قصة السلطة في تركيا من أتاتورك حتى أردوغان


فاز أردوغان أمس في انتخابات رئاسة الجمهورية التي قام فيها الشعب باختيار رئيسه بالاقتراع المباشر لأول مرة في تاريخ تركيا، ليأتي الفوز مكمّلاً للاستحقاق الديمقراطي لحزب العدالة والتنمية بعد الفوز في الانتخابات المحلية، في فترة وُصفت بكونها الأصعب على الحزب.
يمكن اعتبار نصر أردوغان نصرًا تاريخيًّا منذ أتاتورك وإعلان جمهورية تركيا الحديثة، ففي الوقت الذي يُحكم فيه حزب العدالة والتنمية سيطرته على السلطة منذ سنوات، كانت تركيا قبل ذلك رهينة تحت القبضة العسكرية إلا من لحظات انفراج ما تلبث أن تنتهي بانقلاب عسكري، وإحكام السلطات العسكرية قبضتها على السلطة ووأد الديمقراطية.

مصطفى كمال أتاتورك وتكريس العلمانية في تركيا:

يعتبر أتاتورك هو مؤسس الدولة التركية الحديثة، ففي أكتوبر عام 1923م أعلن أتاتورك إلغاء الخلافة وولادة الجمهورية التركية، وجعل من أنقرة عاصمة للدولة التركية بدلاً من إسطنبول التي كانت عاصمة الخلافة العثمانية.
بدأ أتاتورك عهدًا من تكريس العلمانية والتغريب بشكل كامل في تركيا، فمنع الناس من ارتداء الطربوش والعمامة، ومنع المدارس الدينية وألغى المحاكمات الشرعية، وألغى استخدام الحروف العربية في الكتابة، واستبدلها بالحروف اللاتينية.
ظلت التغيرات التي أدخلها أتاتورك على الحياة التركية موضع جدل حتى اليوم، ففي الوقت الذي يرى فيه البعض أنه أسس دولة قوية حديثة، يرى خصومه أنه قد قام بإزالة كل ما له صلة بالدين والتدين والهوية الإسلامية، وفي عهده كانت الحريات شبه معدومة، ونظامه أقرب إلى الديكتاتورية.

شكل أتاتورك أول حزب سياسي عام 1923م، وهو حزب الشعب الجمهوري، والذي ظل في سدة الحكم حتى بعد وفاة أتاتورك، فخلفه نائبه عصمت إينونو، الذي سار على نهج أتاتورك، فقام بتغيير الأذان إلى اللغة التركية، وأغلق المدارس الدينية.
كانت هذه السياسات هي أحد الأسباب التي ساهمت في تشكيل جبهات معارضة ضد حكم حزب الشعب الجمهوري، فخرج أربعة نواب على قيادة حزب الشعب الجمهوري، هم: عدنان مندريس وجلال بيار وفؤاد كوبرولو ورفيق قورالتان، وأعلنوا تشكيل الحزب الديمقراطي بزعامة عدنان مندريس، والذي أطاح بحكم إينونو في انتخابات عام 1950م.

حكومة عدنان مندريس .. وانقلاب 1960م:

عرفت تركيا الحياة الديمقراطية في أول انتخابات أجريت عام 1946، لكن لم يستطع الحزب الديمقراطي أن يشارك إلا في 16 محافظة، فحصل على 62 مقعدًا مقابل 396 مقعدًا حصل عليها حزب الشعب الجمهوري في البرلمان.
ثم جاءت انتخابات 1950م، وحصل الحزب الديمقراطي على 52.68% من الأصوات؛ ليفوز بـ 397 مقعدًا من مجموع 487، وتولى الحكومة برئاسة عدنان مندريس، ثم انتخب البرلمان محمود جلال بايار رئيسًا للجمهورية التركية، الذي أعيد انتخابه عامي 1954م، و1957م.
أعاد مندريس الأذان إلى أصله باللغة العربية، وأدخل الدروس الدينية إلى المدارس، وقام بإنشاء مراكز لتعليم القرآن، إلا أنه قد واجه بعض المشكلات في عهده نظرًا لسوء الحالة الاقتصادية، وما تعرض له من انتقادات من أتباع حزب الشعب الجمهوري.
في عهده شهدت تركيا احتجاجت داخل الجيش وطلاب الجامعات تندد بحكومة مندريس وسياساته، واستمرت المظاهرات حتى إعلان القوات المسلحة وضع يدها على الحكم برئاسة الجنرال جمال جورسل، لتشهد تركيا أول انقلاب عسكري عام 1960م، ولم يكن الأخير.
قامت القيادات العسكرية بإلقاء القبض على رئيس الوزراء عدنان مندريس ورئيس االجمهورية جلال بيار، وبدأت في مطاردة أتباع الحزب الديمقراطي، وحكم على بيار بالسجن مدى الحياة، وبالإعدام على مندريس ووزير خارجيته فطين رشدي ورلو ووزير ماليته حسن بولاتقان بتهمة قلب النظام العلماني وتأسيس دولة دينية، وفي سبتمبر عام 1960م، أُعدم رئيس الوزراء عدنان مندريس.

