صديق قديم….
كان يوماً كئيباً من النوع الذي ترفع نظرك للسماء ، فتجد أنها مُلبدة بالسحب والغيوم وتنذر بالويل أي أحمق يسير فى الطرقات ، وتتوعد أنها من الممكن أن ترسل سيولاً على رؤوس الجميع في أي وقت ، مالم يجدوا مكاناً يحُفّه سقف ..
كنت جالساً أرتجف من البرد فى انتظار صديق لي لم أره منذ فترة طويلة ، ولم أكن أتطلع إلى أن أقابله فى الواقع .. ولكنني استسلمت أمام إلحاحه ، وقبلت مُكرهاً أن أجلس فى انتظاره فى أحد المقاهي التى أجلس فيها دائماً ، وأنا ألعنه فى سرّي ولا أكاد أطيق رؤية وجهه أمامي..
بعد التحية والأحضان والكلام المُعتاد عن ( أين كنت طوال هذه الفترة أيها الوغد ؟ .. أنت فى بالى طوال الوقت .. كيف الحال ؟ … إلخ ) .. وفي منتصف حوارنا ، سألته عن طبيعة عمله الحالي ..
نظر لي نظرة ذات معنى ، وقال فى غموض : أنا في طريقي للعمل كمُدرّب !
أنا ( مندهشاً ) : مدرّب ؟.. انظر إلى نفسك .. أنت بدين كالفيل .. الفريق التعيس الذي سيرضى أن يكون مدربه بهذه البدانة هو حتماً فريق من أفراس النهر !
هو ( في غيظ ) : مُدرّب يا أحمق .. مدرّب تنمية بشرية ، وليس مدرب فريق لكرة القدم !
أنا : هذا جميل .. يبدو عملاً مهماً فعلاً .. ماذا ستفعل بالضبط ؟!
هو : سأدرّب الناس على النجاح والتفوق والتميز .. سأدرّب الناس حتى يصبحوا قادة مميزين ! ..
أنا ( متظاهراً بالفهم ) : هذا أجمل ما سمعته في حياتي .. أؤكد لك أنك ستكون مدرباً ناجحاً .. أنت نسخة ثانية من ابراهيم الفقي وطارق سويدان .. بالتوفيق .. حاول أن تقوم بإعداد القادة دائماً .. نريد أن نتحول إلى أمة من القادة المميزين .. هذا مهم جداً ..
هو ( في سعادة ) : أذن أنت موافق ؟!
أنا ( بحذر ) : موافق على ماذا ؟!
هو ( مازال سعيداً ) : على أن تأتي معي لحضور المحاضرة التعريفية للدورات الجديدة التى سوف نحضرها الأسبوع المقبل !
قالها وألقى أمامي بعض البوسترات ، وطلب مني أطالعها حتى أختار الدورة التى سأحضر معه فيها الاسبوع المُقبل ..وانصرف بسرعة لا تتناسب مع وزنه إطلاقاً..
عن الحرية النفسية والعلاج بخط الزمن !
( صورة لشاب وسيم يفتح ذراعيه بطريقة مسرحية ، وهو يرتدي بذلة غاية في الأناقة ، وعلى وجهه ابتسامة شريرة .. الصورة تذكرك فوراً بـ ( آل باتشينو ) فى فيلم محامي الشيطان .. أو على الأقل أحد السحرة المتخصصين فى قراءة أوراق التاروت. فى جانب الصورة توجد سيرة ذاتية هائلة للمُدرّب .. أقسم لك أن السيرة الذاتية لأحمد زويل شخصياً لن تكون بمثل هذه الضخامة .. تسأل نفسك كيف استطاع هذا الشاب العبقري أن ينال كل هذا العدد الهائل من الشهادات الدولية ، إلا إذا كان هو نفسه سوبرمان الذي أوهمونا أنه شخصية خيالية كرتونية ..
