحة الدين وقوة اليقين.».
«: أبا العلاء قد هداه عقله إلى أن لهذا العالم خالقاً، وإلى أن هذا الخالق حكيم. لا يشك في ذلك، أو على الأقل لا يظهر فيه شكاً... وهو إذا تحدث عن هذا الخالق الحكيم تحدث عنه في لهجة صادق يظهر فيها الإخلاص واضحاً جلياً. ولكنه عاجز عن فهم هذه الحكمة التي يمتاز بها هذا الخالق الحكيم. وعجزه عن فهم هذه الحكمة هو الذي يضنيه ويعنِّيه ويعذبه في نفسه أشد العذاب. خالق حكيم، خلق هذا العالم ورتبه على هذا النحو الذي رتبه عليه. ولكن لماذا، وما بال هذا الخالق الحكيم الذي منحنا هذا العقل وهدانا إلى التفكير لم يكشف لنا القناع كله أو بعضه عن وجه هذه الحكمة التي لا نشك فيها ولا نرتاب؟»
0 التعليقات:
إرسال تعليق