القيادة العسكرية وحكومة سليمان ديميريل:


قامت القيادة العسكرية الانقلابية برئاسة جمال جورسل بإخراج دستور يحمي وجودها في الحكم، وطرحته في استفتاء عام 1961م، ووافق الشعب عليه.
تم إجراء انتخابات تشريعية عامة عام 1961، شكّل فيها حزب الشعب الجمهوري حكومة ائتلافية برئاسة عصمت إينونو.
وفي انتخابات 1566، حصل حزب العدالة، والذي يعتبر امتدادًا للحزب الديمقراطي على أغلبية مقاعد البرلمان بزعامة سليمان ديميريل.

بعد أن تولى ديميريل رئاسة الحكومة، شهدت البلاد فوضى كبيرة من الحركات الشيوعية وقتالها مع القوميين، بلغت أقصاها عام 1970م، وبعد عام من الاحتجاجات أعلن قادة عسكريون أن تدهور الأوضاع في البلاد يجبرهم على وضع قبضتهم على السلطة، فقام ديميريل بتقديم استقالته، ليقوم الجيش فيما بعد بتشكيل حكومة انتقالية.

انقلاب كنعان أوفرين 1980:

في انتخابات عام 1973، حصل حزب الشعب الجمهوري بزعامة بولنت أجاويد على أغلبية الأصوات، وتشكلت حكومة ائتلافية برئاسة أجاويد بين حزب الشعب الجمهوري وحزب السلامة الوطني الذي أسسه نجم الدين أربكان، وفي انتخابات 1977 حصل أجاويد على أغلبية الأصوات أيضًا لكنه لم يتمكن من التفرد بالحكم، فشكل حكومة ائتلافية مع سليمان ديميريل.
عادت الفوضى مرة أخرى للبلاد، وفقدت الحكومة الائتلافية سيطرتها على الأحداث، لتعود القوات المسلحة بانقلاب جديد عام 1980، لتعلن تسلمها قيادة البلاد برئاسة كنعان أوفرين، وإعلان حالة الطواريء وحل الحكومة والأحزاب السياسية، والقبض على كافة زعماء الأحزاب والنواب.
وفي انتخابات عام 1983، فاز حزب الوطن الأم بزعامة تورغوط أوزال، بأغلبية مكنته من رئاسة الحكومة، ثم رئاسة الجمهورية فيما بعد.

عهد تور غوط  أوزال:

كان أوزال أول رئيس مدني يتولى منصب رئيس الجمهوية، وفي عهده أظهر تعاطفًا مع النشاطات الإسلامية، فضم في قياداته إسلاميين، وتوسعت في عهده المدارس الإسلامية، وقد عُرف بميوله الصوفية، إلا أنه لم ينفِ التزامه بالعلمانية الغربية، ولم يتصادم مع الجيش، فقضي عهدين في الحكومة ورئيس الجمهورية كنعان أوفرين، حتى وصل إلى رئاسة الجمهورية.
في عام 1991، فاز حزب الطريق القويم بزعامة سليمان ديميريل بأغلبية مقاعد البرلمان، وحصل حزب الوطن الأم بالمركز الثاني، ثم حزب الشعب الديمقراطي الاشتركي، ثم حزب الرفاه الإسلامي بزعامة نجم الدين أربكان، وتشكلت حكومة ائتلافية برئاسة سليمان ديميرل مع حزب الشعب الديمقراطي الاشتراكي.
في عام 1993، توفي تورغوط أوزال ليخلفه سليمان ديميريل رئيسًا للجمهورية.