يُمكننا ذكر بعض المقتطفات :
- مُدرب مُدرّبين معتمد من جامعات ( القاهرة – كامبريدج البريطانية – نيفادا الأمريكية – أكاديمية جونز هيفر البريطانية – هارفارد الأمريكية – كلية ميتشجن الأمريكية – كلية بوسطن الأمريكية – لن نضيع السطور كلها فى ذكر عدد الكليات والجامعات ! )
ملحوظة سريعة :
بغض النظر عن أي شيئ .. يُحمد له أنه وضع اسم جامعة القاهرة فى أول القائمة .. هذه وطنية يستحق كل الاحترام والتقدير عليها .. الحصول على اعتماد كمدرب للمدربين من جامعة كامبريدج البريطانية وهارفارد الأمريكية هو أمر عادي فرعي يُمكن ذكره فى آخر القائمة كما نعرف جميعاً .. لا يحتاج إلى كل هذه الدهشة !! .. دعنا نُكمل :
- استشاري الصحة والعلاقات الأسرية المعتمد من جامعات محلية ودولية (نفس الجامعات)
- مدرب معتمد ( لعلم الطاقة البشرية ).
- مدرب معتمد لديناميكية التكيّف العصبي.
- ممارس معتمد لعلم الحرية النفسية من الاتحاد التطويري لمسارات الطاقة.
- ممارس معتمد للعلاج بخط الزمن من المركز العالمى وبإعتماد البورد الأمريكى والجمعية الأمريكية..
إذا كنت لا تعرف ما هو علم ( الحرية النفسية من الاتحاد التطويري لمسارات الطاقة ) ، فهذه مُشكلتك وليست مشكلتي .. حاول أن تطور نفسك قليلاً يابني ، وإلا ستمر بالكثير من المشاكل فى حياتك الشخصية والمهنية والوظيفية ..
لا أحد يستحق الحياة على هذا الكوكب ، وهو لا يعرف ما هو علم الحرية النفسية من الاتحاد التطويري لمسارات الطاقة .. هذا تهريج حقيقي !
ماذا عن محتوى الدورات التدريبية إذن ؟!
أول موضوع وقع عليه نظري ، هو عنوان كبير ( دورة ممارس مُعتمد ) !
ممارس مُعتمد ؟! … ممارس معتمد لماذا بالضبط ؟! .. جميعنا نعرف أن كلمة ( ممارسة ) كلمة غير بريئة إذا تم استخدامها بدون المزيد من التوضيح لها ..
تقرأ عن مكوّنات الكورس نفسه فتجد العناوين المعتادة التى تقرأها فى كل مكان :
- الاستراتيجيات الحديثة المتقدمة.
- الأطر المتقدمة لإدارة المسارات الوظيفية.
- المدخل الاستراتيجي لـ (التسويق – المبيعات – خدمة العملاء – ادارة الموارد البشرية – إلخ ).
وغيرها من المواضيع التى كنت أظن – بسذاجتي – أن التخصص فيها للعمل التطبيقي والتجريبي ، يحتاج إلى عدة أشهر من الدراسة والحصول على درجة أكاديمية مميزة ، وكافية للتطبيق العملي .. فما بالك بتأهيلي لأن أكون مُحاضراً فى التسويق والمبيعات وخدمة العملاء والموارد البشرية والاستراتيجيات الحديثة والقديمة ، بعد 6 أيام هي عمر الدورة كلها ..
هذا إبداع حقيقي !
ما الذي يمكنك أن تحصل عليه بعد حضورك للدورة ؟
- شهادة من جامعة أوكسفورد البريطانية !
- بطاقة ( ممارس معتمد ) تؤهلك للتدريب فى هذه المجالات ! وطبعا البطاقة مُستخرجة باعتماد من جامعة هارفارد أيضاً .. تغليف البطاقة فقط هو الذي يتم فى ورشة حدادة فى أول الشارع الذي تعيش فيه .. ولكن هذا لا يقلل ابداً من قيمتها الدولية كما تعرف..
- شهادات دولية من مركز ( أي اسم يبدو أجنبياً ) فى أي عاصمة غربية ..