سليمان ديميريل وحكومة نجم الدين أربكان وانقلاب آخر:

في انتخابات 1995، حصل حزب الرفاه بزاعمة نجم الدين أربكان على أغلبية المقاعد، وشكل حكومة ائتلافية مع حزب الطريق القويم، لتشهد تركيا انقلابًا جديدًا من القيادات العسكرية.
ففي عام 1997، أصدرت القيادات العسكرية مجموعة من القرارات طلبت من الحكومة فيها سدّ الطرق أمام الحركات والتيارات الدينية، وهو ما أدى لسقوط حكومة أربكان وحل حزب الرفاه ثم حزب الفضيلة، وحظر الممارسة السياسية على أربكان وبعض الأعضاء البارزين في الحزب، وتم إعلان حالة الطوارئ، وإغلاق عدد كبير من مدارس تعليم القرآن، ومنعت المحجبات من دخول الجامعات.

ظهور حزب العدالة والتنمية:

في عام 2000، تولى أحمد نجدت سيزر رئاسة الجمهورية، وفي عام 2001، تم تأسيس حزب العدالة والتنمية بعد حل حزب الرفاه والفضيلة، وفي 2002، كانت الانتخابات البرلمانية التي فاز فيها حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان بأغلبية ساحقة مكنته من تشكيل الحكومة منفردًا، إلا أن أردوغان لم يتمكن من رئاسة الحكومة وقتها لأنه كان ممنوعًا من ممارسة السياسةة، فتولى عبد الله غل رئاسة الحكومة، ليتم تعديل الدستور فيما بعد ليسمح بتولي أردوغان منصب رئيس الحكومة.
جاء حزب العدالة والتنمية مؤكدًا أنه لا يريد دولة دينية، لكنه يريد دولة ديمقراطية علمانية، تفصل بين الدين والدولة، ولا تسيطر فيها الدولة على الدين.
في عام 2007، اختار حزب العدالة والتنمية غل ليكون مرشحه لرئاسة الجمهورية، لكن حزب الشعب الجمهوري قام بمقاطعة الانتخابات هو وبعض أحزاب المعارضة، وتم إبطال الجولة الأولي بدعوى أنها لم تجرَ بحضور أغلبية الثلثين، وفي الجولة الثانية أعلن غل سحب ترشيحه بسبب فشل عملية التصويت مجددًا، وفي الجولة الثالثة حصل غل على أكثر من نصف أصوات البرلمان، وانتخب رئيسًا للجمهورية.

رجب طيب أردوغان رئيسًا للجمهورية:

يعتبر أردوغان هو أول رئيس للجمهورية يتم انتخابه من الشعب مباشرة، فقد كان اختيار رئيس الجمهورية يتم من خلال أغلبية أصوات البرلمان، حتى تم تعديل قانون الانتخاب ليسمح للشعب باختيار رئيسه مباشرة.
فاز أردوغان بنسبة 52% من الأصوات، يليه أكمل الدين إحسان أوغلو بنحو 38%، ليعلن دخول تركيا مرحلة جديدة، يتعهد فيها بالمصالحة الداخلية، وبحماية الديمقراطية.
يرى محللون أن وصول أردوغان للرئاسة قد يساهم في تغيير نظام الحكم في تركيا من النظام البرلماني إلى نظام رئاسي ذي صلاحيات مطلقة، وربما تساهم التحديات الداخلية والخارجية التي يواجهها أردوغان في دفعه إلى ذلك لتعزيز سلطته، ومدّه بالصلاحيات في منصب يُعتبر حتى اليوم في تركيا منصبًا شرفيًّا بالنسبة إلى منصب رئيس الحكومة.
شاركها في جوجل+

عن غير معرف

0 التعليقات:

إرسال تعليق