مدة الدورة :
التى ستمنحك شهادة مُدرب معتمد من اكسفورد ، وبطاقة ID دولية من هارفارد ، وشهادات دولية من مراكز تبدو مهمة جداً فى الغرب :
6 أيام فقط.. وطبعاً الدورة غير مشروطة بسن معين .. حتى لا تصاب بالدهشة إذا رأيت صبياً فى التاسعة من عمره يجلس بجوارك ، ويصغي باهتمام إلى الاستراتيجيات الحديثة والمتقدمة ..
وفي مكان مُنزوي من البوستر ، تجد بخط صغير :
الدبلومة باستثمار (200 دولار) شامل سعر المادة العلمية وبطاقة الاعتماد ووجبات الغداء!
فيما بعد ، عرفت أن ( الاستثمار ) يختلف من ( مُدرب ) إلى آخر .. كلما بدوت أنيقاً فى البذلة التى ترتديها ، وكلما زادت الصور الخاصة بك التى تظهر فيها كل مرة تشبك أصابع يديك ببعضهما البعض ، ويبدو عليك الجدية والاهتمام .. كلما زاد الاستثمار طبعاً ..
تصفحت العديد من البوسترات الأخرى التى تركها لي صديقي ، فوجدتها جميعاً تدور حول هذه الأمور .. إلا أنها بعناوين شيّقة أكثر ، ومثيرة للاهتمام :
- دورة صناعة المستقبل.
- دورة علم قوة طاقة البشرية (بوستر غامض مثل أفلام الرعب ملئ باللون الأزرق والأسود).
- البرمجة اللغوية العصبية.
- علم ديناميكية التكيّف العصبي.
- دورة التنويم بالإيحاء.
رأيي قبل التسجيل فى الدورة
كل ماسبق طبيعي جداً ، ونعيش معه ونتعايش بشكل عادي فى بلادنا .. هذه الأمور تجدها في كل مكان فى العالم ..
مايدعو للدهشة فعلاً ( أو الغيظ ) هو عندما يطلب منك أحدهم أن تذهب معه إلى محاضرة حول ( البرمجة اللغوية العصبية ) فتعتذر له لضيق الوقت .. ولأنك لا تعرف أصلاً ما هي البرمجة اللغوية العصبية ، ولا تريد أن تعرفها .. وتعتقد أنك إذا أصابتك مصيبة الموت قبل أن تعرف ما هي البرمجة اللغوية العصبية ، فلن يفوتك الكثير ..
فيكون رد الفعل هو أن ينظر لك فى ذهول .. كيف يُمكن لإنسان أن يجرؤ ألا ينبهر بالبرمجة اللغوية العصبية ويذهب إلى محاضراتها ودوراتها بحماس ؟… لهذا السبب أنت فاشل فى حياتك ولا تمتلك قصراً منيفاً فى هاواي .. لهذا السبب أنت فاشل فى حياتك الزوجية .. لهذا السبب سوف تمرض وتموت يوماً ما ..
أتفهّم جداً – بل وأشجّع – أن تكون هناك محاضرات ودورات تدريبية لتعريف الحاضرين على وسائل جديدة ومساعدة فى حياتهم فعلاً .. أفكار جديدة عن الحياة .. تنمية معاني النجاح والأمل فى عقول الناس .. نصائح عملية مُجربة لكيفية تطبيق الأمور بشكل مباشر .. برامج دراسية ( متخصصة ) تهدف إلى تعريف الناس بعلوم ومجالات مؤثرة ..
إنما أن يحاول بعضهم استغلال ميل الناس للعناوين المجهولة الغامضة ، ومداعبة خيالهم بإقناعهم أن هذه الأمور هي سر النجاح ، وأنهم لو خاضوا فيها فسوف يُصبحون أثرياء وقادة مميزين.. لمجرد أنهم سيكونون حاصلين على شهادات معتمدة من ويلز واكسفورد وكامبريدج ( حتى لو افترضنا – أو حلمنا – أن الجامعات الدولية المرموقة تُوزّع شهادات اعتمادها بهذا السخاء ) .. فهذا هُراء ممتزج بقدر هائل من الاستخفاف بعقول الناس !
هل تعرف فى حياتك شخصا أصبح قائداً وناجحاً في حياته الشخصية والأسرية والمادية ومن أثرى أثرياء العالم ، لأنه قام بحضور دورة من 6 أيام حول ديناميكية التكيّف العصبي ؟! .. لا أعتقد ..
كان هذا رأيي في هذه الأمور ، قبل أن أقرر أن أقوم بالتجربة .. ما الذي سأخسره من حضور إحدى هذه الدورات ؟! .. وقمت فعلاً بالتسجيل فى أحد هذه البرامج ، وبدأت الانتظام فى الحضور..
رأيي بعد التسجيل فى الدورة
بعد أن أنهيت الدورة التدريبية المميزة التى قمت بحضورها … حقيقة تحوّلت إلى إنسان آخر .. إنسان مليئ بالإيجابية والنجاح والتألق والتميز .. كل هذه المشاعر جعلت منى شُعلة حقيقية من الحركة والنشاط ، والرغبة الكاسحة فى النجاح والتطور والشهرة .. وسألت نفسي : أين أنا من هذه العلوم الرائعة والمميزة ؟!
هكذا قررت أن أبنى مدرستي الخاصة فى النجاح .. سوف أقوم بتأسيس علم جديد فى التنمية البشرية يُطلق عليه (علم البرمجة المحشية: من سطحية التنظير إلى عمق التطبيق) .. وسوف أجوب العالم العربي كله مجيئاً وذهاباً ، وأمنح محاضرات ودورات تدريبية (باستثمار) 500 دولار للفرد الواحد ..
سوف أعلن من اليوم أننى حاصل على الدكتوراة فى علم النفس الفلسفي من جامعة ( براغ ) التشيكية .. هل لديك الصبر والإصرار للبحث عن العام الدراسي الذي قمت أنا فيه بالحصول على الدكتوراة فى علم النفس الفلسفي من التشيك ، لتتأكد من مصداقيتي قبل الحضور للدورة التدريبية ؟! ..
لا أعتقد .. وحتى لو كان لديك الصبر في البحث عن هذه .. فلن يكون لديك الصبر طبعاً للبحث عن خمسين شهادة معتمدة حصلت أنا عليها من جامعات بريطانيا وأمريكا واسكتلندا وفرنسا والسويد وكوريا الجنوبية .. وكل هذه الشهادات تُشير أنني عبقري ، ومسموح لي أن أحاضر أمامكم جميعاً ، وأقوم بتأهيلكم للنجاح فى الحياة .. وتأهيلكم للعمل أنت بدوركم كمدربين ..
دوراتي التدريبية المميزة تدور حول 3 قواعد :
- كل واحد منا بإمكانه أن ينجح ويصبح رائعاً.
- النجاح رحلة كفاح حقيقية.
- المشككون فى علم البرمجة المحشية لن يُمكنهم النجاح فى حياتهم أبداً !
تقول إنك لا تفهم شيئاً ؟! .. السبب أنك لا تحضر محاضراتي ولا تدفع الـ 500 دولار .. فلا تتوقع منى أن أشرح لك هذه الطريقة العلمية ( المعقدة ) فى هذا المقال القصير .. قم بالتسجيل فى الدورة التدريبية واجلس أمامي ، وأنا اعدك أننى سأخبرك بكافة التفاصيل .. وسأعطيك مادة علمية كبيرة ومكتنزة ، مليئة بالصور الملوّنة وخرائط تدفق المعلومات والمقولات المؤثرة
إذا كانت الـ 500 دولار جاهزة لديك ، تواصل معي فوراً بدون تردد .. أما إذا كنت مازلت مُتشككاً فى الموضوع فهذا شانك فى الواقع .. ساظل أنجح وأنجح ، وسيظل تلاميذي الذين قمت بتدريبهم يدافعون عن ( علم البرمجة المحشية ) فى كل مُناسبة ، ويتهمون المُنكرين له أنهم جهلة ومساكين ولا يقرأون ولا يعرفون شيئاًَ على الإطلاق.
0 التعليقات:
إرسال تعليق